آب Agust 2010
كم نفتقر في هذه الايام الى المحبة والغيرة اللتين كانتا لبولس من جهة النفوس الهالكة. لقد اقتفى هذا الرسول العظيم خطوات سيده متمماً القصد الذي من اجله قَدِم المسيح ألا وهو خلاص النفوس، النفوس البشرية الخالدة. وهو، من يوم وضع يده على المحراث نراه يتنقل من مكان الى مكان حاملاً بشرى الخلاص السارة الى جميع بني البشر. حتى إنه وصل بالانجيل، الذي تكرس لنشره، الى الطرف الآخر من
البحر الابيض المتوسط ماراً بأوروبا وبلدانها المتاخمة للبحر، وخاصة بلاد اليونان ، وإحدى مدنها الرئيسية تسالونيكي التي - إلى جماعة الإيمان فيها - كتب الرسالة التي نعالج إحدى آياتها اللامعات في هذه العجالة.
من الواضح أن الرسول كان في غاية القلق على المؤمنين في تسالونيكي، الأمر الذي جعله لا يحتمل انقطاع أخبارهم فكتب هذه الكلمات المعبّرة: "إذ لم أحتمل أيضاً أرسلت لكي أعرف إيمانكم". ومن هنا نتوسع في عناصر القلق الذي ألمّ ببولس:
العنصر الاول: قلقه على ايمانهم
لم يكن الرسول يهتم بنشر أخبار الإنجيل بغية اختزانها في الذاكرة فقط، بل كان مهتما بما ينتج عن خبر الإنجيل من إيمان حي اختباري في حياة السامعين. لقد آمن عدد لا بأس به في تسالونيكي، وبسبب الاضطهاد مضى الرسول إلى أثينا، ولكنه كان منشغل البال وقلقاً على المؤمنين الأحداث، وهذا ما دفعه لإرسال تيموثاوس لكي يعظهم ويثبّتهم في الايمان. وكم نحتاج نحن إلى هذا القلق، قلق المحبة على النفوس التي بشرناها فنعود لزيارتها مرة ومرات لكي نفتقد إيمانها ونشجعها على الثبات في الرب.
العنصر الثاني: قلقه من المجرّب
إن عبارة "لعلّ المجرب يكون قد جرّبكم" تظهر أن المؤمنين كانوا مقاوَمين مباشرة من الشيطان. وهذا سبب آخر لقلق بولس عليهم. وله حق في ذلك إذ أن الإنسان حالما ينتقل من ملكوت الظلمة إلى ملكوت النور يهبّ الشيطان مجنّدا كل القوى الجهنمية لإرجاع النفس المنفلتة من فخه اليه. أما بولس فكان قد تعوّد المصارعة مع الأرواح الشريرة، فقد كان يعرف تماماً أن الذين يضطهدون الكنيسة في تسالونيكي ليسوا لحماً ودماً، ولكنهم أجناد الشر الروحية المبثوثة والتي تطغي على أفكار المضادين. لهذا كان بولس يحارب ويصارع ضد الشياطين مجاهداً لكي لا يعطوا فرصة ليجربوا المؤمنين فيرجعوا عن إيمانهم. وفي هذا ربح المعركة أيضا، أذ تقول الآية التالية ان تيموثاوس رجع وبشره بإيمان التسالونيكيين ومحبتهم فتعزى الرسول في ضيقته وضرورته .
أما من جهتنا فلنلقِِ حصاراً من الصلوات حول الذين نبشرهم لكي يحرسهم الرب من مكايد الشيطان الذي يحاول جاهداً إرجاع النفوس إلى سيرتها السالفة. ولنا وعد بانتصار كامل ضد الشيطان لاننا إسم الرب نذكر .
العنصر الثالث: قلقه على تعبه
هذا واضح من القسم الثالث من الآية: "فيصير تعبنا باطلاً"، أي بلا ثمر أو بغير نتيجة. ان بولس ككل إنسان، كان ينتظر مكافأة على تعبه. ولكن ليس مكافأة مادية أو زمنية، بل مكافأة روحية نبيلة سامية. وأعظم مكافأة في حساب بولس هي رؤية النفوس المخلصة بواسطة خدمته معه في السماء عندما يجتمع بها في حضرة المسيح في ذلك اليوم. وأعظم كارثة يمكن أن تحل بالرسول هي سماعه أن الذين بشرهم رجعوا إلى العالم. أليس هذا ما يعنيه عندما قال: "لأننا الآن نعيش إن ثبتم أنتم في الرب". فكأني بالرسول يساوي بين موته وارتدادهم وبين حياته وثباتهم لأن إن هم ارتدّوا خسر كل شيء. "لأن من هو رجاؤنا وفرحنا وإكليل افتخارنا أمام ربنا يسوع المسيح في مجيئه؟ ألستم أنتم؟ لأنكم أنتم مجدنا وفرحنا" (1تسالونيكي 1 :19 و20). او كما يكتب إلى أهل فيلبي "إذاً يا إخوتي الأحباء والمشتاق إليهم يا سروري وإكليلي اثبتوا هكذا في الرب" (فيلبي 1:4).
فيا ليتنا ندرك أن أفضل ما نعمله للرب في هذه الحياة هو ربح النفوس الثمينة له. هذا هو الذهب والفضة والحجارة الكريمة التي تبقى في ذلك اليوم، وكل ما عداه باطل. وليعطنا الرب قلق المحبة، فنكون كالرسول بولس في غيرته لأجل الهالكين.