اذار (مارس) 2007
الهدف من هذه الدراسة التي تتكوّن من ثلاث حلقات هو تسهيل دراسة الرسالة إلى المؤمنين في روما، وهي رسالة مهمة جداً وتنقسم إلى الأقسام التالية:
· مقدمة: يعبّر فيها عن رغبته في زيارتهم وعن مشكلة الإنسان الكبرى، وهي أن ”غضب الله مُعلن من السماء“، وعن العلاج الإلهي وهو ”إنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص“ (1:1-17).
· التبرير والنجاة من عقوبة الخطيئة (18:1-11:5).
· التحرير من عبودية الخطيئة (12:5-39:8).
· خطة الله من جهة شعب الله القديم والأمم والرد على بعض الاعتراضات (9-11).
· نصائح عملية بخصوص الحياة اللائقة بمن نالوا التبرير (1:12-13:15).
· كلمات ختامية وتحيات للمؤمنين (14:15-27:16).
الرسالة إلى مؤمني روما تتناول موضوعاً جوهرياً وهو كيف نتبرر نحن الخطاة في نظر الإله القدوس. ولاستكمال الفائدة من هذه الدراسة يُستحسن أن تقرأ الشواهد المذكورة في هذا المقال أثناء الدراسة.
بعد المقدمة يُثبت الروح القدس أن الجميع أخطأوا بما فيهم:
أولاً- الشعوب الأممية الوثنية التي عاشت في الجهل والظلام، وانغمست في عبادة الأوثان وفي الخطايا الشنيعة والشذوذ الجنسي. ولأنهم ”لم يستحسنوا أن يُبقوا الله في معرفتهم“ تركهم الله لشهواتهم (18:1-32).
ثانياً: الناس المهذبون الذين يعرفون أن يحكموا على ما هو صالح وما هو رديء. هؤلاء أيضاً هم بلا عذر، لأن من يحكم على الآخرين يحكم على نفسه. فمثلاً إذا قلت لابني أن لا يكذب وأنا أحكم على نفسي أنني أذنبت كل مرة كذبت فيها. قد أعطى الله الضمير لكل إنسان. والإنسان يسمع صوت الضمير حتى لو صار خافتاً جداً (1:2-16).
ثالثاً: الناس الذين عندهم كلام الله، ويفتخرون بأنهم ينتسبون للدين الصحيح، ولكنهم يكسرون وصايا الله، هم أيضاً خطاة. فالتدين الظاهري هو بلا قيمة لأن الله ينظر إلى القلب (17:2-29).
وهذا يثير سؤالاً مهماً: لماذا إذاً دعا الله بني إسرائيل وأعطاهم كلامه؟ الجواب هو أنه هناك أسباب كثيرة، وأهمها أنهم احتفظوا لنا بكلام الله، أي العهد القديم. وأما من جهتهم فهم خطاة كالآخرين. لذلك يقتبس من العهد القديم كلاماً ينطبق على اليهودي كما على الأممي. فيصف لنا شر الإنسان في كلامه وأعماله ويلحقه بالقول: ”ليس خوف الله قدام عيونهم“ (18:3). والنتيجة هي أن ”يستد كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله“ أي مذنبين. وأنه على أساس الشريعة لا يتبرر إنسان. فالشريعة فقط عرّفتنا أننا خطاة (1:3-20).
من الواضح أننا لا نجد فيما سبق أخباراً مفرحة، ولكننا في تشخيصنا للمرض الذي أصاب الجنس البشري كله، لا ببر بشري من صنع الإنسان، بل ببر إلهي سبق الله فتكلم عنه في العهد القديم، برٌّ لا نناله بواسطة مجهوداتنا، بل نناله بالإيمان، نناله مجاناً بنعمته على أساس عمل الفداء الذي تممه المسيح، إذ قدّمه الله كفارة، فوفى الدَّين كله وبذلك أمكن أن يبرر الله الإنسان الخاطئ ويبقى الله باراً. وهنا نرى النعمة والإيمان. النعمة هي اليد الإلهية التي تقدم هذا التبرير مجاناً لكل من يؤمن. والإيمان هو اليد البشرية التي تقبل ما يقدمه الله. وأما الثمن فهو دم المسيح، أي موته نيابة عنا، وبذلك لا يكون مجال للافتخار، ”قد انتفى“. إذاً نرى في رومية 21:3-31 العلاج الإلهي لمشكلة الخطيئة. ولكن قد يسأل أحدهم: هل هذا التعليم الجديد مخالف لما نتعلمه من العهد القديم؟ الجواب هو: لا. لأنه هكذا تبرر إبراهيم إذ آمن بالله فحُسب له براً. وهكذا تكلم أيضاً داود بخصوص غفران الخطايا. وما كُتب عن إبراهيم ”لم يُكتب من أجله وحده أنه حُسب (البر) له، بل من أجلنا نحن أيضاً الذين سيُحسب (البر) لنا. الذين نؤمن بمن أقام يسوع ربنا من الأموات. الذي أُسلم (للموت) من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا“. هذه خلاصة الأصحاح (أي الفصل) الرابع. ولذلك يفتتح الأصحاح الخامس بهذه الكلمات الثمينة المفرحة: ”فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح“ (1:5). قارن هذا مع قوله في 17:3 ”وطريق السلام لم يعرفوه“. تبرير وسلام مع الله. التبرير ليس مجرد الغفران. فقد يُغفر لشخص ولكنه لا يصبح باراً. والتبرير هو أن نُحسب في نظر الله كأننا لم نذنب أبداً، وبذلك يكون لنا سلام مع الله.
الآيات 1:5-11 هي في الحقيقة تعليق جميل مبارك على ما تعلمناه. فيخبرنا:
أولاً: إن النعمة التي تَبَرَّرنا على أساسها هي مكاننا المستمر، فنحن نقيم فيها. فهي كما خلصتنا تعلمنا أيضاً (انظر تيطس 11:2-14).
ثانياً: إن الله أعطانا رجاء (أي وعداً أكيداً لا بد أن يتم) مباركاً وهو أننا سنرى بل نكون حيث مجد الله.
ثالثاً: نعلم أنه مهما جزنا في ضيقات فإنها ستكون لفائدتنا وتقوّي فينا هذا الرجاء، وهو رجاء لا يخزي، أي لن يخيِّب أملنا، ”لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا (عدد 5).
رابعاً: هذا يثبت أن الله أعطانا روحه القدوس، وسنتكلم عن هذا أكثر في الأصحاح الثامن. وليؤكد لنا محبة الله يُذكرنا بما كنا عليه قبلاً، فقد كنا ”ضعفاء“ (عدد 6)، أي غير قادرين على أن نبرر أنفسنا. وكنا ”خطاة“ (عدد 8) أي مستحقين العقاب، وكنا ”أعداء“ (عدد 10) لا نحب الله. ”ولكن الله بيّن محبته لنا“ و”مات المسيح لأجلنا“ (عدد 8)، و ”صولحنا مع الله بموت ابنه“ (عدد 10). نعم، يا لها من نعمة ويا لها من محبة تفوق إدراك العقل البشري. والآن المسيح يحيا لأجلنا عن يمين الله. فمهما كانت قوة العدو وحيله، ومهما كانت ميول الطبيعة القديمة الفاسدة، ومهما كانت مغريات هذا العالم الحاضر الشرير، فإن المسيح الآن يهتم بنا، بل يحيا لأجلنا، وهذا معنى القول ”نخلص بحياته“، وهي حقيقة يُعبَّر عنها في أماكن أخرى في الكتاب المقدس كما سنرى في رومية 34:8.
”المسيح هو الذي مات، بل بالحري قام أيضاً الذي هو أيضاً عن يمين الله، الذي أيضاً يشفع فينا“. وكذلك في عبرانيين 25:7 ”فمن ثـَمَّ يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله. إذ هو حيٌّ في كل حين ليشفع فيهم“. لذلك هذه العبارة ”نخلص بحياته“ هي بمثابة مقدمة للحلقة الثانية: ”التحرير من عبودية وسلطة الخطيئة“ التي ستكون موضوعنا في العدد القادم بإذن الرب.