نيسان April 2010
يعدّ مفهوم قيامة الأموات ثاني المعجزات بعد التجسد الإلهي والولادة العذراوية. إنه بعث روحي، وانبثاق جديد للحياة الروحية وإحياء للشخصية من نوع جديد. إنها فلسفة الخلود التي تعمقت في الكيان البشري وتجسمت في الفكر والعقيدة والأديان على مر العصور.
أولاً: القيامة في الطبيعة
إن الطبيعة تعلمنا درساً عن القيامة عندما يذبل كل أخضر، وتتساقط أوراق الشجر، فتتبدّل ألوان الأجواء المحيطة، وتصبح بلون برتقالي مائل للحمرة أو الاصفرار. إنه الخريف بصورته الكئيبة والرتيبة بل ومرحلة ركود إنتقالية تعلن نهاية جمال وحيوية فصل مفعم بالحياة. لتعلن بداية فصل يرى الجمال في المرج والإثمار، في الحقول والمزج بين المظاهر الطبيعية والخيال المبدع. إنها القيامة في العالم الطبيعي. إنه يوم "تَفْرَحُ الْبَرِّيَّةُ وَالأَرْضُ الْيَابِسَةُ، وَيَبْتَهِجُ الْقَفْرُ وَيُزْهِرُ كَالنَّرْجِسِ. يُزْهِرُ إِزْهَارًا وَيَبْتَهِجُ ابْتِهَاجًا وَيُرَنِّمُ" (إشعياء 1:35). إنه الربيع أكثر الأوقات بهجة وإشراقاً على الحياة. وهنا تذكرت كلمات بولس الرسول: "فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ! وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ، وَنُوجَدُ نَحْنُ أَيْضًا شُهُودَ زُورٍ للهِ... وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ! إِذًا الَّذِينَ رَقَدُوا فِي الْمَسِيحِ أَيْضًا هَلَكُوا! إِنْ كَانَ لَنَا فِي هذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ فِي الْمَسِيحِ، فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ. وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ" (1كورنثوس 13:15-20).
ثانيًا: القيامة في العقيدة
لم تتّفق كل الفلسفات والأديان على تفاصيل القيامة، لكنها حتى الوثنية منها أقرّت بقيامة الأجساد وعودة الأرواح. وسأتناول على سبيل المثال ما جاء في الفكر اليهودي حيث أمر الله شعبه بأن يأخذ هارون تيسين من المعز لذبيحة الخطية ويأتي بهما الى خيمة الاجتماع (لاويين 15:16-22، عدد 16:7)، ولكن ليس ليُذبحا بل بموجب فريضة خاصة تعين أن يؤخذ بالقرعة، أي بالمشورة الإلهية، الواحد ليقرّب للرب ذبيحة خطيئة والآخر يوقف حياً أمام الرب حيث يضع هرون كلتا يديه على رأسه ويقرّ عليه بكل ذنوب بني إسرائيل وكل سيئاتهم وأخيراً يرسل إلى البرية. وهذان الرمزان يمثلان كفارة المسيح لخطايا البشر. وهذا هو نفس الإجراء المتّخذ في فرخ اليمام أو الحمام (لاويين 14:1، 7:5، 8:16-26، لوقا 24:2). إذ يذبح الواحد ويترك الآخر؛ الأول يشير إلى الترضية الكاملة التي وفت العدالة الإلهية حقها في رفع الإثم، والثاني حمل الخطايا إلى أرض النسيان. الأول يُحمل دمه إلى داخل الحجاب إشارة إلى وقوف المسيح بدمه فداء عن البشر، وكان لحمه يُحرق خارج المحلة، والمسيح تألّم خارج الباب "فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ" (عبرانيين 12:13). أما التيس الثاني فيضع رئيس الكهنة كلتا يديه على رأسه مكرساً إياه لخدمة أخرى، "والرب وضع عليه (على المسيح) إثم جميعنا"، لذلك "حمل (المسيح) أحزاننا وأوجاعنا تحملها، تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا". ثم يُرسل إلى البرية. إنه إشارة إلى القيامة، الموت والقيامة. ولقد أنشد المغني قوله: سوف أعرف حبيبي بالجروح التي في يديه (رؤيا 12:5، 7:1-8).
وهذا يأتي بنا الى واقعة الذِّبح العظيم لابن إبراهيم (تكوين 22)، حيث قدّم إبراهيم إسحاق نبوءة عن المسيح في موته وقيامته. وهذا يؤكد أن الأديان لا تقر بالذبيحة البشرية "لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ" (رومية 4:15). شاهد إسحاق تحت حكم الموت، ثم فداه الله بذبح عظيمٍ، ثم قيامته من بعد ممات. أليس هذا ما يتمثل في المعمودية؟ "فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ" (رومية 4:6).
ثالثًا: القيامة الجديدة
أقام الأنبياء الكثير من الموتى سواء في العهد القديم أو العهد الجديد. ولنأخذ أمثلة من العهد القديم. فقد استخدم الله النبي إيليا في إقامة ابن أرملة صرفة صيدون (1ملوك 17:17-40)، وأقام النبي إليشع ابن إمرأة عظيمة في شونم (2ملوك 4، 5:8-37)، وأقام الله ميتاً حين مسّ عظـام النبي إليشـع (2ملوك 20:13-22). وأشار المسيح الى حادثة يونان النبي عن القيامة كبرهان على قيامة الأموات قائلاً: "لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال… لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ آيَةً لأَهْلِ نِينَوَى، كَذلِكَ يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا لِهذَا الْجِيلِ" (متى 40:12، لوقا 30:11).
وأقام المسيح والرسل بعض الموتى منهم لعازر (يوحنا 11)، وابن أرملة نايين في لوقا 14:7-17، وابنة يايرس في مرقس 35:5-43، وآخرين عند قيامته في متى 51:27-53 "وَإِذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. وَالأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ، وَالْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ وَخَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ، وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ".
نعم! لقد نطق المسيح بصدق قائلاً: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا" (يوحنا 25:11).
عبّر أيوب عن هذا الاختبار في قوله: "أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ، وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ، وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ. الَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي، وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي" (أيوب 27:19-28).
وما رأيك في القيامة الروحية؟ إن الذين لمستهم القيامة المعجزية، قاموا لفترة حياتية وجيزة في هذا العالم، لكن "كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ (أي قبلوا المسيح) فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ"
(يوحنا 12:1). إنه يتم بحلول الروح القدس والتغير المعجزي من اليأس الى الرجاء، ومن الخوف الى الثقة والإطمئنان. فهل تمتعت بقبوله وخلاصه؟ أهنئك لأنك ستتمتع أيضا بالقيامة الجديدة. إن القيامة تتضمّن قيامة الأجساد وتغييرها وبقائها الى الأبد في صورة إبداعية إلهية خارقة.
رابعًا: القيامة العتيدة
إن قيامة المسيح هي برهان ألوهيته، ومصدر الاختبار المسيحي، وضمان قيامة المؤمنين، وأحد دعائم الكرازة بالإنجيل، وبعد القيامة "لا يزوِّجون ولا يتزوَّجون"
(متى 23:22-33). فالقيامة الأولى هي قيامة المؤمنين، ويعبر عنها برجاء الحياة الآتية، وتشير الى قيامة أجساد الشهداء أو انتقال أرواح المؤمنين الى السماء (رؤيا 5:20). إنها تأكيد لعدم الفناء إذ يقومون في مجد وقوة (1كورنثوس 42:15-43)، "سيغير شكل جسد تواضعنا" الى شبه جسد المسيح المجيد. إنها إحدى المعجزات الممكنة في عالم يسود عليه الله، وأحد أعماله الخارقة التي تؤيد صلاحه. وهناك قيامة الأشرار عند الدينونة وهي القيامة الأخيرة "وَلِي رَجَاءٌ بِاللهِ فِي مَا هُمْ أَيْضًا يَنْتَظِرُونَهُ: أَنَّهُ سَوْفَ تَكُونُ قِيَامَةٌ لِلأَمْوَاتِ، الأَبْرَارِ وَالأَثَمَةِ" (أعمال 15:24، رؤيا 12:20-13).
يقول التقليد أنه اقترب اثنان من الربيين الى أورشليم فلاحظا ثعلباً على أسوار صهيون. فبكى الربي يشوع، أما الربي العازر فضحك! سأل الضاحك أخاه الباكي لأي سبب تبكي؟ فأجابه: لأني رأيت ما كتب في مراثي إرميا "من أجل جبل صهيون الخرب، الثعالب ماشية فيه"، ولكن لماذا تضحك أنت؟ فأجابه الآخر: لأني رأيت الله قد تمم تهديداته بالحرف، إن مواعيده لا تخيب. لذلك إن كان الفصح يشير الى الجمعة الحزينة فإن الأحد يرمز الى أنوار القيامة.
إن "الله روح" جوهر غير منظور وحقيقة ثابتة لا تتغير، لكنه يمنح الناس أن يروه بطرق وكيفيات مختلفة، فيرون ظلّ مجده وحضوره بصورة منظورة. فأي من الفريقين أنت عندما يحين يوم القيامة المجيدة؟ وهنا وجدت نفسي تهتف بكل فرح وابتهاج مع من أنشد قديماً:
فلا الدجى يرعبني ولا العـدى تغلبني
ولست أرهب الردى إذ كنت أنت المرشدا
يا موت أين شوكتك يا قبر أين صولتك
قد نلت تاج الظافـر لأن ربـي ناصري
إن جزت في وادي البكا أراه مأنوساً بك
ففي مماتي والحياة إني نذير للإله
فامكث معي يا سيدي
فامكث معي يا سيدي