آب (أغسطس) 2007
”لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج لأن الخوف له عذاب. وأما من خاف فلم يتكمّل في المحبة“ (1يوحنا 18:4)
هناك أنواع من الخوف: الخوف من الرب، وهو خوف نقي يجب أن يملأ قلب كل مؤمن ومؤمنة، ”خوف الرب نقي ثابت إلى الأبد“ (مزمور 9:19). ”اعبدوا الرب بخوف واهتفوا برعدة“ (مزمور 11:2).. وهذا الخوف النقي يمنعنا من ارتكاب الخطايا.
وهناك الخوف من أمور أخرى كثيرة، وهذا النوع من الخوف يعذّب الإنسان ”لأن الخوف له عذاب“، ويستعبده، ويشلّ حركته وتفكيره، وهو الخوف الذي دخل قلب آدم بعد عصيانه، ولما ناداه الرب: ”آدم... أين أنت؟ فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت“ (تكوين 9:3-10).
والمحبة الكاملة للرب هي الوسيلة الوحيدة للتخلص من عذاب الخوف، ”لا خوف في المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج“. وحديثي في هذه الرسالة عن المحبة الكاملة التي تخلّصنا تماماً من عذاب الخوف.
1- المحبة الكاملة تطرح الخوف من المستقبل
الخوف من المستقبل خطية.. لأنه عصيان لكلمات المسيح ”فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره“ (متى 34:6). وأقول بأسف إن كثيرين من المؤمنين خوفهم نابع من التفكير في المستقبل.. من يسدد لنا احتياجات الغد؟ من يرعانا في شيخوختنا؟ من يحمينا من خوف الليل؟
ومحبتنا الكاملة للرب من كل القلب، ومن كل النفس، ومن كل القوة (تثنية 5:6) تطرح هذا الخوف إلى خارج القلب.
فمن جهة احتياجات الغد نقرأ: ”لتكن سيرتكم خالية من محبة المال. كونوا مكتفين بما عندكم، لأنه قال: لا أهملك ولا أتركك. حتى إننا نقول واثقين: الرب معين لي فلا أخاف. ماذا يصنع بي إنسان؟“ (عبرانيين 5:13-6). ونقرأ كذلك كلمات ربنا يسوع التي تؤكد عناية الله بأولاده وبناته:
”لذلك أقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس؟ انظروا إلى طيور السماء: إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟... فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل، أو ماذا نشرب، أو ماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها الأمم. لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره، وهذه كلها تُزاد لكم“ (متى 25:6-33).
محبتنا الكاملة للرب تعطينا اليقين بعنايته بنا في زمن شيخوختنا، ”اسمعوا لي يا بيت يعقوب وكل بقية بيت إسرائيل، المحمّلين عليّ من البطن، المحمولين من الرحم. وإلى الشيخوخة أنا هو، وإلى الشيبة أنا أحمل. قد فعلت، وأنا أرفع، وأنا أحمل وأنجّي“ (إشعياء 3:46-4). فإلهنا المحب هو إله العمر كله.
وبهذه الثقة صلّى كاتب المزمور: ”وأيضاً إلى الشيخوخة والشيب يا الله لا تتركني، حتى أُخبر بذراعك الجيل المقبل، وبقوّتك كل آت“ (مزمور 18:71). وقيل عن الشيوخ المتكلين على الرب: ”أيضاً يثمرون في الشيبة، يكونون دساماً وخضراً“ (مزمور 14:92).
لقد أكّد لنا ربنا يسوع رعاية الآب السماوي واهتمامه حتى بالأمور الصغيرة في حياتنا فقال: ”وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة“ (متى 20:10). والذي أحصى شعور رؤوسنا لا شك أنه يهتم بكل أمور حاضرنا ومستقبلنا.
2- المحبة الكاملة تطرح الخوف من الشيطان
هدف الشيطان هو إرهاب المؤمنين، وملء قلوبهم بالخوف، ”اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمساً من يبتلعه هو“ (1بطرس 8:5).
إبليس هو عدوّ المؤمنين بالمسيح المصلوب.. وهو يزأر كأسد ليرهبهم ويخيفهم بزئيره. هو ليس أسداً بل يزأر كالأسد. هو يزأر بالشكوك التي يحاول أن يملأ بها عقل المؤمن.. ويزأر بتجسيم الخوف من الناس.. ويزأر بالتهديد والوعيد لكل من يحاول نشر رسالة إنجيل المسيح... ويزأر بزرع الخوف من الأمراض المستعصية.. ويزأر مجسماً المخاوف في دائرة الحياة الزوجية. ولكن المؤمن الذي امتلأ قلبه بالمحبة الكاملة للرب، هذه المحبة التي تظهر في محبته للمؤمنين، لا يخاف قوات الظلام، بل يلبس سلاح الله الكامل الذي به يهزم هذه القوات (أفسس 10:6-17).
ومع أن إبليس يزأر محاولاً أن يبتلع من يخاف زئيره فإن الرب أوصانا لا أن نهرب منه بل أن نقاومه، ”قاوموا إبليس فيهرب منكم“ (يعقوب 7:4). ومقاومة إبليس سلاحها هو كلمة الله، فكلمة الله هي سيف الروح. فاقرأ الكتاب المقدس واحفظ آياته في ذاكرتك لكي تقاوم بها هجمات إبليس، وثق في وعد الرب، ”وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً“ (رومية 20:16). فمكان الشيطان هو تحت أرجل المؤمنين... والمحبة الكاملة للرب تطرح الخوف من الشيطان، والأرواح النجسة، وقوات الظلام خارج قلوب المفديين بدم المسيح.
3- المحبة الكاملة تطرح الخوف من الموت
الموت أكبر أعداء الإنسان.. يضحك على آماله.. ويزدري بحرصه على ماله.. ويقضي على جبروته.. ويهزأ بأحلامه..
أنهى جبروت الكثيرين.. أين الإسكندر الأكبر؟ أين نابليون بونابرت؟ أين ستالين؟ أين هتلر؟ أين جمال عبد الناصر؟ كل رؤساء وملوك الأمم طواهم الموت وصاروا نسياً منسياً. ولكن الرب يسوع تجسّد في الزمان، ومات على الصليب ليحرّر المؤمنين به من خوف الموت، ”فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، ويُعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية“ (عبرانيين 14:2-15).
وحين تملأ المحبة الكاملة قلب المؤمن فإنه سيرنم مع داود: ”أيضاً إذا سرت في وادي ظلّ الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي“ (مزمور 4:23)، ويتيقّن أنه حين تأتيه لحظة الموت ستحمل الملائكة نفسه إلى الفردوس، ”مات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم“ (لوقا 22:16)، وستذهب روحه إلى الله الذي أعطاها (جامعة 7:12).
ولأن قلب بولس امتلأ بالمحبة الكاملة للرب حتى قال: ”لأني مستعد ليس أن أُربط فقط بل أن أموت أيضاً.. لأجل اسم الرب يسوع“ (أعمال 13:21)، طرحت المحبة الكاملة الخوف من الموت من قلبه فهتف قائلاً: ”لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح... لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً“ (فيلبي 21:1-23). اعتبر بولس الموت انطلاقاً، كانطلاق النسر المقيّد ليصل إلى أعالي الجبال.
اسمعه يقول: ”فإني أنا الآن أُسكب سكيباً ووقت انحلالي قد حضر. قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان. وأخيراً قد وُضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل“ (2تيموثاوس 6:4-8).
فالمؤمن الذي امتلأ قلبه بالمحبة الكاملة لا يخاف الموت بل يتطلع إلى النهار البهيج!
4- المحبة الكاملة تطرح الخوف من الدينونة
لا ريب في أن الدينونة آتية على أشرار الأرض، فعدل الله لا بد أن يأخذ مجراه، ولذا يقول إشعياء النبي: ”وماذا تفعلون في يوم العقاب، حين تأتي التهلكة من بعيد؟ إلى من تهربون للمعونة، وأين تتركون مجدكم؟“ (إشعياء 3:10).
لكن المؤمن الحقيقي المغسول بدم المسيح.. الذي طهره دم المسيح الكريم من كل خطية لا يخاف الدينونة الأبدية، لأنه يثق في كلمة الله القائلة: ”إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح“ (رومية 1:8).
لقد حمل يسوع المسيح في جسده على الصليب، ليس دينونة خطية آدم فقط، بل دينونة خطايا كل فرد يؤمن به رباً ومخلصاً.. وهذا حق قررته كلمات بطرس الرسول: ”الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر“ (1بطرس 24:2)، وقرره إشعياء النبي بالكلمات: ”وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا“ (إشعياء 5:53-6).
بموت الصليب رفع المسيح عن المؤمنين الخوف من الدينونة.
تسألني: كيف أمتلئ بالمحبة الكاملة للرب؟
والجواب: تأمّل طويلاً في مقدار حبه لك! ”نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً“ (1يوحنا 19:4). لقد أحبك الرب حباً تعجز الكلمات البشرية عن التعبير عن مدى عمقه.. أحبَّك حتى بذل ابنه الوحيد لأجلك على الصليب.. ومع تأملك الدائم في مدى حب الرب لك، عليك كذلك أن تحب إخوتك في المسيح، فالمحبة تصير كاملة في قلوب المؤمنين إن أحبوا بعضهم بعضاً. ”الله لم ينظره أحد قط. إن أحبّ بعضنا بعضاً فالله يثبت فينا، ومحبته قد تكمّلت فينا“ (1يوحنا 12:4). ومع كل ما سبق، عليك أن تطيع كلمة الرب، ”وأما من حفظ كلمته، فحقاً في هذا قد تكمّلت محبة الله“ (1يوحنا 5:2). ولكي تحفظ كلمة الرب، عليك أن تقرأها، وتتأمّل محتوياتها، وتحفظها في ذاكرتك، وتتكلّم بها حين تنام وحين تقوم (تثنية 6:6-8).
المحبة الكاملة تطرح خارج قلبك الخوف من المستقبل، ومن الشيطان، ومن الموت، ومن الدينونة الأبدية. فإذا امتلأت بالمحبة الكاملة فستسبح في بحر الحب الإلهي الزاخر بالفرح والاطمئنان والسلام.