أيار (مايو) 2006
إن التأمل في موضوع الدعوة التي دُعينا بها يملأ قلب المؤمن بالفرح والسجود لله. كما أن له تأثير صالح على سلوكه في هذا العالم.
من هو الذي دعانا؟
من المعروف أن قيمة أي دعوة تتوقّف على قيمة الشخص الذي يقدمها. فما أعظم الدعوة التي نلناها من "إله كل نعمة الذي دعانا إلى مجده الأبدي في المسيح يسوع" (1بطرس 10:5). إن الذي دعاك إلى مجده الأبدي أيها المؤمن هو الله الذي "منه وبه وله كل الأشياء".
وهو متى دعانا فلن يغير رأيه "لأن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة" (رومية 29:11). ولأن الله "ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يعقوب 17:1).
ولكن من هم المدعوون؟
هل كلهم أو حتى معظمهم من الأغنياء والعظماء والفلاسفة وذوي العلم والجاه؟
يجيب الرسول بولس عن هذا بالقول: "انظروا دعوتكم أيها الإخوة، أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد. ليس كثيرون أقوياء. ليس كثيرون شرفاء. بل اختار الله جهّال العالم ليخزي الحكماء، واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء، واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود، لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه. ومنه أنتم بالمسيح يسوع، الذي صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة وفداء. حتى كما هو مكتوب: [من افتخر فليفتخر بالرب]" (1كورنثوس 26:1-31). هؤلاء "هم مدعوّون حسب قصده"، "والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضاً. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضاً. فماذا نقول لهذا؟" (رومية 30:8-31). أما أن الذي دعانا قد بررنا، فهو أمر أكيد قد تمّ فعلاً. لذلك "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح"
(رومية 1:5)، ليس ذلك فقط بل لنا أن "نفتخر على رجاء مجد الله" (رومية 2:5). "والرجاء لا يُخزي" - أي إنه أكيد لن يخيّب أملنا (عدد 5). فنحن نعلم يقيناً أننا نحن المدعوين سنكون معه في المجد، استجابة لطلبة المسيح الذي قال: "أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الذي أعطيتني"
(يوحنا 24:17). كما قال أيضاً: "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني" (عدد 22). فنحن نعلم يقيناً على أساس كلمة الله أننا سنكون هناك معه في المجد بأجساد ممجدة، وبدون الطبيعة الساقطة. هذا هو رجاء دعوته! لا عجب أن الرسول بولس كان يصلي من أجل المؤمنين لكي يعطيهم الله الحكمة، لكي تستنير عيون أذهانهم ليعلموا ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين (أفسس 17:1-18).
حقاً، ما أجمل العبارات التي يقدمها لنا الوحي بخصوص هذه الدعوة، فهو دعانا إلى مجده الأبدي، دعانا بالمجد والفضيلة، دعانا وبررنا ومجدنا، دعانا لكي نرث بركة.
كل هذا يملأ قلب المؤمن بالفرح وبالسجود للرب.
صفات هذه الدعوة
أولاً، هي دعوة مقدسة
"الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية" (2تيموثاوس 9:1). فهي ليست دعوة لحياة عالمية وإشباع شهوة جسدية، ولا هي دعوة للغنى المادي والرفاهية، بل هي دعوة للقداسة: "القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب". "لأن الله لم يَدْعُنا للنجاسة بل في القداسة" (1تسالونيكي 7:4). فمن يقول أنه قَبـِل هذه الدعوة ويعيش في الخطيئة، هو مثل الإنسان الذي لم يكن لابساً لباس العرس وكان مصيره الطرد في الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الإنسان ( متى 11:2-14).
ثانياً، هي دعوة سماوية
"من ثم أيها الإخوة القديسون، شركاء الدعوة السماوية، لاحظوا رسول اعترافنا ورئيس كهنته المسيح يسوع" (عبرانيين 1:3). هي دعوة سماوية لأنها جاءتنا من السماء وتدعونا لنكون سماويين. "فإن سيرتنا نحن (أي وطننا) هي في السماوات، التي منها أيضاً ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح" (فيلبي 20:3). لذلك يجب أن تكون أهدافنا وآمالنا سماوية. فمع أن المؤمن يجب أن يكون دائماً مواطناً صالحاً، إلا أن دعوته سماوية، ولذلك يجب أن تكون صفاتنا سماوية، ولا نكون مثل "الذين نهايتهم الهلاك، الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات" (فيلبي 19:3). نحن كنا قبلاً أمواتاً بالذنوب والخطايا، ولكن "الله الذي هو غنيّ في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها، ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح - بالنعمة أنتم مخلصون - وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع" (أفسس 4:2-6). ولنتذكر دائماً أن الله "باركنا بكل بركة روحية في السماويات" (أفسس 3:1).
ثالثاً، هي دعوة عليا
يقول الرسول بولس: "ولكني أفعل شيئاً واحداً: إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتدّ إلى ما هو قدّام. أسعى نحو الغرض لأجل جعالة (جائزة أو مكافأة) دعوة الله العليا في المسيح يسوع" (فيلبي 13:3-14).
السلوك اللائق بهذه الدعوة
بما أن الله هو الذي دعانا وبررنا ومجدنا، وبما أنها دعوة مقدسة وسماوية وعُليا، إذاً يجب أن يكون سلوكنا مناسباً لهذه الدعوة. لذلك يقول الرسول بولس: "فأطلب إليكم، أنا الأسير في الرب، أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دُعيتم بها. بكل تواضع، ووداعة، وبطول أناة، محتملين بعضكم بعضاً في المحبة" (أفسس 1:4-2). بحسب الفكر البشري، كلما كانت الدعوة سامية وعالية، ازداد الإنسان في كبريائه. ولكن الذي دعانا يعلمنا أن نسلك كما سلك المسيح على هذه الأرض، فهو الذي قال: "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (متى 29:11). وما أكثر التعاليم التي يعلمنا إياها الكتاب بخصوص سلوكنا في هذا العالم.
ليتنا لا ننسى أبداً جلال هذه الدعوة فنسلك كما يحق لها ممجدين إلهنا الذي دعانا وبرّرنا ومجّدنا، آمين.