آب (أغسطس) 2007
أوجّه أنظاركم إلى ثلاث كتابات:
الكتابة الأولى على الحائط، نقرأ عنها في سفر دانيآل الأصحاح 25:5-27. يقول: ”وهذه هي الكتابة التي سطّرت: منا منا تقيل وفرسين. وهذا تفسير الكلام. ”منا“ أحصى الله ملكوتك وأنهاه. ”تقيل“ وُزنت بالموازين فوُجدت ناقصاً. ”فرس“ قُسمت مملكتك وأُعطيت لمادي وفارس“. فالكتابة الأولى إذاً هي الكتابة على الحائط.
والكتابة الثانية هي كتابة على الأرض، نقرأ عنها في إنجيل يوحنا 6:8ب، يقول: ”وأما يسوع فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض“.
والكتابة الثالثة هي كتابة في المجد، في إنجيل لوقا 20:10 يقول المسيح للسبعين الذين أرسلهم لينادوا بالكلمة ورجعوا فرحين لأن الشياطين تخضع لهم، قال: ”ولكن لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم، بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كُتبت في السماوات“.
كتابة على الحائط، وكتابة على الأرض، وكتابة في المجد.
كتابة على الحائط
الكتابة الأولى ظهرت لبيلشاصر الملك الذي صنع وليمة عظيمة لعظمائه وشرب خمراً وسكر، ثم طالب بإحضار آنية الرب التي أُخذت من الهيكل ليشرب الخمر منها. وكانوا يشربون الخمر ويسبحون آلهة الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب والحجر، ونقرأ في دانيآل 5:5-6 ”ففي تلك الساعة ظهرت أصابع يد إنسان وكتبت بإزاء النبراس على مكلس حائط قصر الملك، والملك ينظر طرف اليد الكاتبة. حينئذ تغيّرت هيئة الملك وأفزعته أفكاره وانحلّت خرز حقويه واصطكّت ركبتاه“. وطلب المنجمين والكلدانيين وغيرهم أن يفسروا هذه الكتابة، وعجزوا جميعاً. وأخيراً جيء بدانيآل وفسّر هذه الكتابة فقال: الكتابة تقول: ”منا منا تقيل وفرسين“ وهذا تفسير الكلام، ”منا“ أحصى الله ملكوتك وأنهاه. ”تقيل“ وُزنت بالموازين فوُجدت ناقصاً، ”فرس“ قُسمت مملكتك وأُعطيت لمادي وفارس“. كتابة تعلن دينونة. تعلن نهاية مملكة... تعلن قضاء الله.
كتابة على الأرض
الكتابة الثانية التي ذُكرت في إنجيل يوحنا 6:8 كتابة فسرها المسيح على الأرض. ولست أدري ماذا كتب المسيح بعد أن جاء الفريسيون بامرأة أُمسكت وهي تزني، وأقاموها في الوسط ليشهّروا بها، وليجربّوا المسيح، وسألوه قائلين: ”موسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه تُرجم فماذا تقول أنت؟ وكانوا بهذا يحاولون أن يوقعوا بالمسيح، لأنه إن قال ارجموها كما قال موسى، فهو قد تعدّى على اختصاص قيصر، لأن الإعدام كان من اختصاص الرومان، ولو أمر برجمها لذهب الفريسيون يشتكونه إلى قيصر ويقولون للشعب: هوذا صديق الخطاة والعشارين... يأمر بأن يرجم الخطاة وأن تُرجم الزانية. كان يدّعي أنه صديقهم ولكنه لا يرحمهم. ولو أنه قال ارحموها ولا ترجموها لتعدّى بذلك سلطان موسى الذي قال أنها ينبغي أن تُرجم. وبهذا يستطيعون أن يقولوا أنه لا يمكن أن يكون مرسلاً من الله ما دام قد تعدّى ناموس موسى. جاءوا إذا بالمرأة ليشهّروا بها وليجرّبوا السيد... وإذا بالمسيح ينحني ليكتب! لعله كتب ما يذكّر هؤلاء المشتكين بخطاياهم، ولعله كان يرسم مجرد أشكال مختلفة حتى لا يقع بصره على هذه المرأة التي جيء بها وهي عارية حتى لا يسيء إلى شرفها ولا يساء إلى كرامتها وإنسانيتها. وإني لا أنظر لهذه الكتابة من جهة المشتكين وإنما أنظر إليها من جهة المرأة.
كانت هذه الكتابة بداية حياة جديدة لها، وكانت إعلان رفع دينونة عن هذه المرأة فقال لها: ”ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضاً“.
كتابة في المجد
والكتابة الثالثة كتابة في المجد، إذ كُتبت أسماؤنا في المجد في سفر الحياة إن نحن آمنا بالمسيح.
الكتابة الأولى إذاً كتابة على الحائط تعلن نهاية، والكتابة الثانية كتابة على الأرض، تعلن بداية، والكتابة الثالثة في المجد تؤكد استمرار هذه الحياة.
الكتابة الأولى تقدم تحذيراً، والكتابة الثانية تقدم تبريراً، والكتابة الثالثة تؤكد تمجيداً.
إعلان نهاية
دعونا نتأمل في هذه الكتابات الثلاث: أولاً تلك الكتابة على الحائط التي أعلنت لبيلشاصّر الملك أن الله يرى ويعرف وقد أحصى ملكوته وأنهاه، وقد وزنه بالموازين فوجده ناقصاً، وأعلن الله دينونة هذا الرجل وقسم مملكته وأعطاها لمادي وفارس.
أيها الأحباء، أخشى أن هذه الكتابة التي ظهرت على الحائط لبيلشاصّر قديماً قد ظهرت لعالمنا اليوم. إن عالمنا يعيش في حالة لا تختلف كثيراً عن حال بيلشاصر، إن عالمنا قد دنس المقدسات، وهو يعيش في غرور وسكر وفساد، كذاك الذي عاش فيه بيلشاصر، وأخشى أن الدينونة التي ظهرت له على الحائط قديماً، لو أننا دققنا النظر، لرأينا، على حائط هذا العالم مكتوبة أمامنا: إن الله على وشك أن يدين هذا العالم.. إن يوم القضاء والدينونة قريب... إن هذا العالم الذي فسد وزاغ قد اقترب كثيراً من يوم الوقوف أمام الله الديان العادل ليقدم الحساب.
دعونا كأفراد نتأمل في هذه الكلمات!إنها كلمات تنطبق على كل إنسان لم يعرف المسيح بعد - لم ينل تبريراً في المسيح - لا بد أنه يقرأ هذه الكلمات على الحائط: ”وُزنت بالموازين فوُجدت ناقصاً“. إننا كثيراً ما نَزِنْ أنفسنا بموازين مختلفة، نقيس أنفسنا بمقاييس نخترعها لأنفسنا لكي نظهر أنفسنا من الأبرار، لكن إلهنا لا يزننا بموازيننا نحن، لكنه يزننا بموازينه هو.
ويقول الله في سفر التثنية: ”كونوا قديسين لأني أنا قدوس“. إذاً الله سيقيسنا بكماله هو وقداسته هو. الكتابة على الحائط ”وُزنت بالموازين فوُجدت ناقصاً“ تعلن دينونة الله على الخطية... تعلن لكل إنسان بعيد عن المسيح أنه تحت الدينونة، وأنه ينتظر عقاباً، وأنه سيذهب إلى عذاب أبدي.
إعلان بداية
ننتقل إلى الكتابة الثانية وهي الكتابة على الأرض، الكتابة التي كتبها المسيح أمام المرأة التي أُمسكت وهي تزني. ذكرت أن الكتابة على الحائط أعلنت نهاية حياة بيلشاصر، أما الكتابة على الأرض فأعلنت بداية حياة جديدة لهذه المرأة.
الكتابة على الحائط تعلن دينونة، والكتابة على الأرض تعلن رفع الدينونة: ”ولا أنا أدينك، اذهبي ولا تخطئي أيضاً“. الكتابة على الحائط أعلنت أن الإنسان البعيد عن المسيح لا رجاء له ولا خلاص له، والكتابة على الأرض تعلن لأي إنسان، مهما كان شره، إن أقبل إلى المسيح فله حياة أبدية في الحال. في اللحظة التي جيء بالمرأة للمسيح وأعلنت توبتها، بررها المسيح. إن هذه الكتابة على الأرض تقدم تبريراً، بينما الكتابة على الحائط تعلن تحذيراً. يا من أدركتم أنكم خطاة في نظر الله الذي لا يقبل إلا الكاملين: هلموا معي إلى المسيح الذي يكسونا بثوب بره، فيرانا الله من خلاله كاملين، فيغطي خطايانا، ويغسلنا بدمه، ويطهرنا من كل خطية. يقول الكتاب: ”وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط“. هذا الموقف سيقفه كل إنسان أمام المسيح في ذلك اليوم الأخير. كل إنسان سيجد نفسه وحده أمام المسيح، أمام بره وقداسته، ومخيف هو الوقوف والوقوع في يدي الإله الحي. ولكن هذه المرأة إذ وجدت نفسها وحدها أمام المسيح لم تجد دينونة بل محبة.
قال المسيح لأولئك المشتكين: ”من كان منكم بلا خطية فليرجمها أولاً بحجر“. ثم خرجوا جميعاً... ولم يجد واحد منهم نفسه بلا خطية. ولذلك لم يستطع واحد أن يرجمها. الوحيد الذي كان يستطيع أن يرجمها هو المسيح لأنه بلا خطية. هم لم يرجموها لأنهم لم يستطيعوا ذلك لأنهم خطاة، هو لم يرجمها لا لأنه لا يستطيع، فهو بلا خطية، لكن لأنه يستطيع أن يخلّص ويبرر ويطهر، وهو لم يأتِ ليدين بل ليخص العالم.
لماذا لم يدنها؟ كان يستطيع أن يدينها لأنه هو وحده بلا خطية، لكنه لم يدنها لأنها هي أدانت نفسها، ولأنها هي أعلنت خطيتها أمامه وتابت، وعلم المسيح بتوبتها، فهي إذاً لا تحتاج إلى دينونة بل تحتاج إلى غفران وتبرير.
أيها الأحباء، لم يكن المسيح متساهلاً مع الخطية في هذا الموقف كما يتصوّر البعض، لكنه كان محباً إلى درجة تغفر الخطية رغم شرها، وتمحوها رغم أنه يكرهها كل الكراهية، لذلك قال لها: ”اذهبي ولا تخطئي أيضاً“. أنتِ قد تبتِ وأنا قبلت توبتكِ ولذلك لا أدينكِ.
دعونا قبل أن نترك هذه الكتابة على الأرض أن ندرك مرة ثانية نظرة الله إلى الخطية، التي تختلف كثيراً عن نظرة المجتمع إلى الخطية. إن هذه المرأة وُضعت في الوسط على أنها رمز لخطية أشنع من أية خطية أخرى، ونسي المشتكون أنهم واقعون في خطايا لا تقل إطلاقاً عن خطيتها، المجتمع يدين الزنى والقتل والسرقة، لكن المجتمع لا يدين الكبرياء، ولا الغرور، ولا الحقد والكراهية. ولو أن المجتمع حاسبنا على الخطايا التي نحن فيها بمقياس الله لكنا جميعاً في السجون. لكن دعونا ننسى المجتمع اليوم ونرى حكم المسيح على هذه المرأة لأنها تابت، قال لها: وأنا لا أدينك، لكنه نظر إلى الفريسيين وقال يا أولاد الأفاعي أنتم تشبهون القبور المبيضّة من الخارج ومن الداخل مملوءة عظاماً ونجاسة. إن الكبرياء وحب الذات والكراهية لا تقل في نظر الله عن الزنى، بل هي تشعرنا بالتبكيت، هي أصعب في الغفران من خطية الزنى، لا لأنها أشنع أو أقل، ولكن لأن الزاني يشعر بأنه خاطئ وتوبته ممكنة، لكن المتكبر يظن نفسه بلا خطية، لذلك لن تُغفر خطيته لأنه لن يتوب. دعونا نتذكر ميزان الله وتبرير الله.
إعلان استمرار حياة
ثم ننتقل أخيراً إلى الكتابة في المجد التي تؤكد تمجيداً وحياة أبدية. أرسل المسيح السبعين وعادوا فرحين لأن الشياطين تخضع لهم، فقال المسيح: ”لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم، بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كُتبت في السموات“. ألا يؤكد هذا لنا أنه بعد أن آمنا بالمسيح إيماناً قلبياً لا يمكن أن نهلك؟ قال المسيح في يوحنا 27:10-29 ”خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني، وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي، أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد“.
لاحظوا كيف يؤكد المسيح خلاص المؤمن: أولاً، قال: ”أنا أعطيها حياة أبدية“، حياة لا تنتهي، حياة الله فينا. إذاً المؤمن الحقيقي لا يمكن أن يهلك. بل عاد فقال: ”لن تهلك إلى الأبد“. وحتى لا يظن إنسان أن المؤمن يمكن أن يهلك عاد فقال: ”ولا يخطفها أحد من يدي“. وعاد يؤكد هذا رابعاً بأن قال: ”ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي“، أي أنه أكّد لنا ضمان هذا الخلاص بالحياة الأبدية، بأن أحداً لا يخطفنا منه، بأننا لن نهلك إلى الأبد، بأننا في قبضة يده لا يمكن أن نؤخذ من يده، وأننا في قبضة يد الآب، ولا يمكن أن نؤخذ من يد الآب.
أبعد هذا، هل نتصوّر أن المؤمن يمكن أن يهلك؟ يقول بولس الرسول في رسالة أفسس 13:1-14 ”الذي فيه أيضاً أنتم، إذ سمعتم كلمة الحق، إنجيل خلاصكم، الذي فيه أيضاً إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس، الذي هو عربون ميراثنا، لفداء المقتنى لمدح مجده“. ختمنا، فنحن ملك لله، الله لا يمكن أن يفرّط بملكه. وهذا الختم هو عربون لمجد أعظم، لا يمكن لهذا الختم أن يُرفع أو لهذا العربون أن يُنزع، بل إنه يؤكد أننا نتقدم لمجد أعظم.
دعونا نتأمل هذه الكتابات الثلاث:
كتابة على الحائط تعلن لكل من لم يقبل المسيح بعد أنه تحت دينونة، وأن النهاية قريبة، وعليه إذاً أن يُقبل إلى المسيح بالإيمان بتوبة حقيقية ثم يأتي ليقرأ الكتابة الثانية على الأرض التي تعلن تبريراً كاملاً وغفراناً تاماً، ثم يتأمل في الكتابة الثالثة في المجد ويعرف أن اسمه قد كُتب في سفر الحياة وأن خلاصه مضمون في يد الله.