Voice of Preaching the Gospel

vopg

شباط February 2010

أرجو أن نتأمل في شخصية برنابا الذي لُقِّب من الكنيسة بابن الوعظ، بمعنى ابن التعزية.
ولم يكن هذا اسم برنابا الأصلي، فقد كان اسمه الحقيقي يوسف. لكن الكنيسة

إذ رأت في برنابا صفات التشجيع للآخرين والتعزية والوقوف مع المحتاجين لقّبته بابن الوعظ... ابن التعزية، وأصبح برنابا يُعرف في جميع الأوساط المسيحية ليس باسمه الأصلي "يوسف" لكن بلقبه الجديد "برنابا" ومعناه ابن الوعظ.
وبرنابا، كما يقول الكتاب، من قبرص، وكان على درجة من الغنى. فقد كان يمتلك حقلاً باعه ووضع ثمنه عند أرجل التلاميذ.
 ونحن نذكر أن في الكتاب المقدس أشخاصاً كثيرين تغيّرت أسماؤهم، فأبرام تغيّر اسمه إلى إبراهيم لأن الله رأى أنه سوف يكون أباً لأمة كبيرة. ويعقوب بعد أن تصارع مع الرب في منتصف الليل، تغيّر اسمه من يعقوب الذي يتعقّب أخاه إلى إسرائيل أمير الله. نذكر أيضاً أن المسيح غيّر اسم سمعان، الشخص الذي بلا رأي ولا شخصية، وجعله بطرس الذي تفسيره صخر. وهنا نرى أن الكنيسة تستبدل اسم يوسف باسم برنابا ومعناه ابن الوعظ أو ابن التعزية.
دعونا نتلمّس السبب الذي من أجله تغيّر هذا الاسم. ترى، هل كانت الكنيسة على حق حين وصفت هذا الرجل بأنه ابن الوعظ؟ هل نستطيع أن نرى في حياته ما يرينا حقاً أن الرجل كان معزياً، مشجعاً، ومشدّداً للضعفاء؟
مع شاول الطرسوسي
نبدأ أولاً بموقف برنابا مع شاول الطرسوسي. وهو موقف يرينا حنان برنابا، وأنه يستحق فعلاً أن يسمّى ابن الوعظ.
التقى شاول بالمسيح في طريقه إلى دمشق وتغيّرت حياته تغييراً كاملاً داخل دمشق. وابتدأ شاول ينادي بالكلمة، وكادوا أن يقتلوه هناك، فخرج من دمشق عائداً إلى أورشليم. ولعلّه كان يتساءل في الطريق: تُرى، كيف ستستقبلني الكنيسة في أورشليم؟ ترى كيف يستقبلون إنساناً كان منذ أيام مضطهداً لهم، مجدّفاً على سيدهم، راضياً بقتل أول شهيد لهم؟ لكن، لعل شاول كان يطرد هذه الأفكار من ذهنه قائلاً: إن كانوا قد أحسنوا استقبالي في دمشق، وإن كان الله قد أوجد لي في دمشق حنانيا، فلا شك أنهم سوف يحسنون استقبالي في أورشليم. لكنه فوجئ حين دخل أورشليم أن الأبواب كانت مغلقة أمامه، وأن التلاميذ كانوا في خوف منه "غير مصدقين أنه تلميذ". وهنا ظهر برنابا الذي أحضر شاول إلى الرسل وحدّثهم كيف أبصر الرب في الطريق وكلّمه، وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع. أي إن الذي وقف إلى جانب شاول في تلك المحنة هو برنابا.
فنستطيع أن نقول من الوجهة البشرية أنه لولا برنابا لما كان بولس الرسول، ولولا برنابا لفقد بولس الرسول مكانته في الكنيسة... لم يكن ليفقد مكانته في المسيح، ولكن لعله كان سيفقد مكانته بين التلاميذ، لعل الأبواب كانت ستظلّ مغلقة في وجهه، وما كان من الممكن أن شاول ينادي بالكلمة في العالم كله لولا برنابا.
أيها الإخوة، ما أحوج الكنيسة إلى برنابا... إلى ابن الوعظ... إلى ابن التشجيع والتعزية، الذي يقف مع الإنسان في محنته، الذي يقف مع الضعيف في ضعفه، الذي يقدم إنساناً إلى غيره. إننا اليوم حين نقرأ الكتاب المقدس لا نتصوّر برنابا في ذات العظمة التي نتصورها لبولس الرسول... أنت حين تنظر إلى جبل عالٍ قد تراه عالياً جداً، لكن إن نظرت إلى ذات الجبل، إلى جانب قمم أعلى منه وأكثر ارتفاعاً منه، فإن الجبل الأول الذي كان عالياً في نظرك يتضاءل أمام القمم الأكثر علواً!
ارتبط اسم برنابا ببولس الرسول. ومن ذا الذي يمكن أن يبدو عظيماً أمام هذا الجبل العظيم بولس الرسول؟ برنابا عظيم في ذاته، لكن نراه صغيراً إلى جانب بولس، ولذلك فإننا لا نتصوّره عظيماً. لكن الحقيقة، إن برنابا هو الرجل العظيم الذي دفع ببولس الرسول إلى الأمام، بل إن برنابا كان يقول ما قاله يوحنا المعمدان عن المسيح: ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنا أنقص". ما أحوج الكنيسة إلى مثل هذا الإنسان، الإنسان الذي لا يحاول أن يدفع بنفسه إلى الأمام لكن يحاول أن يدفع بالآخرين إلى الأمام.
مع كنيسة أنطاكية
ثم نرى برنابا في موقف آخر نلمس فيه ذات الصفات التي لمسناها في موقفه مع بولس الرسول. نرى موقفه مع الكنيسة في أنطاكية.
الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حدث بسبب موت استفانوس اجتازوا مبشرين بالكلمة في بقاع خارج أورشليم. وظنّ الناس أن الكنيسة تشتتت وتاهت وضاعت. لكن الروح القدس كان يعمل ويرتّب ويُخرج من الشر خيراً، ومن الاضطهاد تبشيراً، وإذ بالكنيسة التي كانت محصورة داخل أورشليم بسبب هذا الاضطهاد قد غزت العالم كله. وذهب هؤلاء إلى فنيقية وقبرص وأنطاكية، وهم لا يكلمون أحداً بالكلمة إلا اليهود فقط. ولكن كان منهم قوم، وهم رجال قبرصيون وقيروانيون، الذي لما دخلوا أنطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين مبشرين بالرب يسوع.
إن المسيحيين الذي جالوا مبشرين بالكلمة خارج أورشليم، كانوا بالرغم من خروجهم من عاصمة اليهودية – أورشليم – لم تخرج اليهودية بعد من قلوبهم، وكانوا يتصوّرون أن المسيحية وقف على الذين وُلدوا يهوداً، وأن المسيحي قبل أن يصير مسيحياً ينبغي أن يكون يهودياً أولاً، إلا أن بعضهم كان يحدّث اليونانيين عن المسيح في أنطاكية، وكانت يد الرب معهم، فآمن عدد كبير ورجعوا إلى الرب، فسمعت الكنيسة في أورشليم الخبر، فأرسلوا واحداً منهم لكي يتعرف إلى الموقف، لكي يكتشف الحقيقة، لأنهم لم يصدقوا أن الذين كانوا يعبدون الأوثان بالأمس يعبدون الله الحي الحقيقي اليوم، لا بدّ أن في الأمر خدعة!
فمن هو الذي اختاروه ليذهب لأنطاكية؟
كانت الكنيسة موفّقة كل التوفيق بإرشاد روح الله أن اختارت برنابا. ولو أن إنساناً آخر غير برنابا – غير ابن الوعظ، المشدِّد والمشجّع – لتسرّع وقال: "لست أعتقد أن هذه نهضة حقيقية، إن هناك انفعالاً عاطفياً شديداً سوف يخمد بعد قليل. إن كثيرين يندفعون إلى الإيمان تقليداً للآخرين". لكن برنابا لم يفعل ذلك. يقول الكتاب: "الذي لما أتى ورأى نعمة الله، فرح ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب، لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان". إيمانه هذا هو الذي جعله يصدق أن شاول يمكن أن يصبح بولس الرسول... وإيمانه هذا هو الذي جعله يقف بجانب اليونانيين الوثنيين. كان ممتلئاً بإيمان أكبر من بطرس ويعقوب ويوحنا، هؤلاء لم يصدقوا أن شاول يمكن أن يصبح قديساً، ولم يصدقوا أن اليونانيين يمكن أن يتحوّلوا إلى قديسين، لكن برنابا صدّق أن المسيح يمكن أن ينقل إنساناً من الموت إلى الحياة، من الظلمة إلى النور، وأن يغيّر طبيعته الشريرة  ويعطيه طبيعته الإلهية.
لقد كانت مرحلة حرجة وخطيرة جداً في حياة الكنيسة المسيحية التي تقرر فيها إما أن تبقى المسيحية محصورة داخل اليهودية، أو أنها تخرج إلى الأمم، وكان برنابا هو الجسر الذي عبرت عليه المسيحية إلى العالم كله. كان برنابا هو الذي وقف بجانب الكنيسة الأممية في أنطاكية. إنه ابن الوعظ، ابن التعزية الذي يشدّد ويشجّع ويقف مع الضعفاء.
مع بولس الرسول
ثم ننتقل إلى موقف ثالث لبرنابا، يعود فيه ثانية إلى بولس الرسول. اكتشف برنابا أنه وحده لا يستطيع أن يقوم بالعمل في أنطاكية، ليثبّت الكنيسة بين الأمم، فأخذ يفكّر في نفسه: من يا تُرى أستدعيه لكي يخدم معي؟ ولعلّه استرجع في ذاكرته أسماء التلاميذ جميعاً، لكنه في النهاية قرر أن الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يقوم بهذا العمل هو بولس الرسول. ويقول الكتاب: "ثم خرج برنابا إلى طرسوس ليطلب شاول، ولما وجده جاء به إلى أنطاكية، فحدث أنهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلّما جمعاً غفيراً. ودُعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولاً. نعم، قبلت الكنيسة في أورشليم بولس الرسول، لكنه انزوى في طرسوس. وكان من الممكن أن يصبح نسياً منسياً، وأن يبقى في طرسوس لولا برنابا، الذي كان يعرف ما لبولس من المواهب والاختبار الحقيقي مع المسيح، الذي يمكن أن يجعله خادماً... لذلك ينبغي أن يخرج إليه إلى طرسوس... لم يرسل إليه رسولاً وإنما ذهب بنفسه إلى طرسوس وقال لبولس: "ليس هذا مكانك. لا ينبغي أن تنزوي هنا. وجدت لك المكان الذي ينبغي أن تعمل فيه". وجاء به ليعمل معه في أنطاكية.
وبدأت صورة برنابا تبهت وتختفي، وصورة بولس الرسول تزداد وضوحاً أمام الكنيسة وأمام العالم. هذا هو برنابا الذي لا يحاول أن يظهر وأن يخفي الآخرين، لكنه يحاول أن يُظهر الآخرين وأن يختفي هو، خدمة للمسيح! وإن كانت خدمة المسيح تتطلب أن يختفي هو وأن يظهر بولس فليظهر بولس، وليكن هو الشخص الذي دفع ببولس إلى الأمام! فلولا برنابا مرة أخرى ما نادى بولس بالبشارة في العالم كله.
مع يوحنا مرقس
ثم نقرأ عن برنابا في موقف رابع يرينا ذات الصفات.. نقرأ عنه وقد خرج مع بولس في رحلتهما التبشيرية الأولى وكان معهما مرقس – ابن اخت برنابا. وفي منتصف الطريق لم يستطع مرقس أن يكمل الرحلة فتوقّف ورجع، واستمرّ بولس وبرنابا في الرحلة معاً. ولما انتهت الرحلة بدأ الاثنان يفكران في رحلة ثانية. قال برنابا: "نأتي بمرقس معنا". وقال بولس: "لا ينبغي أن نأخذ الذي تركنا وهرب من ميدان الخدمة". واختلف بولس مع برنابا بسبب مرقس، لدرجة أنهما انفصلا مع أنهما كانا ألصق من الأخين. ترك بولس برنابا وخرج في رحلته مبشراً بالكلمة.
من المؤسف أن مثل هذا الاختلاف في الرأي قد حدث، لكنه يرينا طبيعة بولس وطبيعة برنابا. لقد كان الاثنان على حق وعلى خطأ في وقت معاً. لقد كان بولس محقاً – وكان بولس من الشخصيات التي تؤمن ولا تهادن في الإيمان. كانت هذه وجهة نظر بولس. ولكن من جانب آخر نستطيع أن نرى أن برنابا كان على حق. هو الذي أعطى شاول فرصة ثانية، ولذلك ينبغي أن يعطي مرقس فرصة ثانية. وكان ينبغي على بولس أن يتذكر أنه لولا الفرصة الثانية التي أعطاها له برنابا ما كان قد وصل إلى ما وصل إليه، وكان ينبغي ان يعطي مرقس فرصة ثانية. أما برنابا ابن الوعظ الذي يقف مع الضعيف، فقد ساند مرقس، واعترف بولس الرسول في نهاية حياته أن مرقس حين أُعطي الفرصة الثانية أثبت أنه جدير بها وأنه نافع للخدمة ونافع لبولس نفسه.
مرة أخرى نجد برنابا يقف مع الإنسان في المحنة... يقف مع الذي سقط ليقيمه، لذلك سُمّي بحق ابن الوعظ، ابن التشجيع.. وابن التعزية.
ما أحوجنا أن نكون كبرنابا الذي يحب ولا يفشل في محبته. الذي يدفع بالآخرين إلى الأمام لمجد المسيح، ولا يحاول أن يدفع بنفسه إلى الأمام لمجد نفسه، الذي يؤمن فعلاً وحقاً أن المسيح بنعمته يستطيع أن يخرج من المجدلية قديسة، ومن اللص على الصليب أول الداخلين إلى الفردوس، ويجعل أشرّ الخطاة أقدس القديسين. نحتاج أن نؤمن بفعالية نعمة المسيح في الحياة، ونحتاج أن نرى الجانب المضيء في الآخرين وأن نقف معهم حتى يقوموا من سقطتهم. دعونا نمتلئ بالروح القدس وبالإيمان اللذين إذا امتلأ بهما برنابا صار حقاً وفعلاً ابن الوعظ... ابن التعزية.

المجموعة: 201002

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

73 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10553703