Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيار (مايو) 2007

في الحلقات السابقة واصلنا الحديث عن أسماء وألقاب المسيح، وسلّطنا بعض الضوء على ما تحمله تلك الأسماء والألقاب من معاني قصدها الوحي عندما أعلن عن أسمائه وألقابه.وفي الحلقة الأخيرة من السلسلة كان الحديث عن المسيح الرب، والمسيح ابن الله.ففي موضوع المسيح الرب توقفنا عند قول الوحي على لسان داود النبي في مزاميره، إذ قال: "قال الرب لربي"، وتساءلنا بلسانٍ من يهمه الأمر، هل هناك ربٌ واحدٌ أم ربّان حتى يُكلّم الواحد الآخر!؟

 

وفي سياق الإجابة عن هذا التساؤل المشروع قادنا البحث لإيضاح تلك المعادلة الصعبة لدى البعض للحديث عن الثالوث الأقدس في وحدانية الله في العقيدة المسيحية، فمِنَ المعروف أن المسيحية في جميع طوائفها تؤمن إيماناً راسخاً بوحدانية الله، ولا يستطيع أحدٌ أن يزايد عليها في هذا، وآيات الكتاب المقدس بين أيدينا كثيرة، تشهد عن وحدانية الله وأن لا إله سواه، وهذا يُمكن البحث فيه مطوّلاً، إنما هنا نودّ أن نوضّح أنّ الله واحدٌ في ثلاثة أقانيم هي: الآب والابن والروح القدس في إلهٍ واحدٍ لا إلهسواه.

فالأقانيم الثلاثة، وقد أفصح عنها إنجيل الحق هي في ذات الله الواحد.أما عن كيف يكون هذا! أو أنّه أمرٌ يصعبُ استيعابُهُ، فهذه مشكلة مَنْ لا يستوعبها.أما بالنسبة لنا فالوحي بين أيدينا قبلناه وآمنا به، ولا ننسى أن القضية تتعلّق بلاهوت الله، وأن الإله الذي يمكن للعقل البشري أن يستوعبه ليس إلهاً، لأن الإله الحقيقي فوق تصوّر عقل الإنسان وتفكيره، والإنسان محدودٌ في معرفته. وكمسيحيين، فنحن نؤمن بربٍ واحدٍ لا ربَّ سواه، وفي حديثنا السابق طرحنا مثالاً توضيحيّاً مبسطاً لعلّه يُزيل الإبهام لدى من يبحث عن الحقيقة بحسن نيّة ويرجو الوصول إليها.

والمثال الذي طرحناه للتوضيح كان أن اخترنا صديقنا "عبد العزيز" وناقشناه وحاورناه وقلنا له: أنت يا صديقي عبد العزيز، أعزّك الله، مخلوقٌ بشريٌ عاقلٌ، وها أنت الآن بمفردك تقرأ مجلة صوت الكرازة، فأنت شخصٌ واحدٌ دون شك، لكن فيك عناصر ثلاثة تُكَوِّن شخصك وهي ضرورية لوجودك، وغياب أيٍّ منها ينفي وجودك، فأنت من نفسٍ وروحٍ وجسدٍ. النّفْسُ فيك تحوي العقل، والفكر، والميول، والرغبات، والإرادة، والعواطف، وملامح شخصيتك التي تتعامل بها مع الغير من حولك. أما الرّوح فهي مِنْ غرْسِ الله في كلّ إنسانٍ فيه نسمة حياة. والروح في الجسد مرتبطة باستمرارية الحياة على الأرض. وفي حال الوفاة بعد عمر طويلٍ، تنطلقُ الروح لتلاقي الله في عالم الأبدية، فيُقال حينها كما اعتاد الناس أن يقولوا: ”انتقل فلانٌ إلى رحمة الله“. ولاحظ معي يا صديقي أن اثنين انتقلا عند الوفاة: الأول هو الروح التي انتقلت إلى رحمة الله وسكنت الأبدية بانتظار يوم الدِّين، بينما الثاني هو الجسد انتقل ليسكن التراب، فالذي انتقل إلى فوق هو الروح، والذي انتقل إلى أسفل هو الجسد. فإن كان الروح التي غادرت الجسد هو أنت، والجسد الذي دُفنَ في التراب أيضاً هو أنت، فهل أنت واحدٌ أو اثنان!؟ فأنت واحدٌ من نفسٍ وروحٍ وجسدٍ في كيانٍ واحدٍ.

وعندما يقول داود النبي في مزاميره "قال الرب لربي"، فهو قالها بلسان الوحي، علماً أن داود كان ينتمي إلى ديانة توحيد تؤمنُ بربٍّ واحدٍ لا ثاني له... ومع ذلك نطق الوحي على لسانه بقوله: "قال الرب لربي" فَمَنْ قال لِمَنْ؟ الذي قال هو الآب، وقالها للابن، والآب والابن أقنومان في ذات الله الواحد، وهذا كلّ الموضوع! فالآب والابن والروح القدس أقانيم ثلاثة في ذات الله الواحد. والله في أقانيمه الثلاثة يتشاور مع نفسه، ويخطط، وينفّذ ما شاء من أعمالٍ. فهو حين أمر أن يخلق الأرض قام الابن المسيح الأقنوم الثاني المسمَّى بكلمة الله وعمل العالمين بأقل من رمش العين، فما أن انطلق الكلمة - المسيح - من فم الله حتى صُنعت الأشياء.

ولعلنا فيما تحدّثنا به في سياق هذه الحلقة لم نُشِر إلى شخصية الروح القدس وعمله. الروح القدس هو روح الله، وهذا اسمٌ من أسماء الله لا يُطلق على بشرٍ. فروح الشيء هو ذاته، فالروح القدس هو الناطق بالأنبياء، هو معطي الوحي، وهو المُلهم والمُرشد والمُتعامل مع ضمائر الناس يُبكِّت ويحذّر ويُؤنّب، وكذلك يعزّي ويُلهم ويُبارك، ويُنشِّط ويُقوّي المؤمن وإلى غير ذلك من أعماله العظيمة التي يقوم بها، وقد نتحدّث عن هذا في حلقةٍ ما مستقبلاً.

الآن ننتقل إلى تسمية أخرى للمسيح بحاجة إلى التوضيح، وهي كيف يكون المسيح "ابن الله"، فنقول: المتسائل في هذا من خارج الوسط المسيحي... وأول ما يدورُ في خلده موضوع الولادة الجسدية التي تتم عن طريق الزواج، فيُقال: إن كان المسيح ابن الله فهذا معناه أن الله تزوّج ووُلد له ابنٌ هو المسيح!

تصوُّرٌ كهذا - قارئي العزيز - بعيدٌ... بعيدٌ... بعيدٌ عن الفكر المسيحي ولا يوجد مسيحيٌّ واحدٌ في الكون يقول هذا،لأن الله روح والروح لا يتزوج.فالمسيح له المجد نفى بشدَّة أن يكون هناك زواجٌ وممارساتٌ جنسيَّة في العالم الآخر - عالم الأبدية. لقد قال لجماعة ضالّة من اليهود يُسمَّوْن بالصَّدوقيين وقد طرحوا عليه هذا البحث، فقال لهم: ”تضلون إذْ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله“. وقال إن الناس في العالم الآخر لا يُزوِّجون ولا يتزوَّجون لأنهم يكونون كملائكة الله في السماء. فالجنس وُجدَ فقط على الأرض بعدما خلق الله آدم وحواء من أجل التكاثر البشري، فقال لهما يومها: "أثمروا واكثروا واملأوا الأرض". أما أن الروح يتزوج ويَلد فهذا كلام الجهال!

قال لهم: ”تضلّون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله“.فإن كان المسيح قد نفى إمكانية الزواج على الملائكة، ونفاه أيضاً على من يكون لهم نصيب في الأبدية السعيدة في ملكوت الله، فكيف يُمكن أن يتجّه الفكر إلى أن الله يلد أولاداً كما يلد الناس؟ وختاماً نقول: إن هناك مصطلحات لفظيّة لا تُفسَّر حرفياً إنما تحملُ معانٍ يفهمها العارفون.

وقبل أن نصل إلى نهاية هذا الدرس أقول: يُخطئ من يقول أن النيل تزوّج أرض مصر وأنجب أولاداً فقيل فيهم أبناء النيل! ويُخطئ من يقول إن الصحراء تزوجت رمالها وولدت أولاداً قيل فيهم أبناء الصحراء! ويخطئ من يقول أن الشفة العليا للإنسان تزوجت الشفة السفلى فأنجبت أولاداً فقيل الكلمة بنت الشِّفة! وكذلك يخطئ من يقول إن الله تزوَّج وأنجب فكان المسيح بهذا المعنى ابن الله! فلا النيل تزوج، ولا الصحراء، ولا الشفاه، إنما مصطلحات توضيحية تُقال، ويُراد بها إيصال فكرة أو تصوّر لتوضيح حقيقة، وعلى الإنسان الفهيم أن يسعى لمعرفتها. فالمسيح بهذا المعنى هو ابن الله لأنه من ذات الله ومن جوهر الله وينتمي إليه.

المجموعة: 200705

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

152 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10559130