Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران (يونيو) 2006

منذ زمن ليس بقليل قرأت هذا العنوان على دفة كتاب لمؤلفه المدعو ”لورنس العرب“ وهو ضابط بريطاني عمل مع القوات العربية أثناء الحرب الكونية الأولى لطرد الأتراك من البلاد العربية. وحاولت العثور فيه على شيء من الحكمة فلم أجد سوى معارك، وتفجيرات جسور وسكك حديدية، وقتل، وتدمير، وخراب، فقلت في نفسي: أين الحكمة في كل هذه؟ وانكفأت إلى كلمة الله الحية فطالعت فيه هذه الآية:

 

”الحكمة بَنَت بيتها، نحتت أعمدتها السبعة“ (أمثال 1:9).

من يتأمل في تلك الحكمة التي قصدتها كلمة الله يرى الحكمة في بنائها وإبداعها، في عظمتها وكمالها، في تعليمها وإرشادها. فهي ليست صفة لشخص ما كما يتبادر إلى الذهن بل تشير إلى شخصية كاملة عاملة بقوة، متكلمة بسلطان، متفاضلة بغنى، معلّمة للجهال، مشبعة للجياع، وحائزة على جميع الامتيازات والبركات الروحية والأدبية. إنها شخصية الرب يسوع المسيح، له كل المجد!

فالحكمة تبني البيت ولا بد لأي بيت من وجود الأعمدة كي يكون البناء قوياً وثابتاً، فالأعمدة للبيت رمز القوة والثبات. وقد نحتتها وجمّلتها وأتقنت في تركيبها كي تكون للبيت صورة الجمال وبهجة الإتقان.

وبيت الحكمة هذه هو الإنسان المؤمن المرتكزة حياته على أعمدة حكمة الله السبعة:

1- رمز العهد

يحدثنا الفصل الكتابي عن يعقوب أبي الأسباط حينما سلب أخاه البكورية والبركة الأبوية، وخدع أباه، وذهب هارباً من وجه أخيه عيسو، ”فخرج يعقوب من بئر سبع وذهب نحو حاران. وصادف مكاناً وبات هناك لأن الشمس كانت قد غابت. وأخذ من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه، فاضطجع في ذلك المكان. ورأى حلماً... وبكّر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عموداً وصبّ زيتاً على رأسه ودعا اسم ذلك المكان بيت إيل“ (تكوين 10:28-22). كان ذلك العمود رمز العهد بين الله ويعقوب بالصفح والمصالحة تجاه الهارب، الوحيد، الشريد، الخائف، والشاعر بالإثم وتبكيت الضمير على فعلته تجاه أخيه. وكان الله هو البادئ بالعهد وكان لا بد ليعقوب من ترسيخه والمحافظة عليه، وكان رمزاً لعهد تكرّس بأعظم عمود ليس للمصالحة بين الله وشخص واحد بل عهد مصالحة لجميع البشر. في ذلك العمود الذي نصب في تلة الجلجثة قبل حوالي 2000 عام ولا زال وسيبقى حتى نهاية الزمان رمز الصفح من الله والمصالحة بينه وبين بني البشر الأردياء الكذابين والمحتالين!

2- رمز الهداية

بعد أن خرج الشعب القديم من مصر واجتاز البحر الأحمر بمعجزة أجراها الله على يد موسى، فدخلوا البرية وكانوا تائهين في صحراء التيه. ”وكان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلاً في عمود نار ليضيء لهم - لكي يمشوا نهاراً وليلاً“ (خروج 21:13).

وهذا العالم الذي نعيش فيه يشبه برية مقفرة يمكن أن يتيه المرء فيها كما تاه الشعب القديم. وكلنا نحتاج إلى هداية الرب وإرشاده لكي لا نضلّ. لقد صلى أحد المرنمين قديماً بقوله: ”ضللت كشاة ضالة، اطلب عبدك لأني لم أنسَ وصاياك“ (مزمور 176:119). ويقول الرب: ”أعلمك وأرشدك  الطريق التي تسلكها. أنصحك. عيني عليك“ (مزمور 8:32).

3- رمز الإنذار

”لأن الفجور يحرق كالنار. تأكل الشوك والحسك، وتشعل غاب الوعر فتلتفّ عمود دخان“ (إشعياء 18:9).

كثيراً ما نشاهد على الطرق العامة أعمدة تحمل لوحات كتبت عليها إنذارات وتحذيرات، فليس القصد منها الإساءة إلى من يستعملون هذه الطرق بل المحافظة على سلامتهم. وهكذا فإن إنذارات الله وإن قست أحياناً فهي تنطلق من صميم قلبه المحب كقوله: ”مخيف هو الوقوع في يدَي الله الحي“ (عبرانيين 31:10). وقوله: ”وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني“ (رؤيا 8:21).

4- رمز الدعم

”هئنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة وعمود حديد وأسوار نحاس على كل الأرض... لأني أنا معك يقول الرب لأنقذك“ (إرميا 18:1-19).

وإن كان هذا القول موجهاً إلى إرميا النبي إلا أنه موجّه أيضاً إلى كل مؤمن يجعل الرب متّكله وعنه لا يحيد قلبه. قد ينظر الناس إلى أولاد الله فيجدونهم ضعفاء ويعتقدون أنهم يقادون بقوتهم الذاتية فيزدرون بهم كما ازدرى سنبلط الحوروني وطوبيا العبد العموني وجشم العربي بنحميا وجماعته الذين كانوا يرممون أورشليم ويبنون أسوارها واحتقروهم. فيقول نحميا: ”فأجبتهم وقلت لهم إن إله السماء يعطينا النجاح ونحن نقوم ونبني“ (نحميا 20:2). كان تلاميذ الرب يسوع بضعة أشخاص بسطاء وضعفاء ليس لديهم جيوش أو معدات ولا أسلحة فتاكة، ولكنهم استطاعوا بقوة الرب أن يقوّضوا عرش الإمبراطورية الرومانية.

5- رمز الخضوع للسلطان الإلهي

”يقيم المسكين من التراب. يرفع الفقير من المزبلة للجلوس مع الشرفاء ويملّكهم كرسي المجد. لأن للرب أعمدة الأرض، وقد وضع عليها المسكونة“ (1صموئيل 8:2).

إن خضوع الإنسان المؤمن للسلطان الإلهي والتسليم لمشيئة الله في كل أمر هو قانون كتابي ومبدأ روحي عظيم. وهذا الخضوع والتسليم ينطلق من أعماق المؤمن دون الالتفات إلى الموجبات والظروف ولا يتعلق باستجلاب مكسب أو اتقاء مقلب. لم يستطع نبوخذنصر الملك البابلي الشهير أن يدرك هذا في بادئ الأمر، ولكنه تعلم الدرس بعد أن طُرد من بين الناس، وأكل العشب كالثيران، وابتلّ جسمه بندى السماء حتى مضت عليه سبع سنوات عرف بعدها أن العليّ متسلط في مملكة الناس وأنه يعطيها من يشاء.

6- رمز الثبات في الحق الإلهي

”ولكن إن كنت أبطئ فكي تعلم كيف تتصرف في بيت الله، الذي هو كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته“ (1تيموثاوس 15:3). لقد كتب الرسول بولس هذه الملاحظة لتلميذه تيموثاوس ليبيّن له أهمية التمسك بالحق الإلهي وعدم التفريط بأي مبدأ روحي تحت أي ظرف من الظروف. وقد أتبعها بالآية الشهيرة: ”وبالإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرّر في الروح، تراءى لملائكة، كُرز به بين الأمم، رُفع في المجد“ (1تيموثاوس 16:3) مؤكداً على أساسيات الإيمان المسيحي. ثم نبّهه إلى الضلالات والمضلين: ”ولكن الروح يقول صريحاً: إنه في الأيام الأخيرة يرتدّ قوم عن الإيمان، تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شياطين“ (1تيموثاوس 1:4).

وكم توجد اليوم من بدع مضلّة وتعاليم شياطين تحاول تزوير الكلمة الإلهية، ولكن رغم كل هذا فإن كنيسة المسيح الحقيقية ستبقى ثابتة على الحق الإلهي بقوة الله ودعم الروح القدس. فقد قال الرب: ”وأبواب الجحيم لن تقوى عليها“.

7- رمز النصرة النهائية

”ها أنا آتي سريعاً. تمسّك بما عند لئلا يأخذ أحد إكليلك. من يغلب فسأجعله عموداً في هيكل إلهي، ولا يعود يخرج إلى خارج، وأكتب عليه اسم إلهي، واسم مدينة إلهي أورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند إلهي، واسمي الجديد“ (رؤيا 11:3-12).

كل نشاط لا بد له من عاقبة تناسبه. وعاقبة الثبات في الإيمان هي النصرة النهائية والمجد الأبدي.

تلك هي أعمدة الحكمة السماوية النازلة من فوق والتي ليست من هذا العالم، ”لأن حكمة هذا العالم جهالة عند الله“. والناس يتراكضون مسوقين بحكمة هذا العالم دون الالتفات إلى تلك الأعمدة الراسخة التي تثبّت الحياة الأدبية، وتدعّم الشخصية الروحية، وتحقق النصرة الكاملة على الظروف والمتاعب والشرور التي تتكاثر من حولنا يوماً بعد الآخر.

”إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعيّر، فسيُعطى له (يعقوب 5:1).

المجموعة: 200606

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

407 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10476724