كانون الثاني January 2010
من هو المسيح؟
ما زلنا نبحث عن الإجابة في كلماته هو، من يتحدث عن نفسه قائلاً: أنا هو؟
في إنجيل متى 29:11 يقول: "لأني وديع ومتواضع القلب".
وفي يوحنا 23:8 يقول: "أما أنا فمن فوق".
وقد يبدو في هاتين الكلمتين شيء من التناقض الظاهري، لكنهما تعلنان لنا عن جانبين من شخصية المسيح.
إني وديع
يقول المسيح عن نفسه: "إني وديع ومتواضع القلب". هل الوداعة وتواضع القلب من الصفات الجميلة؟ قد يتبادر إلى الذهن أن كلمة "وديع" تعني: الخنوع والهزيمة والاستسلام، لكنها أبعد ما تكون عن ذلك. إن هذه الكلمة التي تحدث بها المسيح عن نفسه هي ذات الكلمة التي تحدّث بها عن موسى "كان حليماً أكثر من كل الناس". ولا يستطيع أحد أن يقول عن موسى أنه كان ضعيفاً خانعاً بل كان قائداً عظيماً. فالكلمة "متواضع القلب" تعني عكس الذاتية والأنانية والكبرياء. الوداعة هي صفة العظماء. العظيم لا يحتاج لأن يؤثر فيك ولا يحتاج إلى ما يُظهر عظمته لأنه يعرف أنه عظيم، ولا يفعل ذلك إلا من يشعر بعقدة النقص في ذاته، فيحاول أن يُبرز أمام الآخرين ما يدل على نجاحه وذكائه. وهذا عكس الوداعة وتواضع القلب، فالعظيم حقاً هو الوديع والمتواضع القلب. والوداعة هي صفة الذين يعرفون أنهم أقوياء. لعل هذه الصفة قد فقدت معناها الحقيقي في أذهان الناس فأصبحت تعني الضعف والمهانة. ولكنها أبعد ما تكون عن هذا، إنها صفة الأقوياء والعظماء. نعم، كان يسوع وديعاً، يغسل أرجل التلاميذ. كان يصنع المعجزات ويشفي المرضى ويقول لهم ألاّ يذيعوا هذا السرّ - ونحن لا نصنع المعجزات لكننا نذيع على الناس أننا نصنعها - حاولت الجموع أن تتوّجه ملكاً، فهرب منهم بعيداً... هذه هي الوداعة!
لماذا يقول المسيح عن نفسه: "لأني وديع ومتواضع القلب"؟ لعلنا نجد السبب في (متى 25:11) "في ذلك الوقت أجاب يسوع وقال" – أي في الوقت الذي بَكّت فيه الخطية وأدانها – قال: "لأني وديع ومتواضع القلب". لماذا؟ حتى لا يسيء الخطاة فهم قوله... فحين بكّت مُدن كورزين وكفرناحوم وبيت صيدا بعنف بسبب الخطية، فعل ذلك لكي لا يعتقد الخطاة بأنه يكرههم. وحين أعلن الدينونة على تلك البلاد التي أجرى فيها أكثر معجزاته، وحتى لا يظنّ الناس أنه قاسي القلب ولا يقبل الخطاة، قال: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين... تعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب". وإن كنت أدين الخطية فليس معنى هذا أني قاسي القلب وأرفض الخطاة بل جئت من أجل الخطاة. لقد جئت لأطلب وأخلّص ما قد هلك. إياكم أن تظنوا أن كراهيتي للشيطان والخطية تعني أنني لن أقبلكم. إن المسيح حين قال هذه الكلمات قالها حتى لا يسيء الناس فهم رسالته، لقد جاء لكي يحطّم الخطية، وجاء أيضاً محباً للخطاة لكي يطهرهم من كل خطية.
عندما قال: "أيها الحيّات أولاد الأفاعي، كيف تهربون من دينونة جهنم؟" (متى 33:23)، قد يظنّ الخطاة أنه لا يقبلهم ولا مكانة لهم عنده. وقد يظن الناس أنه قاسي. وحين قال عن يهوذا "كان خيراً له لو لم يولد..." يمكن أن يسيء الناس فهم هذه الكلمات، لذلك أعلن - في الوقت الذي صبّ جام غضبه على الخطية - أنه وديع ويقبل الخطاة بل يدعوهم قائلاً: "تعالوا إليّ... وأنا أريحكم"، فأنا قد جئت لأجلكم، أنا أكره خطيتكم لكني أبحث عنكم وأحبكم.
وثمة سبب آخر لقوله "احملوا نيري عليكم وتعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب"، هو لأنه يطالبنا أن نحمل الصليب، أن نحمل النير... ولكي نحمله بغير ألم ينبغي أن نكون نحن ودعاء.
حين يضعون نير المحراث على حيوانين – وحين يكون الحيوان صغيراً ولم يروّض بعد على حمل النير، يوضع الجزء الثقيل منه على الحيوان الكبير المتمرّس.
والمسيح حين يطالبنا أن نحمل نيره، يعدنا بأن يحمل أثقالنا عنا... يحمل النير عنا... ويحمل الصليب عنا، ولكنه يدعونا أن نشارك في حمل النير، وهو لا يريدنا أن نتألّم، لذلك يطالبنا أن نكون ودعاء وأن نطيعه حيث يقودنا، ولكي نفعل ذلك يقول: "تعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب"، ينبغي أن تكونوا مثلي.
تعال إليه يا من تعبت من ثقل خطيتك... تعال إليه يا من أتعبك ثقل آلامك ومشاكلك الاقتصادية والعائلية. تعال إليه فهو حمل أوجاعنا وأمراضنا في جسده، وهو وحده الذي يريح التعابى والثقيلي الأحمال.
أنا من فوق
قال يسوع في (يوحنا 23:8) "أنتم من أسفل. أما أنا فمن فوق". ليس التواضع أن تنكر ما لديك من إمكانيات وصفات... ليس التواضع أن يكون المسيح هو الله وينكر ذلك... ليس التواضع هو تصنّع الوداعة.... لكن التواضع هو أن ترجع إلى الله.
"قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: أَنَا أَمْضِي وَسَتَطْلُبُونَنِي، وَتَمُوتُونَ فِي خَطِيَّتِكُمْ. حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا. فَقَالَ الْيَهُودُ: أَلَعَلَّهُ يَقْتُلُ نَفْسَهُ" (يوحنا 21:8-22)، والمسيح هنا يتحدث عن الفجوة الروحية التي بينه وبينهم. وكان اعتقادهم: إن كنا لا نستطيع أن نصل إليك فما ذلك إلا لأننا لا نستطيع أن نذهب للجحيم... أنت تنتحر وتذهب إلى الجحيم، لكننا أعظم من أن نذهب إلى الجحيم. إن كنت تقول إننا لم نستطع أن نصل إليك فالسبب في ذلك أننا من فوق وأنت ستذهب إلى الجحيم حين تنتحر، ولكن المسيح قال لهم: "أنتم من أسفل. أما أن فمن فوق"، أنتم من هذا العالم، أنتم أرضيون، أنا من فوق، من السماء، من المجد... أنا الله الذي ظهر في الجسد!! وبعد ذلك قال لهم: "إن لم تؤمنوا أني أنا هو تموتون في خطاياكم"، إن لم تؤمنوا أني أنا الله تموتون في خطاياكم.
ثم قالو له: من أنت؟ فقال لهم يسوع: أنا من البدء ما أُكلّمكم أيضاً به" (يوحنا 29:8).
التفسير الأول: "أنا"، ما تعلنه تعاليمي. لقد سبق أن علمتكم وقلت لكم: أنا هو خبز الحياة... أنا هو نور العالم... أنا هو كلمة الله... تعاليمي تعلن حقيقتي.
التفسير الثاني: ”أنا من البدء“، وهي ذات الكلمة أنا الله الذي ظهر في الجسد. قد يكون المعنى الأول هو الأقرب في هذا المقام ولكن المعنى الثاني هو صحيح.
إذاً، ما الذي أتى بك يا سيد إلى هذا العالم؟ أنت من فوق!
يقول الكتاب: من أجلك أخلى نفسه... الغني افتقر من أجلنا نحن الفقراء، "الذي لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس" (فيلبي 6:2). في البدء كان الكلمة... الذي من فوق جاء إلى الأرض... العظيم أعلن أنه متواضع ووديع القلب من أجلك لكي يحمل خطيتك... لكي يغفر لك آثامك... لكي يحررك ويعطيك تبريراً وحياة جديدة. هو أخلى نفسه من أجلك "الذي أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا". فلنستجب لدعوته "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متى 28:11). لنأتِ إليه بالرغم من كل العوائق والمعوّقات. لنأتِ إليه بالإيمان، بثقة واطمئنان فنجد فيه الراحة ونجد فيه الأمان والطمأنينة.