Voice of Preaching the Gospel

vopg

تموز (يوليو) 2006

لم يأتِ المسيح من السماء ليؤسس عدة كنائس وطوائف، لكنه جاء ليؤسس كنيسة واحدة. وقد قال لبطرس: ”وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها“ (متى 18:16).

 

وفي إنجيل يوحنا نقرأ عن قول رئيس الكهنة: ”خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها“. ثم نقرأ تعليق البشير على هذا: ”ولم يقل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة تنبّأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة. وليس عن الأمة فقط ، بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد“ (يوحنا 52:11).

فكأن هدف مجيء المسيح من السماء هو تأسيس كنيسة واحدة، يجتمع فيها المتفرقون في وحدة واحدة تشابه وحدة المسيح مع الآب، تلك الوحدة التي صلى المسيح من أجلها قائلاً: ”ليكونوا واحداً كما نحن“
(يوحنا 11:17).. وهي وحدة مطلقة لا تنحلّ ولا تضعف ولا تنفصم.

ولقد أرسى بولس الرسول قواعد علم اللاهوت للكنيسة، وهو يقول بصدد وحدة المؤمنين: ”جسد واحد، وروح واحد، كما دُعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة، إله وآب واحد للكل، الذي على الكل وبالكل وفي كلكم“ (أفسس 4:4-6).

 وهل يستطيع الجسد أن يحيا وهو متناثر الأشلاء؟

وهل نقول إن الجسد متحد بالروح وهو ممزق الأوصال؟!

إن من يقرأ ما فعله بولس الرسول من أجل وحدة الكنيسة يقف مذهولاً من تفكير هذا الرجل العملاق وتصرفاته.

لقد كانت هناك اختلافات لاهوتية هامة في العقيدة، ولكن بولس الرسول لم يحسبها سبباً لعمل انقسام في الكنيسة.. بل نراه يتنازل بعض الشيء عن بعض أفكاره من أجل وحدة الكنيسة! وقد يبدو هذا الكلام غريباً للذين يتمسكون اليوم ببعض الأفكار اللاهوتية غير الرئيسية، ويصرون على تمزيق جسد المسيح وإعطاء العالم صورة محزنة للكنيسة!

والخلاف الأكبر الذي نشأ في الكنيسة الأولى لم يكن تافهاً حتى يتغاضى بولس الرسول عن رأيه فيه... لكن الواقع أنه حسب وحدة الكنيسة أهم بكثير من التزمّت في عقيدة.

وقصة الخلاف كما هو معروف كانت تدور حول التمسك بالناموس اليهودي مع تقاليده أو إهماله. وقد أصرّ اليهود على أن الوثنيين المقبلين إلى الإيمان المسيحي ينبغي أن يحفظوا كل تقاليد اليهود من ختان وغيره. ورأى بولس الرسول غير ذلك، وأعلن أن الوثنيين الذين يؤمنون بالمسيح يتمتعون بكل امتيازات المسيحية دون الحاجة إلى الدخول من باب التقاليد اليهودية.

*****

 ولننظر إلى الوحدة الكنسية الكاملة من زاوية أخرى.. وما هو سبب انقساماتنا الكنسية؟

إن أي دارس لتاريخ الكنيسة يلمس أن معظم الانقسام جاء بسبب الكبرياء الشخصية، ونتيجة الاختلافات السياسية!

فهل نحيا نحن اليوم في الحالة التي أوجدتها الكبرياء والسياسة، ونرضى بحياة الكنيسة التي نتجت عن خطية بل خطايا؟

وهل نقول إن وحدة الكنيسة روحي، ونترك انقساماتنا المخزية وتفرقاتنا المحزنة تنخر في عظام شهادتنا لمخلصنا؟!

ألا يضحك العالم علينا ونحن نحدثه عن السلام الذي يحلّه الإنجيل، ولا سلام بين طوائفنا التي تتناحر؟!

ألا يلمس غير المسيحيين أننا ننهش بعضنا بعضاً حتى نكاد نفني بعضنا بعضاً.. ثم يسمعون مواعظنا عن المحبة والاتحاد وجسد المسيح الواحد؟! وإذا بصوت أعمالنا يعلو بما لا يُقاس عن صوت أقوالنا؟!

إن كان المسيح قد مات ليخلصنا من خطايانا وليجمعنا إلى واحد، فهل نقول إن انقسامنا هذا مجرّد مظهر خارجي ولكن الواقع أننا واحد؟! أليس هذا التناقض بعينه الذي يفضي إلى المغالطة وتشويه الحقائق؟!

ولنفرض جدلاً أن وحدة الجسد الواحد تتوقّف على الحياة التي تسري فيه، فهل يمكن لهذه الحياة الواحدة أن تهب أعضاء الجسد المنفصلة الممزّقة حيوية ونشاطاً؟!

هل يمكن أن تكون الكنيسة واحدة بطبيعتها، دون أن تكون متحدة في الظاهر؟ أليس هذا إنكاراً لطبيعة الوحدة؟!

 *****

ولسنا ننكر أن في الكنيسة اختلافاً، وهذا واضح من وصف الكنيسة بالجسد، إن أعضاء الجسد ليست كلها واحدة في شكلها ولا في عملها. ويقول بولس الرسول: ”أما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً“ (1كورنثوس 27:12). وعلى نفس القياس نرى في الكنيسة أنواع مواهب متعددة، ولكن الروح القدس الذي يعطيها واحد... وفي الكنيسة أنواع حياة موجودة، لكن الله واحد وهو الذي يعمل الكل وفي الكل.. وكل خدمات الكنيسة يعملها الروح الواحد بعينه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء.

ولا يستطيع عضو من أعضاء الجسد الواحد أن يقول لأي عضو آخر أنه في غير حاجة إليه، بل الواقع أنه لا يقدر أن يستغني عنه. والمسيح رأس الجسد لا بد أن يشعر بألم توقف أعضائه عن العمل المنسجم والمنسق معاً. إنه إذ يصدر أمره إلى أجزاء الجسد ينتظر أن يعمل كل جزء منها عمله، حتى يتم العمل النهائي المقصود.

فإذا حدث أن الكنائس تخاصمت معاً، واستمرت في خصامها المؤلم، فإن الخسارة العامة تكون جسيمة ومؤلمة!

وحين يتكلم الرسول بولس عن التنوّع في المواهب الروحية، يمضي ليقول: ”جدوا للمواهب الحسنى، وأيضاً أريكم طريقاً أفضل“. ثم يتكلم عن المحبة التي تحتمل كل شيء ولا تطلب ما لنفسها، وتصبر على كل شيء“
(1كورنثوس 31:12 وص 13).

وعلى هذا فإن التنوع في المواهب يجب أن يجري في وحدة ومحبة كاملتين. مثل أعضاء الأسرة الواحدة التي تختلف مقدراتهم على الخدمة والعمل والكسب والإمكانيات، ولكنهم يجتمعون حول مائدة واحدة يأكلون معاً، ويظللهم سقف واحد إذ يسكنون معاً.

 *****

بقيت نقطة أخيرة في هذا الحديث: هل نقصد أن تصبح الكنائس المسيحية كلها كنيسة واحدة من طائفة واحدة اسمها الكنيسة المسيحية؟!

والجواب الصريح حسب التعاليم الكتابية الواضحة كما يراه الكاتب هو ”نعم“! ولا يعني هذا أن يكون نظام العبادة أو الإدارة واحداً في كل الكنائس.

إن الله قد خلق الكنيسة واحدة في طبيعتها لأنها هي جسده، وعلى الكنيسة عموماً أن تدرك هذه الوحدة وتهدف نحوها.

ولا نستطيع أن ندرك الوحدة المسيحية بتنظيمات بشرية، ولكننا نقدر أن نجعل هذه التنظيمات أداة في يد المسيح بالروح القدس لتتوحّد الكنيسة.

وقد يكون أن توحيد الكنائس جميعاً في كنيسة واحدة أمر عسير، ولكن علينا أن نبدأ من حيث نحن ونسير نحو هذا الهدف المقدس.

ولعل خير ما نختم به هذا المقال هو بعض ما جاء في تقرير مؤتمر ”الإيمان والنظام“ الذي انعقد في لند بالسويد عام 1952 وجاء فيه:

”ينبغي أن نعمل معاً كل ما يسمح لنا ضميرنا المسيحي أن نعمله منفصلين، فإن الوحدة هي الأمر الطبيعي، أما الانفصال فهو الأمر الشاذ المعثر بغض النظر عن المنافسة التي فيه.

”ونحن لا نقول إن الكنائس المنفصلة يجب أن تعمل معاً وكأنها واحدة، ولكننا نقول إن هذه الكنائس يجب أن تعترف بأنها واحدة رغم الانقسامات الموجودة بينها.. وواجبنا يدعو إلى مداومة الانتباه وامتحان النفس حتى لا يتبع أحد طريق الانفصال، الذي هو الطريق السهل.

”وعلى كل كنيسة في كل مرة تقوم فيها بمشروع جديد أن تسأل نفسها عن المبررات اللاهوتية والواقعية التي تبرر قيامها بهذا المشروع منفصلة عن الكنائس الأخرى.. ويجب أن تثابر على تدريب نفسها على ممارسة هذا الأمر حتى يصبح الأمر عادة عندها... ومن الضروري أن نفحص نفوسنا جيداً ونحن نورد مبررات الانفصال“.

المجموعة: 200607

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

146 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10569456