كانون الثاني (يناير) 2008
يتساءل البعض قائلين: لماذا نصلي إن كان الله يعرف احتياجاتنا قبل أن نطلبها؟ وهدفنا من هذا المقال هو أن نجيب عن هذا السؤال.
أولاً يجب أن نتذكر أن الصلاة ليست فقط لتقديم طلباتنا إلى الله. بل هناك صلاة الشكر، وكذلك هناك صلاة الاعتراف إلى الله بأخطائنا وتقصيراتنا، كما الصلاة قد تكون السجود والتعبّد معبّرين عن احترامنا وإجلالنا لله، وإدراكنا لعظمته وحكمته وقدرته ومحبته، وعن محبتنا له - التي هي صدى محبته لنا ”نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً“ (1يوحنا 19:4). ولكننا سنكتفي هنا بالكلام عن الصلاة التي هي تقديم الطلبات إلى الله.
لماذا نصلي مقدمين طلباتنا لله؟
1- نصلي للحصول على ما نحتاج إليه
الصلاة هي الطريقة التي عيّنها الله لنا لنحصل على ما نحتاج إليه. إن إلهنا ليس إلهاً صامتاً أبكماً كآلهة الأمم التي لها أفواه ولا تتكلم ولها آذان ولا تسمع، بل هو إله يتحدث مع الإنسان ويتجاوب معه. لما خلق الله الإنسان، أول ما عمله هو أنه باركه وتحدث معه وأوصاه أن يتسلط على باقي المخلوقات على الأرض، وعلى الطيور، وعلى أسماك البحر. لما أخطأ آدم وحواء تكلم الرب معهما حتى يجيباه ويعترفا بخطئهما. فكم بالأولى الآن يريد الله أن أولاده يتحدثون معه. لقد علّمنا المسيح أن نسأل ونطلب ونقرع على باب نعمته، قائلاً: ”اسألوا تُعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتح لكم“ (لوقا 9:11). وأكّد لنا قائلاً: ”لأن كل من يسأل يأخذ، وكل من يطلب يجد وكل من يقرع يُفتح له“
(عدد 10). وفي الجزء الأخير من يعقوب 2:4 يقول: ”ولستم تمتلكون لأنكم لا تطلبون“. فإن كنا نتساءل: لماذا هذا الفتور الروحي الذي نلمسه فينا وحولنا، فالجواب هو لأننا نقصّر في الصلاة والطلبة.
للأسف الشديد، قد أساء البعض استخدام هذا الوعد الإلهي وهذا المبدأ الثابت، فعلّموا - إما عن جهل أو عن خداع - أنه علينا أن نطلب الغنى والصحة والشهرة، وأن السبب في أنه ”ليس كثيرون أغنياء“ هو لأننا لا نطلب، وأن الله يريد أن يكون المؤمنون أغنياء مادياً يعيشون في القصور ويملكون أفخم السيارات. وهم بذلك يتجاهلون ما يقوله الكتاب المقدس بكل وضوح وهو ”فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتفِ بهما“ (1تيموثاوس 8:6). لا يليق أن يكون هدفنا من الصلاة هو الطمع أو محبة المال التي هي أصل لكل الشرور (انظر 1تيموثاوس 11:6). إذاً، يريد الله منا أن نسأل ونطلب ونواظب على الصلاة لأهداف روحية، لأن هذا هو ما يعلمنا إياه الكتاب المقدس، وهذا ما يفرّح قلب الله. ومن العجيب أننا نرى هذا في مزمور 8:2 إذ يقول الرب يهوه للابن: ”اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض ملكاً لك“. والمسيح يُسمَّى كلمة الله، وهذا يوافق قوله أن الله كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه (عبرانيين 2:11).
2- نصلي بسبب الأعداء
هناك سبب مهم يدعونا للصلاة والطلبة، وهو أن لنا أعداء أقوياء قساة، مثل إبليس الذي يُشبَّه بأسد يجول ويزأر باحثاً عمن يقدر أن يبتلعه. قال الرسول بولس في أفسس 12:6 ”فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات“. ولذلك بعد أن شرح لنا سلاح الله الكامل قال لنا: ”مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة“ (عدد 18). وبالإضافة إلى ذلك فقد نصحنا المسيح نفسه ضدّ ما قد يؤثر علينا تأثيراً رديئاً فقال: ”فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار (أي الانحلال الخلقي) وسكر وهموم الحياة... اسهروا إذاً وتضرعوا في كل حين...“ (لوقا 34:21 و36). حقاً إننا نحتاج للصلاة والطلبة دائماً لنتحاشى الوقوع في خطايا ومشاكل كثيرة.
نفسي اسهري وواظبي دوماً على الصلاة
فهي سلاح حربنا... وقوة الحياة
3- بركات ثمينة مرتبطة بالصلاة
ثالثاً: هناك بركات ثمينة يعدنا بها الرب مرتبطة بالصلاة. وهي بركات ليس منا من يريد أن يُحرم منها، نذكر منها الآتي:
1- ”فلنتقدّم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة، عوناً في حينه“ (عبرانيين 16:4).
2- ”اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً“ (يوحنا 24:16). إننا نحرم أنفسنا الفرح الحقيقي حين نهمل الصلاة.
3- ”لا تهتموا بشيء [أي لا تقلقوا] بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع“ (فيلبي 6:4-7).
4- وهناك وعد ثمين جداً لا يمكن الاستغناء عنه في يعقوب 5:14 ”وإنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعيّر فسيُعطى له“. هل منا من لا يشعر بحاجته إلى الحكمة؟ إن الإنسان الذي يظن أنه حكيم ولا يحتاج إلى حكمة أكثر هو في الحقيقة إنسان أحمق. شكراً لله لأن وعده أكيد: من يطلب الحكمة فستُعطى له. يليق منا أن نطلب الحكمة في بداءة كل يوم... حكمة في الكلام والعمل والفكر... حكمة للتعامل مع أسرته أو زملائه أو مع المؤمنين الآخرين. حقاً ما أعظم ما نناله بالصلاة! رحمة، نعمة، عون، فرح، سلام، حكمة.
4- للتمثّل بالرب يسوع المسيح
مما يحفزنا على الصلاة هو التمثّل بربنا يسوع المسيح وبرسله وبرجال الله الأتقياء في كل العصور. لقد كان المسيح الإنسان الكامل رجل صلاة. حقاً انطبق عليه ما جاء بروح النبوة في مزمور 4:109 ”بدل محبتي يخاصمونني، أما أنا فصلاة“، أي حين كان الأعداء يخاصمونه ويضطهدونه كان رد فعله هو الصلاة بالرغم من الأعمال الكثيرة التي كان يعملها، يذكر عنه في مرقس 35:1 ”وفي الصبح باكراً جداً قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك“. وفي لوقا 12:6 ”وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي وقضى الليل كله في الصلاة لله“. ولما كان على الصليب أول عبارة قالها كانت صلاة من أجل الأعداء، كما كانت آخر عبارة أيضاً صلاة للآب. والآن في السماء هو شفيعنا عند الآب. وبلا شك المسيح شخص فريد، ولكنه ترك لنا مثالاً في كل الأمور. وكان الرسل رجال صلاة أيضاً كما هو واضح من سفر أعمال الرسل (أعمال 14:1؛ 42:2؛ 24:4؛ 4:6 وغيرها الكثير). ومن يقرأ رسائل الرسول بولس يرى بوضوح أنه كان يصلي بكثرة من أجل المؤمنين. ولما وُضع هو وسيلا في السجن، نحو نصف الليل كانا يصليان ويسبحان الله.
ونختم المقال بهذه الآية: ”ادعـني فأجيبـك وأخبـرك بعظائم وعوائص لم تعرفها“ (إرميا 3:33)