Voice of Preaching the Gospel

vopg

اذار (مارس) 2007

إن الفصل الرابع من بشارة يوحنا يصوّر لنا المسيح كالطالب وهو الواهب، وكالمُتعب وهو الذي يُريح التعابى، وكالجائع وهو الذي يقدر أن يُشبع جوع الكثيرين، وكالعطشان وهو الذي أروى العطاش من ينبوع مراحمه الفيّاضة. في رابعة النهار جلس يسوع ليستظلّ من حر الشمس عند بئر يعقوب، لقد ضايقه الحر بحسب الجسد وهو المكتوب عنه "الآمر الشمس فلا تشرق ويختم على النجوم". تعب من السفر بحسب ناموس الجسد الذي اتخذه وهو الذي قال: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيليّ الأحمال وأنا أريحكم".

 

وجاءت السامرية في نفس الوقت تحمل جرتها لتستقي من تلك البئر، حيث لا يأتي أحد آخر ليستقي في مثل هذا الوقت، فقد فضلت أن تتحمّل حرّ الظهيرة على أن تتحمّل نظرات الاحتقار والدينونة من الناس الذين يعرفونها ويعرفون قصة حياتها، لكنها رغم هذا لم تستطع تجنّب اللقاء مع يسوع لأنه كان يعلم بقدومها، وقد أعد لها موعظة تكشف ما في أعماق نفسها من العطش الحقيقي الذي لا يرويه إلا ماء الحياة الذي يجود به الرب.

كان يسوع حسب الجسد وحيداً وهو الذي تفرح الملائكة وتتبارى في أن تأتي لتسجد أمامه وتخدمه، وكان جائعاً فقد ذهب تلاميذه إلى المدينة ليشتروا طعاماً وهو الذي قال "أنا هو خبز الحياة إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد".

”أعطيني لأشرب“ قال لها يسوع! لقد ظهر أمامها كصاحب الحاجة الذي يطلب عطية من الآخرين، فاستغربت طلبه حيث عرفت أنه يهودي بحسب الجسد. فقالت في نفسها: لا شك أن هذا الإنسان واهم ولا يعلم أني سامرية حيث أن اليهود لا يتعاملون مع السامريين بأكل أو شرب أو مجالسة لاعتبارهم نجسين في نظر اليهود.

ولم تدرِ أن جميع أفراد الشعوب هم سواسية في نظر المسيح وبحاجة إلى تعامل نعمته الغنية معهم لكي يطهروا من نجاسة الخطية التي وصمت الجميع بعارها "إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية 23:3). فلقد خاطب المسيح - في طلبه - الماء إنسانيتها مظهراً لها أنه بحاجة لشربة ماء هي تملكها، وما أحرى الإنسان أن يقدم لأخيه الإنسان كاس ماء بارد. ”كيف تطلب مني لتشرب" قالت المرأة، "وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟" ألا تعلم ما هي اعتقادات شعبك وتعاليم الكتبة والفريسيين؟“

أجابها يسوع موجهاً نظرها إلى أشياء بالغة الأهمية هي تجهلها، "لو كُنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبتِ أنت منه فأعطاكِ ماءً حياً". لقد خاطب له المجد في هذه العبارة حاجتها الجسدية، فقد كانت بحاجة للماء يومياً، وقد أثار فضولها واستهجانها لتعرف كيف يمكنه الحصول على الماء ما دام لا يحمل دلواً والبئر عميقة.

ألعله يستطيع إخراج المياه منها بطريقة سحرية؟ أو لعله أعظم من يعقوب أبي الأسباط الذي كان قد حفر البئر وشرب منها هو وبنوه ومواشيه ولكن ليس بدون الدلاء والجرار!!

فتقدم بها المسيح درجة أخرى ليخاطب حالتها النفسية فقال لها: "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً. ولكن من يشرب من الماء الذي أُعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أُعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية". كان ذلك أقصى ما تشتهيه وهو أن تستغني عن ماء تلك البئر لئلا تضطر للمجيء تكراراً والظهور أمام أعين الناس الذين عرفوا ماضيها. وكان في عبارته الأخيرة قد تقدم بها درجة أخرى إلى الحالة الروحية التي كانت بحاجة إليها، ولكنها بسبب انغماسها في الخطايا الجسدية وبسبب تمسكها بتقاليدها الموروثة لم تستطع الوصول إلى هذا المطلب لأن الخطية تُقسّي القلب وتبعد أشواقه عن الأمور السماوية حتى يزداد الخاطىء تعلقاً بالأرضيات ويسعى لاهثاً لعله يشبع نفسه الجائعة ويروي ظمأ قلبه من أمجاد الأرض وشهوات الجسد، لكنه كلما شرب ماء هذا العالم ازداد عطشاً. إلا أنها وجدت في كلماته الحل المناسب لحالتها النفسية فقالت له: "يا سيد أعطني من هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي." فلقد شوّهت الخطية صورتي وكدّرت نفسي ولا سيما حينما أتعرّض لنظرات الازدراء والدينونة من الآخرين. حينئذ وجد الرب المدخل لكي يخاطب ضميرها المتعب من الخطية وهو العالِم بما في الضمائر والقلوب، فقال لها: اذهبي وادعي زوجك وتعالي إلى ههنا"، على فرض أن لها بيتاً وزوجاً وأنها تأتي لتستقي تلبية لحاجة بيتها". رغم أنه يعلم كل شيء عنها إلا أنه لم يبدأ بالضغط على جرحها ولكنه ساعدها لكي تسلو ألمه. ”ليس لي زوج“ أجابت المرأة. فمدح الرب صدقها. لقد نظر بعطفه إلى الناحية الإيجابية في حياة هذه الخاطئة وقدّر العوامل التي اعتملت في نفسها وهي تتلفظ بهذا الجواب "حسناً قلتِ ليس لي زوج".

ومن هنا فقد تقدم بها خطوة أخرى ليبين لها قدرته النبوية. "لأنه كان لك خمسة أزواج، والذي لكِ الآن ليس هو زوجك".

لقد كانت هذه المرأة رمزاً لكل أمة السامريين، فقد جاء بهم ملوك بابل من خمسة أماكن مختلفة هي: حماه، وسفر، وإيم، وبابل، وهينع، وعوّا، لإسكانهم في وسط فلسطين بدلاً من الشعب اليهودي الذي سُبي من هناك وذلك لإضعاف ترابط هذا الشعب وقوته المعنوية، ومن خلال اختلاطهم باليهود فقد صاروا يعترفون بالإله الواحد، وبكتب موسى الخمسة فقط من جميع أسفار العهد القديم، ولكنهم ظلوا يعبدون آلهتهم الوثنية الخمسة.

هتفت: "أرى أنك نبي. آباؤنا سجدوا في هذا الجبل (أي جبل جرزيم)، وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجدَ فيه"، وكأن لسان حالها يقول: إني لحائرة ولا أدري إن كان معبد أمتي هو الصحيح أم معبد اليهود! لأن أمة السامريين كانت ما زالت متمسكة بالمكان الذي كان فيه معبدهم الذي هُدم منذ حوالي مئة وستين سنة.

ومن هنا تقدم المسيح خطوة أخرى في حواره مع السامرية فخاطب عقيدتها الدينية قائلاً: "أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم - لأن الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتي ساعة، وهي الآن، حيث الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا".

هذه الكلمات حرّكت ذهنها وحثـّت ذاكرتها لاستعادة ما سمعت عنه سابقاً من الوعد بمجيء المسيا وصفاته. وكل خاطئ مهما كانت خطاياه لا بد أن يتحرك في أعماقه شعور برهبة وقوة الكلمة الإلهية حين تُقدم إليه بقوة وسلطان الروح القدوس.

قالت له المرأة: "أنا أعلم أن مسيا، الذي يُقال له المسيحُ يأتي. فمتى جاء ذاك يُخبرنا بكل شيء." لقد تهيّأ فكرها لقبول الرب فتقدم بها إلى الدرجة الأخيرة إذ أعلن لها شخصه "أنا الذي أكلمك هو". أنا هو المسيا الذي تعرفين عنه ولكنك لا تعرفينه. أنا هو الذي كنت تنتظرينه ولكنه جاء إليك الآن. أنا هو الذي كنت تعتقدين أنه سيخبرك بكل شيء، وقد أخبرتك بكل ما يهم نفسك المتعبة. لقد نظرتِِ إليَّ كنبي لأني عرفت ماضيكِ ولكن عليك الآن أن تعرفيني كالمخلص الذي جاء لكي يمحو خطاياك ويحررك من سلطة إبليس.

بدأ حديثه معها كامرأة ساقطة وانتهى كامرأة شريفة مؤمنة. تغيرت أهدافها وتغيرت توجهاتها وأولوياتها. تركت جرتها على البئر ورمت خلف ظهرها ما يقوله عنها الناس وذهبت تُنادي في المدينة تعالوا وانظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح؟ كانت أول مبشرة للسامرة جذبت الكثيرين من بني قومها للتعرف على يسوع والإيمان به كالمخلص الوحيد. وهذا ما تفعله نعمة الله المخلصة.

كانت تلك الكلمات القليلة التي سمعتها من فم المخلص أقوى من سيف ذي حدين، عملت عملها العظيم في قلب هذه الخاطئة وما زالت كلمات الرب المسوقة بروحه القدوس توجّه إلى الكثيرين من المعيَّنين للحياة الأبدية لكي يخلصوا ويعرفوا شخصه المبارك معرفة حقيقية كاملة.

فإليك أيها القارئ الكريم أسوق هذه القصة لكي تتأمل من جديد بكلمات المخلص التي عبّر فيها عن أن عطش النفس البشرية لا يرويه إلا ماء الحياة الذي يعطيه الرب لكل الذين يؤمنون به، وأن العبادة الحقيقية لله لا تتعلق بالأماكن ولا بالهياكل بل هي العبادة الروحية المجرّدة، والتي بها يُسرّ قلب الله الآب. فإلى كل الذين تقابلوا مع شخصه المحب أرجو أن يختبروا عطية الله بكل كرمها وجودها فتشبع نفوسهم من نعمته الفيّاضة وترتوي قلوبهم من ماء الحياة. وإلى كل الذين لم يتقابلوا بعد مع المخلص المحب أرجو أن يهيئ لهم المسيح بلطفه موعداً للقاء قريب يغمرهم فيه بحبه وحنانه العجيب، ويريح كل نفس أتعبها السعي وراء مياه العالم المرّة لكي ترتوي من نبع الخلاص، وتشبع من خبز الحياة، وترتاح من أتعابها الكثيرة؛ إذ بقرب المسيح وتحت ظل جناحيه تجد الراحة والسعادة والسلام.

المجموعة: 200703

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

678 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10547263