أيار (مايو) 2008
من هو المسيح؟ لماذا جاء إلى العالم؟ ما معنى الفداء؟ ما هو الخلاص وكيف الحصول عليه؟ كل هذه الأمور كانت جديدة وغريبة عليّ بل ومبهمة.
عشت وترعرعت في كنف عائلة مسيحية تعيش عيشة قروية في قرية دورس، تواظب على الذهاب إلى الكنيسة أيام الآحاد والأعياد كغيرها من العائلات المسيحية اليوم، لكنها لم تكن تعرف عن الأمور المسيحية والفداء أكثر مما كنت أعرفه أنا.
لم أكن أتوانى عن فعل الخطية مثل كل الناس؛ فلا أتورّع عن الكذب، والشتم، والتعدّي، والمشاجرة، والحقد، والحسد، والبغضاء، والتكلم على الآخرين، بالإضافة إلى خطايا الأهواء الشبابية، لا سيما وأني كنت في ريعان الصبا ولم أكن أقيم وزناً لأي من هذه الخطايا، إذ لم أكن في الحقيقة أعرف ماذا تعني الخطية بالنسبة لله، ولا حقيقة القصاص الرهيب الذي يجلبه علينا يوم الدينونة. مثلي في ذلك مثل جميع الناس الذين يفعلون الخطية ولا يقيمون لها وزناً، حاسبين لجهلهم أن الله غفور رحوم، لذلك لن يحاسب الإنسان على ضعفاته وسقطاته.
وتشاء الحكمة الإلهية أن أترك القرية إلى بيروت للعمل فيها، فآتي لأعيش بجانب بيت خالي الذي كان يقول أنه وبعض أولاده من جماعة المؤمنين المتجددين. كنت اسخر منهم في نفسي إذ أراهم يعيشون حياة تختلف تماماً عن حياة أهل هذا العالم.
عندما كانوا يكلمونني عن الإيمان والفداء والخلاص بواسطة الرب يسوع، لم أكن أفهم شيئاً من هذه الأمور لأنها كانت تبدو غريبة وجديدة عليّ، لا سيما عندما كانوا يكلمونني عن الولادة الجديدة. وكنت في نفسي أهزأ من كلامهم وأمضي فأفعل الشر والخطية غير مبالٍ بشيء، لكني صممت في أحد الأيام أن أمضي معهم إلى الكنيسة للاطلاع على حقيقة هذا الخلاص.
كانت المرة الأولى التي أدخل فيها كنيسة إنجيلية، فاستغربت عندما لم أجد فيها شيئاً سوى منصة يعلوها منبر للوعظ، وآية من الإنجيل في صدر القاعة.
وبدأ الاجتماع بالترانيم الروحية التي تتغنّى بالرب يسوع فادي البشر، وبالله الآب، ثم تلتها بعض الصلوات، وبعد ذلك علا الواعظ المنبر وبعد أن قرأ مقطعاً من الكتاب المقدس شرع في الوعظ. كانت موعظة مؤثرة جداً ظللت أفكر بها حتى بعد عودتي إلى البيت.
راقني الأمر ورحت أواظب على حضور الاجتماعات، وكنت في كل مرة أتأثّر جداً بالوعظ، وأدركت أخيراً أن هذه الجماعة تعيش بالفعل الحياة المسيحية الحقيقية. كان لدى الجميع تأكيد حقيقي بالخلاص، وكانوا يسيرون في الطريق عينه الذي رسمه الرب يسوع المسيح وتلاميذه وسارت فيه الكنيسة الأولى. كانت القداسة والمحبة ظاهرتين في أعمالهم وتصرفاتهم.
لكن بالرغم من ترددي الدائم على الاجتماعات، ومن اقتناعاتي بحقيقة الخلاص والفداء ومعرفتي لكل ما كان يتعلق بالتجديد، والولادة الجديدة، والخطية وعقابها، لم أقلع عن ارتكاب الشر والخطية، وبالتالي لم أسلّم حياتي للرب يسوع حتى أحصل على الخلاص والحياة الأبدية.
بدأت أعيش صراعاً نفسياً، لم أعد أحتمل صراخ الضمير وتأنيبه. كان صوت يصرخ فيّ: ”إن متّ الآن إلى أين ستذهب؟!! ألست إنساناً خاطئاً؟ (وينتابني الخوف)... ما هو عقاب الخاطئ؟ النار الأبدية... البحيرة المتقدة بالنار والكبريت“!!! هل يحتمل ذلك أي تأويل؟ وهل آيات الكتاب المقدس تحتمل التأويل؟ يقول الكتاب: ”كل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طُرح في بحيرة النار“ (رؤيا 15:20).
حاولت أن أبحث عن العزاء والسعادة بعيداً عن أجواء الإيمان، فانغمست في العالم، وفي الأمور الدنيوية والرغبات الجسدية، لكنني عبثاً حاولت أن أجد الراحة؛ بل كنت أزداد تعاسة بسبب الصراع النفسي وتبكيت الضمير، وبسبب نير الخطية واستعبادها لي. وللتخلص من هذا الصراع أردت أن أسلم نفسي للرب ولكي ليس قبل أن أتزوج!!!
ثم تزوجت ونسيت الموضوع، وتركت الاجتماعات الروحية، وانغمست مرة أخرى في شهوات الجسد والعالم والخطية. لكن الرب لم يشأ أن يتركني أمضي إلى الجحيم فرتب لي أن أعود إلى حضور الاجتماعات من جديد، وفي هذه المرة لم أؤجل. في أول اجتماع حضرته، كانت العظة مأخوذة من إنجيل يوحنا الأصحاح التاسع، وشعرت بتبكيت الضمير. وما أن قدّم الواعظ الدعوة لقبول المسيح كمخلص شخصيٍ لي حتى كنت أول الملبّين. وللحال شعرت كأن حملاً ثقيلاً أزيح عن كاهلي وغمرني شعور بالسعادة والفرح. وأحسست وكأنني إنسان جديد. منذ ذلك اليوم وأنا أعيش حياة سعيدة. ما أجمل الحياة مع يسوع!!!
إنه ما زال ينادي: ”تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم“. وتأكدت من خلاص نفسي ومن حصولي على الحياة الأبدية في كنف الله، ”حيث لا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد“.
ي. غ. من دورس - بعلبك، لبنان