Voice of Preaching the Gospel

vopg

نيسان (إبريل) 2007

تتأجَّجُ نارٌ في قلبي، وأُحسُّ وكأنني في صراعٍ حقيقي يسيطرُ على كلِّ ذرة من كياني. أهو كلامُ المعلم الذي يتداولُه أترابي يقضُّ عليَّ مضجعي؟ أم أنَّها المناقشاتُ الحادة والأحاديث المستمرة الدائرة بين أقراني وبينه؟ هذه الأحاديث التي تميل إلى المناقضة والهجوم حتى أنَّ الحالَ بدا في قمة التأزُّم؟ كلُّ هذا دفعني إلى أن أتساءل بيني وبين نفسي إلى متى سأقف أسترقُّ السمعَ عنه من هنا وهناك؟ لماذا لا أذهبُ أنا إليه وأتحقَّقُ من شخصه، علَّني أكتشف معنى كلامه وأدرك مغزى تعليمه. وما أن بدأتُ أفكر في هذا المنحى حتى ثارتْ في داخلي أصواتٌ لم أفقهْ مصدرَها ولم أدركْ كُنهَهَا، راحت تؤنِّبني على رغبتي الجامحة في التعرّف عليه والتكلم إليه.

 

بدأت هذه الأصواتُ تصيح وتصرخ قائلة: أيُعقل أن تذهب أنتَ الفريسي ومعلِّم اليهود إليه؟ فأنت العلاَّمة العارف بكل أمور الدين والدنيا، هل يصح أن تظهرَ بمظهر الجاهل أمامه؟ لا لا.. أجبت في سرِّي. ثم ماذا لو اكتُشف أمري من قِبَلِ أصحابي في السنهدريم؟ وتزاحمتِ الأفكارُ في رأسي ووقفت تترصَّدني، حتى أضحى الصراع لا يُطاق في داخلي وبدأ ينالُ من أحاسيسي ومشاعري وتفكيري فصرتُ مشتتاً لا أعرف النوم ولا الراحة. عندها، قرَّرت أن أضع حداً لكلِّ هذه المتاهات، وأذهبَ إليه في الليل، أجل في الليل، حين لا يراني أحد. كان هذا هو الحل المعقول الذي توصّلتُ إليه. وهكذا ودونَما تردُّد خرجتُ إليه تحتَ جنحِ الظلام قاصداً مكانَ إقامته. وما أنْ وصلتُ حتى قمتُ بطرح الأسئلة التي طالما حيَّرتني وأدخلتْ إلى نفسي الشكَّ والارتياب. فقلتُ له بكلِّ احترامٍ وفضول وأنا مبهورٌ بأعمالِه العظيمة وآياته الكريمة التي سمعتُ عنها:

"يا معلم، نعلم أنَّك قد أتيت من الله معلماً لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه."

أجابني يسوع، وهذا اسمُه، وقال:

"الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله."

حاولت أن أفهم ماذا كان يقصد بهذا الكلام لكنَّني لم أستطع. فما هي هذه الولادة التي يقول عنها؟ ثم إنني معلّمُ إسرائيل لكنَّ ما قاله عن دخول ملكوت الله لم أدرك مغزاه!

أليس الملكوت لنا نحن شعب الله؟

سألته بحيرة أكبر من ذي قبل وقلت:

"كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟"

أجابني: "الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح. لا تتعجب أني قلت لك: ينبغي أن تولدوا من فوق. الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من وُلد من الروح."

صرت بعد هذا الجواب تائهَ الفكر وعديمَ الفهم وكأنَّ عقلي توقَّف عن العمل. فسألته مرة أخرى:

"كيف يمكن أن يكون هذا؟"

أجابني عندها وقال:

"أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا!"

حقاً أنا معلّم إسرائيل وأعرف العهد القديم بالتأكيد معرفةً كاملة وشاملة. لكنَّ ما أسمعه الآن يحيّرني إذ يبدو لي أن الملكوت الذي يتكلم عنه هو ملكوت شخصي لا يقتصر على شعب معين بل لكلِّ مَنْ يولد ولادة من الروح وليس بحسب الانتماء الجسدي. ثم تابع كلامه مصرِّحاً لي بعد ذلك وقائلاً:

"وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 14:3-16).

 هذه إذن دعوة لي إلى حياة جديدة كما يبدو. دعوة تختلف عن ذي قبل لأنَّها دعوة للإيمان بيسوع المسيح الذي وحده جاء من السماء. والدخول إلى الملكوت ليس بطريقتي أنا وطريقة عيشي لحياةٍ أفضل، بل بالولادة من فوق، الولادة بالروح كما قال المعلم. هذا مفهومٌ جديد بالكليَّة عن مفاهيمي أنا عن الملكوت، والحياة، والخلود، والله، ومحبته المتجسدة. 

تركتُ المكان الذي التقيتُ فيه يسوع، أما هو المعلم العظيم فلم يترك فكري وكياني، بل دخل إلى أعماقي، وحرَّك أوتارَ قلبي، وهزَّ إرادتي ومشاعري، وأسرَني بكلامه، وجذَبني بمحبته. تركتُ المكان إنساناً مختلفاً عمَّا سبق. إذ بقي وقعُ كلامه بليغاً يعمل فيَّ وفي كلِّ ذرة من حنايا ضلوعي. وأبقيتُ كلّ ذلك سراً مخفياً عن الآخرين إلى أن أتى اليوم الذي طفَح فيه الكيلُ، حين قام رؤساءُ الكهنة والفريسيين من أترابي، بمحاولة جديدة لإقصاءِ هذا المعلم العظيم يسوع المسيح وتوقيفِه عن تعليمه إذ طلبوا من الخدام أن يأتوا به إليهم. أما الخدام أنفسهم فقد أبدوا إعجابهم بكلام السيد وقالوا يومها:

”لم يتكلم قط إنسانٌ هكذا مثل هذا الإنسان“.

فحمي غضبُ الفريسيين أصحابي عليهم وصاحوا بهم قائلين:

ألعلكم أنتم أيضاً قد ضللتم؟

وشكُّوا في تلك اللحظة في أن يكون أحدٌ منا، نحن المعلمين والرؤساء، قد آمن به. وحنقوا على الشعب الذي "لا يفهم الناموس" كما وصفوه. وإذ ذاك لم أستطع أن أبقي الأمر سراً، بل وقفتُ وبكل جرأة أدافع عن معلمي العظيم هذا، وطالبتُ بمحكمةٍ عادلةٍ له مستعيناً بالناموس الإلهي الذي من غيرِ الممكن أن يَحكُمَ على إنسانٍ دون أن يُمنحَ الفرصةَ ليعبِّرَ عن نفسه ويُسمعَ منه أولاً. نعم، جاهرتُ يومَها بالانتماءِ إليه ولم أعدْ أهتمُّ بما سيقولونه عني. فهذا الذي سَبى عقلي وكياني بمحبته ودعوته الشخصية لي وكذا للجميع، قد سحَر ألبابي.  وحين سخِروا مني وقالوا لي:

”ألعلَّكَ أنتَ أيضاً من الجليل؟ فتِّش وانظر، إنه لم يقم نبي من الجليل...“

لم أأبَهْ بكلامهم، ولا باحتقارهم إيَّاي،  بل ضربتُ بانتقاداتِهم اللاذعة، وهزئِهم  وسخريتهم مني، عرضَ الحائط. ودافعتُ عنه بكل جوارحي كيما يأخذَ العدلُ مجراه (يوحنا 45:7).

 لكن أين العدل والرحمة؟ وهل تُراني أجده في قلوب لم تعرف للرحمة سبيلاً؟ وما هي إلا شهور حتى تمكَّنوا منه وجرُّوه للمحاكمة، ومن ثم أطلقوا عليه الحكمَ الجائر بالموت صلباً، وهو الذي لم يفعل خطية ولم يوجد في فمه مكرٌ. ونفَّذوا فيه حكمَ الإعدام صلباً وإلى جانبه لصَّانِ محترفان.

آه، يا معلمي العظيم، كيف صلبوك مع الأثمة الفجار؟ بكيتُ بحرقةِ قلب...  آهٍ... لو أنَّهم استمعوا إليك وأصغوا إلى كلامك الجليل! إنَّه السخط، والتحزّب والتعصّبُ الأعمى الذي ساد العباد والقادة والرؤساء... إنَّه الجهلُ والظلام القاتمان اللذان عمَّا العقول والقلوب، هذه كلُّها هي التي صلبتْكَ فوق الخشبة يا حبيبي. لكن ألم تقُلْ لي يومذاك بأنَّه "ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية؟

نعم، فوق الخشبة سمَّروك، وصلبوك، وأذاقوكَ مرَّ العذاب. ومع هذا وقبل أن تُسْلِمَ الروح غفرتَ للبشر آثامهم وقلت عنهم: "لا يعلمون ماذا يفعلون". حقاً يا معلمي العظيم، إنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. ذهبتُ يومَها للتوِّ مسرعاً قبل أن يأخذ جسدَك أحدٌ منهم، فوجدت يوسفَ الرامي تلميذك الأمين قد أخذَه . اشتركت معه عندها في تكفين الجسد بالمرِّ والعود المزيجِ الذي جلبتُه معي. ونزلتْ دموعي يومها بغزارة وأنا مع رفيقي نقوم بهذا العمل الجريء. ووضعنا الجسد في قبرٍ جديد لم يوضع فيه أحدٌ قطّ يليق بمقامك الرفيع (يوحنا 40:19). لكنَّ إقامتَك فيه لم تدمْ طويلاً يا سيدي، لأنك قمت في اليوم الثالث تاركاً الأكفانَ جانباً، منتصراً على الموت. نعم، قمت حياً وغالباً لكي تمنح رجاء بالحياة الأبدية لي ولكل مؤمنٍ بك. فلك كلُّ المجدِ يا يسوعي العظيم، يا معلِّمي القدير، ويا مرسَلَ السماء إلينا جميعاً معلِّمين وسامعين. وشكراً لكَ يا من أنرت لي أنا شخصياً الحياةَ والخلود. بالحق لمَّا جاءَ فجرُ القيامة معلناً انتصارَكَ وغلبتَكَ الحقيقية، تفجَّرتْ قوةُ القيامةِ فيَّ أنا أيضاً وعندها سقطَ قناعي وإلى الأبد. نعم ولما أصبحَ الصباح، غدا القناعُ غيرَ مباحْ. 

       تلميذُك نيقوديموس

المجموعة: 200704

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

59 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10571773