Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الأول (أكتوبر) 2007

لكل شيء ثمن..

هذه حقيقة تتميّز بها العلاقات الإنسانية على أكثر من صعيد واحد، لا فرق في ذلك إن كانت هذه العلاقات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو روحية.

الصعيد الاجتماعي

على الصعيد الاجتماعي نجد أنفسنا في معظم الأحيان ندفع الثمن من حريتنا أو رغبتنا أو سلوكنا، فمثلاً نحن نُخضع أنفسنا للأصول الاجتماعية لئلا نسيء إلى غيرنا على الرغم من أن بعض هذه الأصول لا تحظى برضانا. فنحن مثلاً، ولا سيما أبناء الشرق، نرسم على شفاهنا ابتسامة سعيدة عندما يطرق باب بيتنا زائر على غير موعد فنرحّب به في الوقت الذي نكون فيه جاهزين للخروج من المنزل إما لسابق موعد أو لقضاء عمل، فنتظاهر بأن لدينا كل الوقت لاستقبال هذا الزائر العزيز لئلا ”نجرح“ شعوره ونسيء إلى الأصول الاجتماعية. هذه ضريبة ندفعها، أما ثمرها فهو استمرار علاقة الصداقة والإلفة.

 

الصعيد السياسي

وعلى صعيد سياسي تلعب الأصول السياسية دورها الكبير في المجتمعات والحكومات. ذلك لأن المقايضات السياسية هي جزء لا يتجزّأ من اللعبة السياسية ولا سيما في المجتمعات الديمقراطية، ذلك أن المصالح فردية كانت أم عامة تتداخل بعضها ببعض، فيكون لكل اتفاق ثمن: فأنا مثلاً أصوّت لمشروعك وأنت تصوّت لمشروعي، بغضّ النظر إن كنت صاحب حق أو باطل، وهذه ضريبة يدفعها المجتمع السياسي، أما ثمرها فهي استمرارية التركيبة السياسية.

الصعيد الاقتصادي

ولا يختلف الأمر بالنسبة للصعيد الاقتصادي، فالعلاقات التجارية والمعاملات الرسمية تقوم على مبدأ الاستيراد والتصدير، فلكل شيء ثمن. فلا توجد في العالم دولة محض مصدِّرة. ولا توجد في العالم دولة محض مستوردة. فالتبادل التجاري هو قوام العلاقات الاقتصادية ليس فقط بين الدول بل أيضاً بين الشركات في البلد الواحد. هذه ضريبة ندفعها، أما ثمرها، فهو استمرار البناء الاقتصادي.

وهناك أيضاً أثمان بل ضرائب ندفعها في كل يوم كضريبة الدخل، وضريبة الممتلكات، وضريبة المشتريات، وضريبة السفر، وسواها من الضرائب، أما ثمرها فهو استمرارية الحماية والأمن، وبناء الجسور، وتعبيد الطرق، والدفاع عن الوطن، وتشييد الجامعات، والتطبيب وغيرها من مطالب الحياة اليومية.

غير أن جميع هذه الضرائب المثمرة على الرغم من أهميتها، تفقد فائدتها عندما يفارق الإنسان هذه الحياة. فهو في هذه الحالة يكفّ عن دفع الثمن وبالتالي يتوقف عن الاستفادة من نتائجها.

الصعيد الروحي

ولكن هناك صعيد آخر تكون فيه الضرائب مثمرة في الدنيا والآخرة بفائدة لا حدود لها. وهذا الصعيد هو الصعيد الروحي، والواقع أن الحديث عن هذا الموضوع هو في لبّ هذا المقال، لأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بنوعين من العلاقات.

أولاً، العلاقات الإنسانية - الإنسانية.

وثانياً، العلاقات الإنسانية - الإلهية.

فعلى المستوى الإنساني، إن الثمن المدفوع هو ثمن باهظ،  هي ضريبة شديدة الارتفاع لأنها تتطلب تضحية كاملة، وتنازلاً عن جميع الحقوق. إنها ضريبة الذلّ والإهانة، والتواضع، والعطاء، والتخلّي عن الأنا، بل الاستعداد الكامل للاستشهاد في سبيل خدمة الإنجيل. هي ضريبة الوقوف في وجه تيار العالم الرهيب، لمقاومة الشر بالخير، والانتصاب في وجه العواصف، وإماتة الشهوات الجسدية. إنها ضريبة تسعى لخير الإنسان، وتحريره من عبودية إبليس. أما ثمارها على الأرض فهي الحرية الحقيقية، وربح نفوس الضالين، والامتلاء بالمحبة والطمأنينة والسلام، والفرح في الخدمة، والحظوة برضا الله، وفوق الكل اليقين بالحياة الأبدية. هذه كلها لا تتوافر إلا للإنسان الذي اختبر خلاص الرب أولاً وامتلأ بقوته، واستسلم لإرادته، وتعمّقت علاقته به، وتوثّقت شركته معه.

أما على المستوى الإلهي، فهو في الحقيقة البداية الأصيلة في بناء العلاقات الإنسانية - الإنسانية. فالعلاقة تبدأ حقاً عمودية، لكي تنتهي أفقية أيضاً.

ولكن هذه العلاقة العمودية لها خصائصها الصارمة، بل تقتضي دفع ضرائب باهظة يعجز عنها الإنسان العادي.

1- ضريبة الولاء الكامل للمسيح

فمن جملة هذه الضرائب ضريبة الولاء الكامل: لا يستطيع المؤمن المسيحي أن يخدم سيدين. ولاؤه الأول هو لله ولله وحده. لقد جسّد المسيح هذا الولاء المطلق عندما دفع حياته ثمناً بل ضريبة لخلاص الجنس البشري طبقاً للخطة الإلهية الأزلية. فلا خلاص من غير صليب، و”بدون سفك دم لا تحصل مغفرة“. فالمسيح دفع الضريبة كاملة على الرغم من جسامتها. هذا هو الولاء الكامل. وقد أقدم على التضحية بذاته بحافز المحبة. فإذاً الولاء الكامل لله هو الضريبة الأولى التي على المؤمن أن يدفعها.

2- ضريبة المحبة

ثم هناك ضريبة المحبة التي تفوق كل حدود. مصدر هذه المحبة هو المسيح بالذات. عندما أمرنا أن ”نحب أعداءنا“ ختم بذاته على إحدى أعسر العلاقات البشرية، إذ كيف يمكن أن تجتمع المحبة والعداوة؟ وهل في المحبة عداوة؟ المحبة تلاشي العداوة، وبالتالي تقضي على كل نوازع الكراهية والحقد في الإنسان، ولكن كل ذلك على حساب الحقوق الشخصية، بل تتطلب نسيان كل إهانة وأذى.

3- ضريبة الاستسلام لإرادة الله

وضريبة أخرى موضوعة على كاهل كل مؤمن هي ضريبة الاستسلام لإرادة الله من غير شكوى ولا تذمّر، بل برضى حقيقي وغبطة. فقد تكون إرادة الله مخالفة كلياً لرغباتنا، ومناقضة لمشروعات حياتنا. ولكن، هي ثمن علينا أن ندفعه بكل بهجة واثقين أن النتائج هي معروفة سلفاً في علم الله.

ثمار الضرائب

أما ثمار هذه الضرائب فهي لا تقدّر. إنها الحياة الأبدية التي تبدأ في اللحظة التي نؤمن فيها بالرب يسوع المسيح فنحظى بالولادة الجديدة، وتستمر بعدما ننتقل فيها من هذه الدنيا الفانية. إنها في المثول البهيج في حضرة المسيح مغمورين بمحبته، وقداسته، وسعادته. إنها في إكليل المجد المعدّ لكل المؤمنين الذين جاهدوا الجهاد الحسن وأكملوا السعي.

أجل، هي ضرائب فوائدها تفوق كل تصوّر. مثل هذا الإنسان هو الرابح الأكبر.

محتويات العدد

المجموعة: 200710

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

88 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10558982