آب (أغسطس) 2008
أولاً: علمنا المسيح عن الله تعالى وتبارك اسمه أن الله يحب الإنسان ويريد له السعادة الحقيقية الدائمة
فالله لا يُسَرّ بهلاك الإنسان، بل يريد أن يمنحه الغفران والحياة الأبدية، وعلمنا أن الله يسمع صلاتنا، وأنه يعلم كل احتياجاتنا، فقال بخصوص الأمور التي تلزمنا في هذه الحياة كالملابس والطعام:
”لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها“ (متى 32:6).
وعلّمنا أن الله هو الآب السماوي الذي يحب خلائقه ويعتني حتى بالطيور ويقوتها، وأن شعرة واحدة لا تسقط من رأس المؤمن بدون إذن من الله. كما علّمنا أن الله يرحّب بالخاطئ التائب الذي يرجع إليه مؤمناً بكلامه، كما يرحّب كل أب برجوع ابنه الضال. فأعطانا مثل الابن الضال الذي بذّر أمواله بعيشة الاستهتار حتى افتقر أخيراً وقرر أن يرجع إلى أبيه ويقول له: ”يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك، ولست مستحقاً بعد أن أُدعى لك ابناً. اجعلني كأحد أجراك [أي الخدم المأجورين]“. وقبل أن يصل إلى بيت أبيه رآه أبوه من بعيد. فماذا فعل؟ هل كان ينتظر بعصاً في يده ليعاقبه؟ كلا، بل ركض نحوه ليقبِّله. وأمر الخدم أن يأتوا بأفخر الملابس ليلبسوه وأن يجهّزوا وليمة قائلاً: ”لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوُجد“. وعلّق المسيح على هذه المحبة الأبوية قائلاً: ”إنه يكون فرح في السماء، قدام ملائكة الله، بخاطئ واحد يتوب (اقرأ لوقا 15).
ثانياً: علّمنا عن الإنسان أن له قيمة عظيمة عند الله
ولكنه في نفس الوقت أنذر ضدّ الاستمرار في حياة الخطيئة فقال للناس: ”إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون“ (لوقا 3:13). وأن من لا يتوب ويؤمن به فمصيره جهنم النار ”هناك يكون البكاء وصرير الأسنان“، وأما من يتوب ويؤمن بالمسيح فله حياة أبدية. قال: ”الحق الحق أقول لكم: إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة“ (يوحنا 24:5). وتكلم المسيح عن الصفات التي يجب أن يتصف بها كل مؤمن حقيقي فقال: ”أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم“ (من الموعظة على الجبل، متى 5-7). وعلّمنا الوداعة والتواضع، وهي التي أساء فهمها كثيرون من الذين لا يعرفون كلام الله. فظنوا أنها المذلة، ولكنها صفات محبوبة عند الله. وكذلك علّم المؤمنين حياة الطهارة والقداسة، حياة الأمانة والصدق، وحياة المحبة والتضحية في سبيل الآخرين، وفي كل ما علّم به كان هو المثل الأعلى.
ثالثاً: عن نفسه
أخبرنا أنه جاء من السماء لكي يخلص الإنسان من خطاياه ولينقذه من العذاب الأبدي. لم يأتِ ليهلك أو يضرب بالسيف، وإنما جاء ليمنح حياة أبدية وغفراناً كاملاً لكل من يؤمن به. قال عن نفسه: ”أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة“ (يوحنا 12:8). وقال أيضاً: ”أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي“ (يوحنا 6:14). وقال للمستمعين: ”إنكم إن ثبتّم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرركم“ (يوحنا 21:8-22). ولا يسعنا المجال أن نتكلم بتفصيل أكثر عن تعاليمه، ولكن شكراً لله هي مدوّنة لنا في الأناجيل الأربعة.
المسيح شخص فريد في أعماله ومعجزاته
قال عنه الكتاب المقدس أنه ”جال يصنع خيراً، ويشفي جميع المتسلّط عليهم إبليس، لأن الله كان معه“ (أعمال 38:10). وكان معظم الوقت يعلم ويعمل، ويقضي ساعات طويلة - أحياناً الليل كله - في الصلاة. ذات مرة قدّم له تلاميذه طعاماً وهو منهمك في خدمة الإنسان، وقالوا له: ”يا معلم، كلْ. فقال لهم: أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم. فقال التلاميذ بعضهم لبعض: ألعلّ أحداً أتاه بشيء ليأكل؟ قال لهم يسوع: طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمّم عمله“
(يوحنا 31:4-34).
ومن المعروف لدى معظم الناس أن المسيح صنع معجزات لم يصنع أحد مثلها. ويجب أن نذكر أن المسيح لم يصنع معجزة واحدة لفائدته الشخصية، فلم يعمل معجزة لراحته، بل حين تعب جلس، وحين جاع انتظر إلى أن حصلوا على طعام هو وتلاميذه. ثانياً، لم يعمل معجزة لتسلية البشر أو إشباع رغبتهم في أن يروا معجزات، ولم يعمل معجزة ليؤذي الأعداء، مع أن هذا كله كان في قدرته. وإنما كان لمعجزاته أهداف معينة واضحة:
أولاً- كانت شفقة على الإنسان - أي لفائدة إنسان مريض مسكين أو حزين.
ثانياً - كانت معجزاته تجعل الناس يمجدون الله - كما هو واضح لكل من يقرأ عنها في الأناجيل.
ثالثاً - كانت معجزاته تؤيد ما قاله عن نفسه
لذلك قال أنه عمل بينهم أعمالاً لم يعملها أحد غيره (يوحنا 22:15). وقال أيضاً: ”الأعمال بعينها التي أنا أعملها هي تشهد لي“ (يوحنا 36:5).
والآن سنذكر باختصار بعض معجزاته التي تشهد له بأنه شخص فريد:
1- شفاء المرضى
”وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلّم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وضعف في الشعب... فأحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة.. فشفاهم“ (متى 23:5-24).
2- فتح أعين العميان
فهو ”وهب البصر لعميان كثيرين“ (لوقا 21:7)، وفتح عينيّ رجل كان مولوداً أعمى.
3- تطهير الأبرص
ذات مرة طهر عشرة أشخاص دفعة واحدة. ثم جاءه رجل وسجد له، وقال له: يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرني، فمدّ يسوع يده ولمسه وقال له: أريد فاطهر. ففي الحال طهر من برصه“ (متى 2:8-3).
4- إخراج الأرواح النجسة
لما كان المسيح على الأرض كان كثيرون تسكنهم أرواح نجسة، أي أرواح شياطين، فكانوا يتعذّبون بسبب تلك الأرواح الشريرة، ولكن المسيح كان ينقذ أولئك المساكين، وذلك بكلمة منه. اقرأ مرقس 1:5-20 إنها قصة عجيبة مليئة بالدروس النافعة.
5- إقامة الموتى
لم تكن معجزات المسيح قاصرة على الشفاء، بل كان أيضاً يقيم الموتى بكلمة. ذات مرة ماتت ابنة رئيس المجمع، فذهب يسوع مع أبيها إلى البيت، وطمأنه قائلاً: لا تخف، آمن فقط. وهناك في البيت أمسك يسوع بيد الصبية وقال لها: يا صبية، لكِ أقول قومي. فقامت الصبية في الحال ومشت“ (مرقس 35:5-43). وفي مرة أخرى إذ اقترب إلى باب مدينة اسمها نايين وجد قوماً يحملون ميتاً، وهو شاب، ابن وحيد لأمه، وهي أرملة ”فتحنن عليها ولمس النعش، وقال أيها الشاب لك أقول قم. فجلس الشاب وابتدأ يتكلم“ (لوقا 12:6-16). وذات مرة مات شخص عزيز لديه اسمه لعازر ودُفن في القبر، وبعد موته بأربعة أيام ذهب المسيح إلى القبر وقال: ”لعازر هلمّ خارجاً“. فقام الميت وخرج من القبر (يوحنا 11).
6- سلطانه على الطبيعة
ذات مرة كان في سفينة، فهاجت الرياح والأمواج، فقالوا له: يا معلّم إننا نهلك، فأمر الرياح والأمواج أن تهدأ فأطاعته في الحال، حتى أن الذين في السفينة خافوا وتعجّبوا قائلين: من هو هذا فإنه يأمر الرياح أيضاً والماء فتطيعه (لوقا 22:8-25).
وفي مرة أخرى كان التلاميذ في سفينة في الليل، أما هو فكان قد صعد إلى الجبل ليصلي. فلما هاجت الرياح والأمواج جاءهم يسوع ماشياً على الماء. ودخل السفينة فهدأت الريح، والذين في السفينة سجدوا له قائلين: ”بالحقيقة أنت ابن الله“ (انظر متى 22:14-33).
7- إطعام الآلاف
ذات مرة أطعم خمسة آلاف رجل بالإضافة إلى النساء والأطفال، من خمسة أرغفة خبز وسمكتين، وفضّل عنهم ما ملأ 12 قفة (يوحنا 1:6-15). وفي مرة أخرى أطعم 4000 شخص من سبعة أرغفة وقليل من السمك الصغير، فأكلوا وشبعوا وبقي ما ملأ سبعة سلال (متى 29:15-39).
كان المسيح يعمل المعجزات بقدرته الذاتية، بل هو أيضاً منح تلاميذه القدرة على أن يعملوا المعجزات باسمه هو.
”وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع إن كُتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة“ (يوحنا 25:21).