تشرين الأول Oct 2010
“أين ذهب حبيبك أيتها الجميلة بين النساء؟ أين توجه حبيبك فنطلبه معك؟” (نشيد 1:6).
هذا سؤال سألته “بنات أورشليم” من عروس النشيد، ونحن نعلم أن “كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهبًا لكل عملٍ صالح” (2تيموثاوس 16:3). وسوف نجد دروسًا ثمينة ونافعة في هذا الفصل الجميل من نشيد الأنشاد 8:5-1:6.
إذ سمعت بنات أورشليم العروس تحلّفهن بأن يخبرنها إذا رأين حبيبها، قلن لها: “ما حبيبكِ من حبيب أيتها الجميلة بين النساء؟ ما حبيبك من حبيب حتى تحلّفينا هكذا”. فما كان منها إلا أن أفاضت في وصفها لحبيبها. وإذ سمعن ذلك سألنها: “أين ذهب حبيبك أيتها الجميلة بين النساء؟ أين توجه حبيبك فنطلبه معك؟” من هذا نرى أن ما أثار الرغبة في الآخرين لمقابلة هذا الحبيب هو:
أولاً، إن العروس كانت فريدة في جمالها فهي "الجميلة بين النساء"
هذا الكلام له معنى روحي. فالدرس لنا هو بخصوص الجمال الروحي، الجمال الأدبي في عالم يتصف بالصفات القبيحة. إننا لن نسبب رغبة في الآخرين لمعرفة حبيبنا المجيد يسوع المسيح إن كانوا لا يرون فينا الصفات اللائقة باتباع يسوع المسيح.. لم تكن العروس جميلة مثل نساء أخريات، بل كانت الجميلة بين النساء، أي فريدة في جمالها. فهناك كثيرون يتصفون ببعض الصفات الجميلة. هناك من هم محسنون ومؤدبون، وأما جمال المؤمن الحقيقي فيجب أن يكون من نوع فريد، مثلما علمنا المسيح في الموعظة على الجبل: “أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم” (متى 44:5). وكما نصح بولس الرسول المؤمنين في كولوسي 12:3-15 "فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفًا وتواضعًا ووداعة وطول أناة... وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال.. وكونوا شاكرين". فالجمال الخلقي المصحوب بالوداعة والتواضع لا بد أن يؤثر في الكثيرين. وهو الذي وصفه الرسول بطرس بالقول: "زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن" (1بطرس 4:3). إن ما جاء في سفر نشيد الأنشاد هو رموز لحقائق روحية، وإلا فما كان له مكان في كلام الله. فهو ليس مجرد قصة غرامية كما يزعم البعض حتى بين المؤمنين. فأي عروس تريد أن يشترك معها كثيرون في علاقتها مع حبيبها؟! إن عريس النشيد هو الرب يسوع المسيح. ومن يحب المسيح يفرح بأن يقود آخرين لمعرفته والتمتّع بمحبته.
قد غلبتها هذه المحبة حتى قالت "إني مريضة حبًا" وهذا هو الحب الصحيح.
ثانيًا: وصف العروس لعريسها
مما أثار الرغبة الشديدة عند بنات أورشليم لأن يتبعوا العروس في البحث عن حبيبها، هو وصفها لهذا الحبيب الفريد. لقد أردن أن يعرفن ما تميز به حبيبها. فأجابتهم في الحال وبدون تردد بوصفها لحبيبها، الذي يدل على معرفتها الشخصية له، معرفة عميقة جعلتها تحبه وتتعلق به.
أيها القارئ العزيز، وأيتها القارئة العزيزة، يا ترى ماذا يكون جوابكم إذا سُئلتم فجأة عما أعجبكم في هذا الشخص الفريد، يسوع المسيح. إن جواب العروس دليل على عمق معرفتها به، ولا عجب، فهي التي قالت: "تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي" (نشيد 3:2). وهذا عبّر عنه كاتب الترنيمة بالقول:
في ظلّ حبيبي اشتهيت الجلوس
وإليــه حـــنّ الفــؤاد
إن جمال هذه العروس كان نتيجة ذلك. فهي أطالت الجلوس في ظلّه، وذاقت حلاوته وانطبعت صفاته عليها فصارت "الجميلة بين النساء". لم تكن معرفتها به معرفة سطحية أو مجرد معلومات ذهنية، بل نتيجة اختبارات شخصية. ليت هذا ينطبق علينا جميعًا.
إن أول ما قالته عن حبيبها هو "حبيبي أبيض وأحمر، ومُعلم بين ربوة".
أول صفة يتصف بها حبيبها، عريسها وعريسنا، هي أنه "أبيض". وبكل تأكيد ليس المقصود هو لون الجلد، فليس هناك إنسان لونه أبيض كالملاءة البيضاء، أو كالثلج أو الصوف النقي. ولكن الروح القدس في الكتاب المقدس يستخدم اللون الأبيض ليعبر عن الطهارة الكاملة والنقاوة التي لا يشوبها شيء. فمثلاً في إشعياء 18:1 يقول: "هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضّ كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف". إذًا أول شيء تصف به العريس هو أنه القدوس البار، هو الكامل الصفات. فيسوع المسيح هو الوحيد الذي يشهد له الروح القدس أنه "لم يفعل خطية" (1بطرس 22:3)، وأنه "لم يعرف خطية" (2كورنثوس 21:5)، وأنه "ليس فيه خطية" (1يوحنا 5:3). كل كلمة نطق بها نقية... وكل فكر من أفكاره مقدسة. رأى إشعياء لمحة من قداسته في إشعياء 6، وسمع السرافيم "هذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض" (إشعياء 3:6). ويخبرنا الرسول يوحنا أن إشعياء كتب عن هذا حين رأى مجد يسوع وتكلم عنه (يوحنا 41:12). وهذا كلام لا ينطبق على أي قديس من القديسين. قداسة رجال الله قداسة مكتسبة وليست كاملة لأنه ليس هناك إنسان لم يخطئ. ولا يسعنا المجال أن نذكر أخطاء رجال الله، فهي مدونة لنا في الكتاب المقدس.
ولكن هذا القدوس البار هو أيضًا الذي سفك دمه لأجلنا، وهنا نرى اللون الأحمر. هو "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته" (أفسس 7:1). هو الذي حمل في جسده قصاص خطايانا، لكي يجعلنا نحن الأثمة "قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة".
كلمات قليلة قالتها عن حبيبها: "حبيبي أبيض وأحمر" لكنها تحمل معاني جليلة وثمينة، يلذ لكل مؤمن حقيقي أن يتأمل فيها، ويقول: "هل ليسوع من نظير؟" والجواب: "لا ليس مثله".
وهو أيضًا "مُعْلَمٌ بين ربوة". الربوة هي عشرة آلاف، وهي أكبر عدد في اللغة العبرية. فحبيبها يتميّز عن الجميع، هو مثل العَلَم المرتفع فيُرى حامله ولو كان بين عشرات الآلاف. لا يمكن لأحد أن يخطئ في تمييزه عن الآخرين. وكل مؤمن يعرف هذه الحقيقة. ليس هناك مجال للمقارنة بينه وبين الأنبياء أو الرسل، هو مرسل الرسل الحقيقيين، هو "ملك الملوك ورب الأرباب". هو النور الحقيقي، وهو الحياة الأبدية. هو الأزلي الأبدي الذي به كل شيء كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. "فإنه فيه خُلق الكل ما في السماوات وما على الأرض. ما يُرى وما لا يُرى سواء كان عروشًا أم سيادات أو رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خُلق" (كولوسي 16:1). "وهو بهاء مجده (أي مجد الله) ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عبرانيين 3:1). هو "الله الذي ظهر في الجسد"، وهو الذي فيه سُرَّ أن "يحلّ كل ملء اللاهوت جسديًا"، وسوف "تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب".
هذا هو حبيبنا، له الكرامة والمجد إلى أبد الآبدين. آمين.
يتبع في العدد القادم