Voice of Preaching the Gospel

vopg

آب (أغسطس) 2007

قصة شمشون قصة طريفة ومأساوية في آن واحد. عندما ظهر ملاك الرب لوالديه بشَّرهما بمولود يكون نذيراً للرب، مكرّساً له من بطن أمه، وهو الذي سينقذ بني إسرائيل من عبودية الفلسطينيين. ومن يقرأ الأصحاح الثالث عشر من سفر القضاة يدرك أن الإسرائيليين قد وقعوا في أيدي الفلسطينيين مدة أربعين سنة لأنهم تمرّدوا على الله وارتكبوا الشرّ في عينيه ولم يتعلّموا مما أصابهم من ويلات في العقود السابقة التي عصوا فيها الرب، واستسلموا لشهوات قلوبهم، ونوازعهم الشريرة.

والواقع أن سفر القضاة هو تسجيل دقيق للانهيار الروحي الذي طغى على الشعب على الرغم من كل معاملات الله معهم، وإحساناته إليهم. ويتّضح من هذا السجلّ أن هذا الشعب المتصلب القلب لم يكن يرجع إلى الله ويستغيث به إلا حين تحدق بهم النائبات، وتنزل بهم الويلات، ويجد نفسه يرسف في عبودية ذليلة تحت حكم طاغ ومستبد فيصرخ آنئذ للرب طلباً للرحمة والنجاة. وتكررت استجابات الرب لطلباتهم وأنقذهم من يد أعدائهم في ظروف كانت تبدو لهم لا خلاص منها، ولكن الله بفائق رحمته وجوده كان يتعطّف عليهم ويقيم من وسطهم قادة يأخذون على عاتقهم تحرير الشعب من نير الأعداء.

 

وفي هذه الفترة من بحثنا نجد أن الله قد اختار عائلة من سبط دان ليُخرج منها هذا القائد المدهش ليحطّم في الوقت المناسب أصفاد الفلسطينيين، ويرفع عن أعناق قومه هذا البلاء العظيم.

ولكي يعدّ الرب هذا المولود لهذه المهمّة الجبارة أصدر تعليماته الخاصة في كيفية تربية هذا الطفل. فقد وُلد هذا الطفل لمهمة خاصة عهد الرب بها إليه، لهذا كان على أمه في أثناء حبلها به أن لا تأكل شيئاً من ثمار الكرمة، ولا تشرب خمراً ولا مسكراً، ولا يدخل في جوفها شيء نجس، وأكثر من ذلك أن تعمل بكل ما أوصاها به ملاك الرب، ولا سيما أن لا تحلق شعر رأسه.

وعندما وُلد شمشون وكبر باركه الرب، وبدأ روحه يستخدمه في مناطق معينة من أرض إسرائيل. ومرّت، من ثمّ، حياة شمشون في أحوال متقلّبة حارب فيها الفلسطينيين، وألقى الذعر في قلوبهم. فقد توافرت له الأسباب للانتقام منهم، بمعونة روح الرب الذي كان يحلّ عليه. وفي كل مرة كان شمشون على يقين أن الله معه في كل ما يقوم به من أعمال في سبيل استقلال أبناء أمته من استعمار أعدائهم.

كان هذا هو الهدف الذي وضعه شمشون نصب عينيه. في بادئ الأمر لم يستغوه أيّ إغراء، بل بذل كل جهد في تنفيذ المهمة المنوطة به. ولكن عندما بدأت الأمور الشخصية تلقي بظلالها على حياته، وعندما شرعت الإغراءات تتسرّب إلى نفسه بخفاء، وهدوء، راحت المصالح الخاصة تطغى على حياته وأخذت تسخّر تلك القوى التي أنعم بها الله عليه لأغراضه الذاتية. وجاء الوقت عندما تعرّف شمشون على ”دليلة“ من وادي سورق واستسلم لمفاتن جمالها. ولكن هذه الخطوة سبقتها خطوة أخرى كانت المؤذنة بانحداره الأخلاقي وابتعاده عن القصد الإلهي. فقد ذهب شمشون ”نذير الله“ إلى غزة ودخل على امرأة عاهرة؛ أي إن شمشون الرجل الذي اختاره لينقذ شعبه من العبودية قد أقدم على عمل رهيب اقترف فيه الشر في عينيّ الله. صحيح أن تلك المرأة كانت عاهرة، وهي تنتمي إلى أعدائه، ولكن ما هي علاقة رجل الله بمثل هذه المرأة؟ إنه لم يذهب إليها لكي يقوّم اعوجاجها وينقذها من وضعها المزري، ولكنه استسلم لشهواته، وعاشرها فأخطأ إلى الله أولاً، وإلى نفسه ثانياً. وفي رأيي أن هذا السقوط كان البداية في التحوّل الشنيع الذي راح ينخر في حياته الروحية. لهذا عندما التقى مع ”دليلة“ الفاتنة كانت الحواجز الدفاعية الروحية قد أخذت في الانهيار.

إن سيرة شمشون صورة حية عن الوضع المعاصر للكنيسة. فالكنيسة كما رسمتها لنا كلمات الوحي الإلهي في الكتاب المقدس، كانت شعلة ملتهبة استضاءت بنورها بلدان الشرق والغرب، واستطاعت على الرغم من الاضطهادات، وهجمات الشيطان الشريرة، وقوى الإمبراطورية الرومانية، أن تصمد بقوة، وبالتالي اندكّت معاقل الشيطان، وسقطت الإمبراطورية، وانتشرت المسيحية في أرجاء المسكونة، فلم تقوَ عليها أبواب الجحيم.

ولكن، ويا للأسف، لم تمضِ بضعة قرون، حتى سمحت الكنيسة للبدع والأهواء أن تتسرّب إليها، وأخذ الضعف يهدّ كيانها، ولكن حسب وعد المسيح فإن قوى الجحيم المتمثّلة بهذه البدع والأهواء قد عجزت عن استئصالها، والقضاء على الحق الإلهي.

عندما استسلم شمشون إلى إغراء دليلة، بعد محاولاتها المتعددة، وبعد أن شرعت الحجب الجسدية تغلّف بصيرته الروحية، كشف شمشون لهذه المرأة المغرية عن سر قوّته، وما لبثت أن باحت به إلى أعدائه من أبناء قومها، وهكذا تمكّن هؤلاء من القبض عليه وتقييده بالسلاسل، بل أكثر من ذلك، قلعوا عينيه واستخدموه في السجن في إدارة حجر الطاحون.

هناك عبارة في أصحاح 16 من سفر القضاة لا بدَّ أن تلفت انتباه كل قارئ. وهذه العبارة على الرغم من بساطتها فإنها عبارة مخيفة تلخّص سرّ انتصار الكنيسة في العالم أو إخفاقها في مقاومة تيارات المحاولات الهدامة التي تسعى إلى إبادتها من الوجود. وهذه العبارة هي ”ولم يعلم أن الله فارقه“.

من الملاحظ، أن سقوط شمشون الجبار لم يحدث دفعة واحدة، بل ابتدأ بعلاقته بفتاة فلسطينية من ”تمنة“ والتي انتهت بمأساة حلت بها وبأبيها أي بعائلتها؛ ثم بعد ذلك، تلطّخ تكريسه للرب بخطيئة الزنى عندما دخل إلى امرأة عاهرة. ويا ليت الأمر توقّف عند هذا الحدّ، فإن شمشون هذا، في علاقته مع ”دليلة“ نسي المهمة التي أوكله بها الله وهي تحرير قومه من نير الفلسطينيين؛ ولكنه ها هو ينزلق في الحفرة نفسها ويرتبط ”بدليلة“ في علاقة غير شريفة. واستطاع أعداؤه أن يستغلوا هذه العلاقة، بمساعدة ”دليلة“ من أجل إذلال شمشون.

هذه الصورة الحية عن عملية السقوط هي صورة واضحة عن أسلوب الشيطان في إضعاف الكنيسة وتحويلها عن مسارها. فما زالت الكنيسة خاضعة لقوة إرشاد روح الله، تنقاد في أهدافها وغاياتها لتحقيق القصد الذي أُقيمت من أجله وهو إعلان كلمة الله، وجعل المسيح هو محور كرازتها في عالم خالٍ من النور، فإنها تبقى قوية، منتصرة، تغالب كل القوى المناوئة، وتتكسر على صخورها هجمات إبليس. ولكن عندما تنحرف عن الغرض الموضوع أمامها، وتتحوّل تعاليمها إلى بدع تخالف القصد الإلهي؛ يفارق روح الله الكنيسة وينال منها الضعف فلا تستطيع أن تقاوم التجارب. إن مسار الكنيسة المنحرف يبدأ من نقطة الصفر ثم يزداد اعوجاجه بصورة تدريجية، وينتهي به المطاف لكي يصبح جزءاً لا يتجزّأ من هذا العالم بعيداً عن الحق الإلهي. مثل هذه الكنيسة لا بدّ أن تنهار، وتتحوّل إلى منتدى اجتماعي فارقه روح الرب، وأصبح مقيَّداً بأغلال العالم بعد أن فقد حيويته الروحية ولم يعد المسيح في وسطه. وكما عميت عينا شمشون عن الرؤية، وأصبحت حياته كلها تدور حول حجر الطاحون، هكذا تغشي بصيرة الكنيسة ظلمات العالم الكثيفة، وتصبح حياتها تدور حول كل ما هو بعيد عن مقاصد الله في خلاص الجنس البشري.

إن الكنيسة المعاصرة، في القرن الحادي والعشرين قد أخذت مساراً يختلف كلياً عن مسار كنيسة الكتاب المقدس؛ لقد اتجهت نحو ما أملته عليها رغائبها وما ارتأت أنه الحق بمعزل عن تعليمات الكتاب الموحى به من الله، فأباحت للزنى، وللانحراف الأخلاقي، والنظريات الهدامة، والبدع المفسدة أن تلوّث أجواءها ولم تدرك أن روح الرب قد فارقها، وإن أدركت فإنها لا تبالي لأن روح العصر قد استبدّت بها وتسلمت مقاليد زمامها.

ولكن للرب بقيّة صالحة ما برحت متمسّكة بالكلمة المقدسة، محورها المسيح المصلوب الذي قام في اليوم الثالث من القبر ممجداً، وسيأتي في يوم قريب ليدين الأحياء والأموات. هذه البقية الصالحة هي التي ما زالت ترفع لواء النصر ولا تتراجع في ميدان الصراع وهي التي لم يفارقها روح الرب. عليها ينعقد الأمل إلى يوم مجيء الرب، وبنور المسيح الساكن فيها يضيء العالم المظلم.

إن شمشون، في لحظات حياته الأخيرة، رجع إلى الرب، فأعانه، ولكن بعد أن دفع الثمن غالياً، وقضى في المذلّة والإهانة حقبة من الزمن اكتشف فيها ذاته من جديد فاستغاث بالرب، فأعانه الله في يوم ضيقه.

يا قارئي، اذكر دائماً أن سر انتصار الكنيسة ككل، وغلبة المؤمن كفرد هو في حضور الرب الدائم في حياتهما، وإلا فإن الموت الروحي يكون مصير كلٍ منهما.

المجموعة: 200708

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

836 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10571180