أيلول (سبتمبر) 2007
رسالة هذا العدد هي تفسير لمحتويات الأصحاح الثالث من سفر أعمال الرسل، ويبدأ الأصحاح بالكلمات:
”وصعد بطرس ويوحنا معاً إلى الهيكل في ساعة الصلاة التاسعة. وكان رجل أعرج من بطن أمه يُحمل، كانوا يضعونه كل يوم عند باب الهيكل الذي يُقال له الجميل ليسأل صدقة من الذين يدخلون الهيكل“ (أعمال 1:3-2).
الدرس الأول
والدرس الذي نتعلمه من هذا المشهد هو أن البيئة لا تغيّر الشخصية... هذا الرجل يمثل كل إنسان، فقد كان أعرجاً من بطن أمه، وكل إنسان خاطئ من بطن أمه. يقول داود النبي: ”هأنذا بالإثم صُوِّرت وبالخطية حبلت بي أمي“ (مزمور 5:51). وهذا الرجل كان يوضع كل يوم عند باب الهيكل الجميل، وجمال باب الهيكل لم يغيّره، وكم من أناس يعيشون في القصور المؤسسة بأجمل الأثاث، لكن ”حنجرتهم قبر مفتوح... سم الأصلال تحت شفاههم. وفمهم مملوء لعنة ومرارة... وطريق السلام لم يعرفوه“ (رومية 13:3-17).
الدرس الثاني
إن الخاطئ كل همّه هو البحث عن الماديات، وهو أناني يريد أن يأخذ لكنه لا يعطي ”فهذا [الأعرج] لما رأى بطرس ويوحنا.. سأل ليأخذ صدقة“. الخاطئ شحاذ.. يتسوّل بحثاً عن المال، واللذة، والسيادة.. وهو لن يشبع فقد كان الأعرج يوضع ”كل يوم“.
الدرس الثالث
إن خادم الرب الأمين عليه أن يعلن إفلاسه، ويوجّه النظر إلى الرب يسوع المسيح. ”فتفرّس فيه بطرس مع يوحنا وقال انظر إلينا. فلاحظهما منتظراً أن يأخذ منهما شيئاً. فقال بطرس: ليس لي فضة ولا ذهب، ولكن الذي لي فإياه أعطيك: باسم يسوع المسيح الناصري قم وامشِِ“
(أعمال 5:3-6).
لن يجد الخاطئ حاجته عند الناس.. ولا عند الرسل.. معطي الخلاص هو الرب يسوع المسيح ولا سواه. ”وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أُعطي بين الناس، به ينبغي أن نخلص“
(أعمال 12:4)، وهذا اعتراف بطرس الرسول.
الدرس الرابع
شفاء هذا الإنسان تم في لحظة.. فالخلاص الذي يعطيه المسيح يسوع يتم في لحظة. ”وأمسكه بيده اليمنى وأقامه، ففي الحال تشدّدت رجلاه وكعباه“. بينما الخلاص كله من يسوع إلا أن خادم الرب عليه دور تعضيد من ينال الخلاص فيمسكه بيده اليمنى ويقيمه.
وعلينا أن نلاحظ أنه مع أن يسوع صعد إلى السماء وجلس عن يمين العظمة في الأعالي، لكن لأنه موجود في كل مكان، فإن في اسمه فاعلية دائمة.. وقوة عجيبة.. لما ذهب بطرس الرسول إلى لُدَّة ”وجد هناك إنساناً اسمه إينياس مضطجعاً على سرير منذ ثماني سنين، وكان مفلوجاً [مشلولاً]. فقال له بطرس: يا إينياس، يشفيك يسوع المسيح. قم وافرش لنفسك. فقام للوقت“
(أعمال 33:9-34)..
كان بطرس الرسول يشفي المرضى باسم يسوع المسيح.. وليس باسم أحد القديسين، وليس غير يسوع المسيح من يقدر على صنع المعجزات. ويخطئ خطأ فظيعاً من يلجأ للذين ماتوا من القديسين ليشفوه.. يسوع وحده هو الذي في اسمه قوة لأنه حي في كل حين وموجود في كل مكان.
الدرس الخامس
في شفاء هذا الأعرج نرى أربعة أشياء في الخلاص: ”فوثب ووقف وصار يمشي، ودخل معهما إلى الهيكل وهو يمشي ويطفر ويسبح الله“ (أعمال 8:3).
الشيء الأول: بدأ خلاص هذا الأعرج بكلمة ”فوثب“..
الشيء الثاني: بعد أن وثب الأعرج وقف..
الشيء الثالث: ”صار يمشي“. وهذه مرحلة سلوك الإنسان الذي نال الخلاص.. فهو يسلك بالتدقيق كإنسان حكيم، ويسلك بالروح، ويسلك في النور، ويسلك كما يحق لإنجيل المسيح.
الشيء الرابع: ”يسبّح الله“. وداود النبي يقول عن هذه المرحلة: ”جعل في فمي ترنيمة جديدة تسبيحة لإلهنا“ (مزمور 3:40).
الدرس السادس
خلاص إنسان ميئوس من خلاصه يدفع الناس المحيطين به إلى الدهشة والحيرة لمعرفة سر تغييره، ”وأبصره جميع الشعب وهو يمشي ويسبّح الله. وعرفوه أنه هو الذي كان يجلس لأجل الصدقة على باب الهيكل الجميل، فامتلأوا دهشة وحيرة مما حدث له“ (أعمال 9:3-10).
وداود يعبّر عن هذه المرحلة في كلماته: ”كثيرون يرون ويخافون ويتوكّلون على الرب“ (مزمور 3:40).
الدرس السابع
بعد نوال الخلاص ينتقل الإنسان المخلّص من رفقة وصداقة الأشرار، وحياة الشحاذين والمتسوّلين إلى التمسّك بصحبة المؤمنين والقديسين، وهذا ما فعله الرجل الأعرج بعد شفائه. ”وبينما كان الرجل الأعرج الذي شُفي متمسكاً ببطرس ويوحنا تراكض إليهم جميع الشعب“. انتهت حياة التسوّل والعيشة مع الشحاذين.. وبدأ الرجل الذي شُفي شركة جديدة قوية مع القديسين.
في ختام هذا الأصحاح العظيم وقف بطرس الرسول يخاطب الذين تراكضوا ليروا معجزة شفاء الأعرج وقال::
”فلما رأى بطرس ذلك أجاب الشعب أيها الرجال الإسرائيليون، ما بالكم تتعجّبون من هذا، ولماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي؟ إن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، إله آبائنا، مجّد فتاه يسوع،
”والآن أيها الإخوة، أنا أعلم أنكم بجهالة عملتم، كما رؤساؤكم أيضاً. وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه، أن يتألم المسيح قد تممه هكذا. فتوبوا وارجعوا لتُمحى خطاياكم، لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب. ويرسل يسوع المسيح المُبَشَّر به لكم قبل. الذي ينبغي أن السماء تقبله، إلى أزمنة رد كل شيء، التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر. فإن موسى قال للآباء: إن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم. له تسمعون في كل ما يكلمكم به. ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب. وجميع الأنبياء أيضاً من صموئيل فما بعده، جميع الذين تكلموا، سبقوا وأنبأوا بهذه الأيام. أنتم أبناء الأنبياء، والعهد الذي عاهد به الله آباءنا قائلاً لإبراهيم: وبنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض. إليكم أولاً، إذ أقام الله فتاه يسوع، أرسله يبارككم برد كل واحد منكم عن شروره“ (أعمال 12:3-26).
هذا كلام رسل المسيح الحقيقيين، لا ادّعاء بقوة ذاتية، ولا مظاهر أُبَّهة، ولا ملابس خاصة تبهر الأنظار، ولا طلب حتى من بعيد لمجد الذات...
كان هدف ومحور رسالة بطرس الرسول للجمهور المجتمع هو توجيه كل انتباههم إلى يسوع المسيح رئيس الحياة الذي قتلوه، والذي أقامه الله من الأموات معترفاً أنه مع بقية الرسل شهود لقيامته، وأنه بالإيمان باسم يسوع المسيح شدَّد اسمه هذا الأعرج الذي يبصرونه.
وأن هذا المسيح المصلوب المقام سوف يعود ثانية، وأنه النبي الذي مثل موسى، ”فإن موسى قال للآباء إن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم له تسمعون في كل ما يكلمكم“ (أعمال 22:3).
وأخيراً أنذر سامعيه بالكلمات: ”ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تُباد من الشعب“ (أعمال 23:3).
هذه هي رسالة الرسل الأمناء: لا توجيه الالتفات إلى القديسين الذين ماتوا وادعاء قيامهم بمعجزات بل توجيه الالتفات إلى يسوع المسيح المخلص الوحيد (أعمال 12:4)، والشفيع الوحيد (1يوحنا 1:2-2)، ورئيس كهنتنا العظيم (عبرانيين 14:4).
فإلى هذا المخلص العظيم أدعوك لتسمع نداءه المريح: ”تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيليّ الأحمال وأنا أريحكم“ (متى 28:11)، وتأتي إليه طارحاً خطاياك عند قدميه.. وهو بنعمته سيرفعها عنك ويريح قلبك وضميرك فتستريح.