حزيران (يونيو) 2008
"...هيا اغرُبي عن وجهي فأنا لا أريدُ أن أراكِ أبداً. ابتعدي عني أيتها الخاطئة، لقد لوَّثتِ سُمعتي واستهنْتِ بشرفي وشرفِ العائلة. حذارِ أن تُريني خِلْقَتّكِ بعد اليوم أيتها الزانية والحقيرة. ارحَلي عني فأنا لم أعدْ أطيقُ أن أسمع صوتَكِ. لقد لطَّخت شرفي وشرفَ العائلة ووضعْتِ رأسي في الحضيض. هيَّا ابتعدي عني واتركيني علَّي أتخلصُ من العار الذي لحق بي."
كانت تلك كلمات أبي التي طالما طاردَتني وحاصرتني أينما ذهبت وحيثما حللْت. كلا، لم يكن أبي مغالياً في أوصافه لي أنا التي ضربتُ بكلِّ ما تعلمته من أدب وخلُق في بيت والدي عرضَ الحائط، وتبعت أهوائي وشهواتي وسقطت، وفعلتُ الخطية معَ مَنْ أحببَتْ. مات والدي بعد صراعٍ طويل مع المرض، وبسبب ما جلبْتُه عليه من آلام وعذابٍ في النفس. لم نكن على اتفاقٍ يوماً، إذ بقي يعيِّرني ويلقَّبني بالزانية. لكنني وعلى الرغم من خطأي الفادح كنتُ أردُّ له الصاعَ صاعَيْن وأقول: "إنِّي أكرهُكْ، لا بل أكرهُكَ جداً." وسرعانَ ما كَبُرت الفجوةُ بيننا وصار من المستحيل ردم الشرخ الكبير والتئامُ الجرح الذي سبَّبته له بفعل أعمالي الأثيمة.
قالت ليلى وهذا اسمها: وُلدتُ في العام 1984، وترعرعتُ في سوريا موطني الأصلي، وفي طرطوس مدينتي. وكانت عائلتي على قدرٍ وافرٍ من الغنى والجاه. لكنَّنا تركنا بلدنا الأم وهاجرْنا إلى البحر الكاريبي، وبالذات عشنا في جزيرة صغيرة تدعى المارتينيك Martinique، وهي مستعمرة فرنسية. وعندما صار عمري ثماني عشرة سنة غرَّر بي أحدُ الشبَّان ووقعتُ في حبِّه. وكانت النتيجة أننَّي حملْتُ منه وأنجبتُ ولداً من جرَّاء هذه العلاقة غير الشرعية التي قامت بينَنا. وأسميْتُ ابني الصغير باتريك. وعليه لم يتحمَّلْ والدي هذا الوضع، فماتَ وهو غيرُ راضٍ عني. أمَّا أنا فلم أكترثْ يومئذٍ، لا بل أذكرُ أنَّني طلبتُ يوم ولد ابني الصغير وأنا لم أزلْ بعد في المستشفى، بأن يكون إبليس حارساً على حياته. نعم، نطقت بهذه الكلمة وأنا غيرُ مُدرِكةٍ بالضبط النتائجَ الوخيمةَ التي سيؤولُ إليها قراري هذا. وعشتُ بعدَها في قبضةِ الشيطان وفي عذابٍ وشقاءٍ وتعاسة لم أعهدْها من قبل.
وحدثَ مرةً وبينما كنت وزوجي وابني باتريك نعيش في قرية صغيرة اسمها روبير أنَّني صحوت في منتصف الليل على صوت زوجي وهو يقول لي:
- ابنُنا باتريك مريض جداً وحرارته عالية ويجب نقله إلى المستشفى حالاً.
فقمتُ مذعورةً من الفراش، وارتديت ملابسي بسرعة وهرعْنا إلى السيارة. لكن ابني الصغير أخذَ يرتجف بشدة ولمَّا تحسَّسْتُه وجدتُ أنَّ جسمه قد صارَ بارداً. وصار يخرجُ من فمه سائلٌ أبيض كالزَّبَد. وللحال نزلنا من السيارة واتجه زوجي نحو باب الجيران وراح يقرعه بشدة. ولما علم الجيران بحالنا اتصلوا للحال بسيارة الإسعاف. لكنها لم تأتِ بسرعة لأن المستشفى كان يبعد عن قريتنا حوالي 35 دقيقة. أما ابني فما لبثَتْ حالُه أن ازدادتْ سوءاً. وهنا هرولْتُ إلى بابِ منزلٍ آخر أطرقه وأصيحُ مستغيثة وطالبةً العون والنجدة. إلا أنَّ أحداً لم يردَّ عليّ، إذ كان الوقت متأخراً جداً والساعة قد تجاوزت الثانية والنصف فجراً. عندها لم أجدْ غيرَ حكم الله حُكْماً ولم أجد غيرَ باب الله باباً. فنظرتُ إلى السماء وصرختُ بأعلى صوتي وقلت: يا رب، ابني هذا يموت. أرجوك ألا تأخذه مني. وعندما عدتُ إليه كانت عيونُه شاخصةً إلى الأعلى ولم أرَ منهما غيرَ بياضهما. فصرختُ ثانيةً وقلت:
- يا رب لا تأخذْ ابني مني أرجوك!
وفجأةً، حدث شيء عجيب للغاية. إذ عادَ ابني إلى حالته الطبيعية وأخذ يتنفس من جديد. ولمَّا وصلتْ سيارة الإسعاف، سألونا: أين المريض؟ قلنا لهم: لا يوجد مريض هنا.
كان هذا الحدثُ بدايةَ الغيث في حياتي. إذ وبينما أنا جالسة في غرفتي يوماً في العام 2006، شعرتُ برأسي ينحني بشدة ويتجه إلى اليسار، وصارت عيناي نحو الأعلى. ولمَّا تطلعتُ إلى زاوية الحائط رأيتُ هناك رجلاً واقفاً وشعره مسترسل وطويل، مجدول أكثر من مرة. قال لي:
- أنا إبليس! أنظري إليَّ جيداً. سوف آخذُ منك عينيك.
في تلك اللحظة بالذات وصلتْ أختي إلى الغرفة، وكانت مؤمنةً جداً، وحالاً لعبت لي ترنيمةً في المسجل عنوانُها: أعترف لك يا ألله. لكن لم يحصل أيُّ تغيير. وبعد ذلك صرخت من كل قلبي وقلت:
- يا رب، أرجوك! أرجعني إلى حالتي الطبيعية. لأنني أحس وكأنَّ رقبتي ستنفصل عن جسدي.
ومرةً أخرى سمع الرب يسوع المسيح لصوتي واستجاب لدعائي وأجرى المعجزة فيَّ فعدت إلى طبيعتي بعد حوالي الساعة.
لم تنتهِ مشاكلي وصعوباتي تلك، لأنَّ حياتي كانت قد صارت ملكاً لإبليس، وتحوَّلت كلُّها إلى ظلام دامس. ولمَّا بلغ باتريك ثلاث سنوات وجدت بالصدفة نتوءاً بارزاً في صدره وتحت قلبه بالذات. فهرعتُ به إلى الطبيب الذي قال بأنه ورم ولسوف يطلع إلى الخارج لأنَّ العمودَ الفقري مائلٌ عنده. وأبدى استغرابه الشديد من هذه الحالة واعتذر قائلاً بأنه لا يقدر أن يفعل له شيئاً. أما أنا فاستأت جداً من ذلك. ولمَّا رجعت إلى المنزل، دخلت في الحال إلى غرفتي ورحتُ أشهق وأبكي بحرقة قلب. وطلبت من الله من جديد أن ينظر إلى حالة ابني ويشفق عليه. وبعد إجراء الفحوصات اللازمة عليه في اليوم التالي، صليتُ مرة أخرى. وأخذتُ الصور ووضعتها في الكتاب المقدس ليلةً كاملة. وعندما أطلعت عليها الطبيب قال لي:
- لا تخافي لا يوجد أي شيء في ابنك. فالنتوء البارز قد اضمحل وكل شيء يبدو طبيعياً.
ومرةً أخرى أنقذني الرب يسوع المسيح على الرغم من بعدي عنه.
وفي العام 2007 وحوالي الساعة السابعة والنصف مساء شعرت بيدٍ ملتفةٍ حولَ عنقي تريد خنقي. كانت تلك اليدُ كبيرةً وعريضة وقبيحة المنظر جداً، يعلوها شعر كثيف تشمئزُّ لها الأبدان. إنها يد إبليس. لكنَّني وفي نفس الوقت سمعت صوتاً هادئاً يطمئنُني ويقول:
- ليلى، الليلة سوف تموتين وستكونين في السماء. أنا الرب.
فبكيتُ وقلت للرب:
- أنا أحب ابني باتريك ولا أريد أن تُبعدني عنه.
لكنَّ الصوت عاد وتردَّد أربع مرات. وهنا أحسستُ باختناقٍ كبير ووجعٍ شديد في قلبي. وعاد الصوت يقول:
- ليلى سوف تموتين. أنا الرب.
وبكل غضب بدأت أحاجج الرب وقلت لهذا الصوت:
- كما تحب ابنك يسوع المسيح أنا أحب ابني باتريك أيضاً.
وقمت للحال ونزلت بسرعة من على الدرج. فجاءني الصوت ليقول:
- ليلى ارجعي فلن تموتين. أنا الرب. وسأعطيك فرصة ولكنها ستكون الأخيرة في حياتك.
بالحق، لا أحدَ يعلم ما معنى أن يأتيه الموت، وهو غير مستعدٍ له. نعم، لا يعلم أحد مدى الخوف والرعب اللذين يسيطران عليه إذا كان خاطئاً وبعيداً عن الله وهو على شفير الهاوية. إنه الظلام الدامس الذي سيقوده إلى الأعماق السحيقة التي لا قرارَ لها. أمَّا يسوع المسيح، المخلص المحب، والفادي الحنون فلقد افتقدَني بالفعل، ونشلَني من هذه الظلمة وأنارَ لي حياتي من جديد. لقد فعلَ كلَّ هذه الأعاجيب والمعجزات في حياتي على الرغم من كوني خاطئة وأثيمة، فعلتُ الشر وغصتُ في أوحال الخطية. وأتى اليوم الذي سمعت فيه الكثير عن يسوع من أختي العزيزة التي لم تتركني يوماً ولم تتوقّفْ عن إخباري عنه، عندها قررتُ أن أعرفه حقاً وفعلاً. وهذا بالضبط ما حصل. والآن أنا أشهد بأنني عرفت فاديّ، ومخلصي الرقيق والمحب والغافر. وعرفت فيما بعد عن برامج قناة الكرمة التلفزيونية المسيحية، وبدأتُ أشاهدها بشغف. وغدا الربُّ يسوع بالنسبة لي هو الهواء الذي أتنفَّسه أنا وابني باتريك. هو المتواضع القلب، والرقيق، والعفيف، والطاهر، والقدوس، المسيح هو الحياة والمستقبل والحاضر. إنه كل شيء بالنسبة لي. لقد نجَّى نفسي ولا يزال في كل يوم يجري معجزات في حياتي. ولا يسعني إلا أن أقول بأنَّني مديونة لحبِّه ورحمته الواسعة التي قبلَتْ خاطئة أثيمة مثلي. مجداً له! لقد كسّر قيدي، وفكَّ أسري، وأطلقني حرِّة من قبضة الشيطان. فلهُ أقدِّم كل شكري وحمدي على الدوام.
ليلى كرّاز من المارتينيك
البحر الكاريبي