Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الأول (ديسمبر) 2008

لم يُحدِث ميلاد أي شخص في التاريخ من تغييرات جذرية ما أحدثه ميلاد المسيح. كان هذا الميلاد، وما برح، ملخصا لأشواق قلب الإنسان الحائر في متاهات الضياع، الباحث عن الخلاص. وقد أضفى هذا الميلاد على الوجود معاني خالدة يتعذر على المتأمل فيها أن يتجاهلها لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بحياة الأفراد والجماعات على حد سواء.

 
ونحن، في هذه العجالة القصيرة، نود أن نتحدث عن بعض هذه المعاني التي أسفر عنها حدث الميلاد لما لها من تأثير على حياتنا، ولأنها تكشف لنا عن مزايا خطة الله التي أعدَّها من قبل تأسيس العالم لتحرير الإنسان من عبودية الخطيئة.
وبعض هذه المعاني،
1- المحبة
ففي هذه المحبة تجسدت أشواق الله لخلاص الجنس البشري. لقد عبرت المحبة الإلهية اللامتناهية عن ذاتها بطريقة عملية في المولد الأسنى إذ خاطب الله الإنسان بأسلوب لا عهد به سابقا في التاريخ، أسلوب مفعم بالرحمة والتضحيات. بذلك أعلن الله  لمخلوقه الضال أن العناية الإلهية ما زالت ترعى الإنسان وترأف به لتنقذه من ربقة الخطيئة والهلاك الأبدي. هذا الضرب من المحبة الباذلة التي تفوق كل فهم لم يقتصر على أمة دون أمة بل عانق الإنسانية بأجمعها. وبفضل هذه المحبة حدث التجسد الإلهي، فكانت الخطوة الأولى والكبرى في درب الجلجثة لخلاص الإنسان.
2- التضحية
فكما أن المحبة عبَّرت عن ذاتها بصورة صارخة في المولد المقدس فإن التضحية كانت تضاهي بأهميتها المحبة لأنها كانت تضحية اختيارية تستهدف خير الإنسان وتأمين الحياة الأبدية له. "لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الُحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ". وكان هذا البذل قائما على فعل إرادة المسيح الحرة. لم يكن بفعل أمر مفروض. وكما يقول نص الكتاب المقدس فإن المسيح قد " أَخْلَى نَفْسَهُ آخِذَاً صُورَةَ عَبْدٍ صَائِرَاً فِي شِبْهِ النَّاسِ" أي أنه تخلى اختيارا عن أمجاده السماوية التي كان يتمتع بها منذ الأزل. ففي مخاطبته للآب السماوي في الليلة التي اعتقل فيها قال: "وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ". لقد تنازل المسيح عن جميع حقوقه السماوية ليولد في أرض البشر التي تتمخّض بالآلام والأوجاع، ومن ثَمَّ، ليقاسي من طغيان القلب المتحجِّر ليفتدي الإنسان المتمرِّد من الدينونة الرهيبة. فالتجسد الإلهي هو أبلغ صور التضحية لعِلْمِ المسيح المسبق بأن مهمته التي جاء من أجلها إلى الأرض لن تكتمل إلا بالصليب؛ لهذا كانت صرخته الأخيرة قبل أن يلفظ أنفاسه: قَدْ أُكْمِلَ.
فالتضحية هنا كانت تضحية بالأمجاد السماوية والتضحية بالذات.
3- التشريف
فالمسيح الذي صار في تجسده في شبه الناس قد شرَّف جسد الإنسان المؤمن به وقدَّسه وأعاد إليه رونقه الذي كان له قبل السقوط. لم يحل هذا الكائن السماوي بيننا بصورة ملاك بل أصبح إنسانا مثلنا لأن الإنسان منذ البدء قد خلق على صورة الله ومثاله. وصورة الله في الإنسان هي ملك له ولن يرضى لها أن تظل رهينة التشويه. لهذا، فإن المسيح في تجسده استهدف أيضا أن ينقِّي تلك الصورة من شوائبها. إنه يسترد ما سلبته الخطيئة من الإنسان لتعود العلاقة بين الله والإنسان على ما كانت عليه قبل العصيان. وقد أشار بولس الرسول إلى هذه الحقيقة عندما قال، بوحي من الروح القدس، بأن أجسادنا هي هياكل مقدسة لروح الله. وهكذا فإن جسد المؤمن قد تقدَّس وتشرَّف بمولد المسيح الذي من حيث هو ابن الإنسان، أي في ناسوته، قد تجرَّب مثلنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. ومن حيث أن جسد الإنسان المؤمن هو مسكن أو هيكل لروح الله فقد أصبح مولد المسيح في حياة المؤمن به هو مولد جديد للإنسان الجديد، وبالتالي فإن جسدي هذا صار خاضعا لإرادته المقدَّسة من ناحية ومقدَّسا فيه من ناحية أخرى. ومن هنا، على المؤمن أن يحافظ على طهارته ونقائه لكي يبقى جسده شريفا بهيا، وشهادة حية عن عمل الفداء العظيم في حياته.
4- التواضع
إن التفاصيل التي يوردها الكتاب المقدس عن ميلاد المسيح ترسم لنا صورة دقيقة عن التواضع الحقيقي. فالمسيح الذي تخلى عن جميع أمجاده الإلهية طوعا، و"الَّذِي كَانَ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ" قد ولد في مذود بقر. هذا المولود الذي بشَّر به ملاك الرب، في تلك الليلة، رعاة متبدين، وترنمت معه جوقة من الجند السماوي "مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ"؛ وظهر نجمه في المشرق لمجوس حكماء، لم يجد لنفسه مأوى يطلُّ منه على الحياة سوى المذود الحقير. إن مثل هذا التواضع الذي يعجز الإدراك البشري عن استيعابه يحرر الإنسان من كبريائه وغطرسته الجوفاء، ومن خواء العظمة الباطلة التي يتشدَّق بها ذوو النفوس الصغيرة المخدوعون بسراب الدنيا الفانية. فبينما كانت السماء تتغنى بالمولد المجيد، والأرض تتململ شوقا لمجيء المخلص، حظيت مغارة بيت لحم بأرفع امتياز لأن مخلص العالمين "المسيح الرب" قد شرَّفها بمولده فيها. كان في إمكان المسيح أن يولد في قصر ملكي ولكنه اختار المغارة، حظيرة البقر، لتكون مأوى له؛ وهكذا اشتركت السماء بكل أجنادها، والأرض بجميع مخلوقاتها بالاحتفاء بهذا المولد المقدَّس، وأصبح المذود رمزا للتواضع الأصيل.
5- الحدث
ففضلا عن كونه الحد الفاصل ما بين تاريخين: ما قبل الميلاد وما بعده، فإنه قد نقل التاريخ البشري من حيث علاقته بالله من عهد العدالة والدينونة إلى عهد الرحمة والنعمة. فالتجسد الإلهي الذي انتهى بالصليب والقيامة فتح مصراعي المصالحة ما بين الآب السماوي والجنس البشري، واسترد الإنسان بفضل الفداء، العلاقة المباشرة التي كانت له مع الله قبل السقوط. لقد استطاع آدم الثاني (المسيح) المنزه عن كل خطيئة أن يحررنا من حكم الدينونة ويجعلنا أبناء الملكوت شريطة أن نقبل عمل فدائه على الصليب. لقد دفع المسيح على الصليب الثمن الباهظ وتحمَّل عنا عقاب الموت، ولكن كل ما ضحى به المسيح من أجلنا لن يجدينا نفعا إن لم نؤمن بحقيقة صلبه، ومعنى فدائه إيمانا قلبيا صادقا ونحيا في بره.
إن هذا الحدث الذي لا نظير له في التاريخ قد جعل المطرود من الفردوس يستعيد منزلته بالمسيح من جديد؛ وروعة هذا الحدث هو في ديمومته الأبدية. وما البداية على الأرض سوى مرحلة أولى من مراحل التوغل في العمق السرمدي.  

المجموعة: 200812

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

180 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10474543