شباط (فبراير) 2007
رسالة يعقوب رسالة عملية مليئة بالنصائح النافعة لنا في حياتنا اليومية. في العدد الماضي تأملنا في عشرة نصائح من الفصل الأول. ومن يدرس هذه الرسالة يجد ثلاثة مواضيع مهمة ينبر عليها الروح القدس وهي الصبر، السيطرة على اللسان، والفرق بين الإيمان الحقيقي والإيمان الميت.
أولاً: الصبر في احتمال التجارب والمشقات
تكلم يعقوب عن هذا في افتتاح رسالته مما يدل على أهمية هذه النصيحة، فقال: ”احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة، عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً، وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء“ (2:1-4). من هذا نتعلم أن الله يمتحن إيماننا لفائدتنا لأن امتحان الإيمان ينشئ فينا الصبر، ولكن يجب أن نستمر في الصبر خلال التجربة إلى نهايتها. وهذا معنى قوله ”وأما الصبر فليكن له عمل تام“. أما إذا كنا نثبر ساعة ونقلق أخرى فلن يكون له عمل تام. نحن نشكر الله لأنه أخبرنا مقدماً أن التجارب ستكون لفائدتنا لكي نكون تامين وكاملين، أي لا نكون أطفالاً أو معاقين، بل غير ناقصين في شيء. يعطل القلق نموّنا، كما يحرمنا من الفرح والسلام. كتب يعقوب هذه الرسالة للذين في الشتات ومنهم من فقدوا أملاكهم أو جفاهم أهلهم. كما كتب الرسول بطرس أيضاً للذين تشتتوا بسبب إيمانهم فقال إنكم تبتهجون بهذا الإيمان ”مع أنكم الآن إن كان يجب تُحزنون يسيراً بتجارب متنوعة لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني مع أنه يُمتحن بالنار، توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح“ (1بطرس 6:1-7). ويتكلم يعقوب مرة أخرى في رسالته عن احتمال المشقات فيقول: ”خذوا يا إخوتي مثالاً لاحتمال المشقات والأناة: الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب“ (10:5). ما أكثر ما احتمله الأنبياء من مشقات. خذ مثلاً تاريخ موسى النبي الذي قاد الشعب في البرية 40 سنة. ثم ذات مرة تذمّروا عليه وضايقوه، بل كادوا أن يرجموه (خروج 4:17). وكذلك إرميا النبي الذي طرحوه في جب فغاص في الوحل (إرميا 6:8). ولا يسعنا المجال أن نتكلم عن أولئك الذين ”طافوا في جلود غنم وجلود معزى، معتازين مكروبين مذلّين، وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم“ (عبرانيين 37:11-38). ويذكِّرنا يعقوب بصبر أيوب فيقول: ”قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف“ (11:5). والرسول بولس أيضاً يعلمنا أن نفتخر، أي نفرح ونبتهج في الضيقات ”عالمين أن الضيق ينشئ صبراً، والصبر تزكية والتزكية رجاء“ (رومية 3:5-4).
ثانياً: السيطرة على اللسان
رأينا في المرة الماضية أن يعقوب تكلم عن هذا الموضوع في الفصل الأول فقال: ”ليكن كل إنسان مسرعاً في الاستماع مبطئاً في التكلم مبطئاً في الغضب“
(19:1). وأيضاً ”إن كان أحد فيكم يظن أنه ديّن وهو ليس يلجم لسانه بل يخدع قلبه، فديانة هذا باطلة“ (26:1). ولكنه توسّع في هذا الموضوع في الفصل الثالث وقارن بين من لا يلجم لسانه وبين المؤمن الذي لا يعثر في الكلام، فقال: ”إن كان أحد لا يعثر في الكلام فذاك رجل كامل قادر أن يلجم كل الجسد أيضاً“ (2:3). ثم شبّه اللسان بالحصان. فكما أن الحصان يحتاج إلى اللجام لكي يطاوعنا، فنتمكن من أن نتحكم في سيره في الطريق الصحيح، كذلك الأمر مع اللسان. هناك مثل عامي سمعته، يقول: لسانك حصانك، إن صنته صانك وإن خنته خانك“ وهو كلام صحيح. ولنلاحظ العلاقة بين سرعة الغضب والكلام الخطأ، فالمسرع في الغضب عرضة لأن يخطئ في كلامه. وهذا هو ما حدث مع موسى رجل الله. موسى عبد الرب الذي يقول عنه الكتاب المقدس أنه ”كان حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين على الأرض“ (العدد 3:12). ولكنه غضب مرة على الشعب ففرّط بشفتيه (مزمور 33:106). وكانت النتيجة أنه حُرم من دخول أرض كنعان التي كان يتمنى أن يدخلها. وما أكثر وما أحسن ما يعلمنا إياه الكتاب المقدس عن موضوع الكلام، وهناك بعض الاقتباسات:
”صن لسانك عن الشر وشفتيك عن التكلم بالغش“ (مزمور 13:34).
”انزع عنك التواء الفم. وابعد عن انحراف الشفتين“ (أمثال 24:24).
”كثرة الكلام لا تخلو من معصية، أما الضابط شفتيه فعاقل“ (أمثال 19:10).
”فم الصديق ينبوع حياة، وفم الأشرار يغشاه ظلم“ (أمثال 11:10).
”يوجد من يهذر مثل طعن السيف، أما لسان الحكماء فشفاء“ (أمثال 18:12).
ليتنا نتذكر كلمات المسيح: ”ولكن أقول لكم: كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين. لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تُدان“ (متى 36:12-37). ونصيحة الرسول بولس: ”لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم، بل كل ما كان صالحاً للبنيان حسب الحاجة كي يعطي نعمة للسامعين“ (أفسس 19:4).
ونصيحة الرسول بطرس: ”لأن من أراد أن يحب الحياة ويرى أياماً صالحة فليكفف لسانه عن الشر وشفتيه أن تتكلما بالمكر“ (1بطرس 10:3). من يمتلئ قلبه بكلام الله، فمن فضلة القلب سيتكلم فمه.
ثالثاً: الإيمان الحقيقي والإيمان الكاذب
أو الديانة الظاهرة والديانة الباطلة. تحدث يعقوب عن هذه القضية في الفصل الأول كما رأينا في العدد السابق. ولكنه يشرح هذا بتفصيل أكثر في الفصل الثاني فيقول: ”ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد إن له إيماناً ولكن ليس له أعمال؟ هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟ إن كان أخ وأخت عريانين ومعتازين للقوت اليومي، فقال لهما أحدكم: امضيا بسلام، استدفئا واشبعا ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد، فما المنفعة؟ هكذا الإيمان أيضاً، إن لم يكن له أعمال، ميت في ذاته“ (يعقوب 14:2-17). الإيمان المسيحي الحقيقي ليس مجرد انتساب إلى ديانة، أو الموافقة العقلية على مجموعة عقائد، ولا هو مجرد شهادة يؤديها الإنسان بفمه فيصبح مسيحياً. الإيمان الحقيقي هو حياة من الموت. فحين يُقام إنسان من الموت لا بدّ أن يظهر للجميع أنه صار حياً. الفتاة ابنة يايرس التي أقامها المسيح ”قامت ومشت“ (مرقس 42:5). والشاب الميت الذي لمس المسيح نعشه ”جلس وابتدأ يتكلم“ (لوقا 15:7). ولعازر الذي كان في القبر أربعة أيام لما ناداه المسيح خرج من القبر (يوحنا 44:11). أما الإيمان الذي ليس له أعمال هو إيمان ميت، إيمان غير حقيقي ”لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت، هكذا الإيمان أيضاً بدون أعمال ميت“ (26:2). إننا نعلم أن خلاصنا هو على أساس النعمة وليس على أساس استحقاقنا. يقول الرسول بولس: ”لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد“ (أفسس 8:2-9). ولكنه يقول بعد ذلك مباشرة: ”لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله وأعدها لكي نسلك فيها“ (أفسس 10:2). هذه الأعمال الصالحة والثمار الناتجة عن الإيمان هي نوعان:
¨ ما يعمله الله فينا
¨ وما يعمله بواسطتنا
فهو ينشئ فينا ثمر الروح ”محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف“ (غلاطية 22:5-23). ويعمل بواسطتنا الأعمال الخيرية مثل افتقاد اليتامى والأرامل، وعمل الخير للجميع ولا سيما لأهل الإيمان (غلاطية 10:6). قد تتفاوت الثمار فتكون ثلاثين أو ستين أو مائة (متى 23:13). ولكن لا بد أن تكون هناك ثمار.
ليت الرب يعيننا لتظهر حياة المسيح فينا. الرب قريب.