Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الثاني November 2010

"نحن أمناء" (تكوين 11:42)؛ "حقًا إننا مذنبون" (تكوين 21:42).
 

تقديران نطق بهما إخوة يوسف، ومن الوهلة الأولى نكتشف تناقضًا كليًا بينهما. فبينما يتحدث الأول عن الأمانة يتحدّث الثاني عن الذنب. وهنا نتساءل: أي التقديرين هو الصحيح؟ هل هم أمناء حقًا أم مذنبون؟ وبالتأمل في التقدير الثاني نلاحظ وجود كلمة خلا منها التقدير الأول، وهذه الكلمة هي ”حقًا“، وهذا دليل على أن التقدير الأول تقدير عشوائي وغير دقيق. ولكي نقف على الأمور التي قادت إخوة يوسف لتصحيح تقديرهم لأنفسهم لنرجع إلى ما ذكره الوحي عنهم:

"نَزَلَ عَشَرَةٌ مِنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ لِيَشْتَرُوا قَمْحًا مِنْ مِصْرَ"، وتقابلوا مع المسؤول عن بيع القمح. "وَلَمَّا نَظَرَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ عَرَفَهُمْ، فَتَنَكَّرَ لَهُمْ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمْ بِجَفَاءٍ، وَقَالَ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَقَالُوا: مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ لِنَشْتَرِيَ طَعَامًا". فَقَالَ لَهُمْ: "جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ! لِتَرَوْا عَوْرَةَ الأَرْضِ جِئْتُمْ".

فَقَالُوا لَهُ: "لاَ يَا سَيِّدِي، بَلْ عَبِيدُكَ جَاءُوا لِيَشْتَرُوا طَعَامًا. نَحْنُ جَمِيعُنَا بَنُو رَجُلٍ وَاحِدٍ. نَحْنُ أُمَنَاءُ، لَيْسَ عَبِيدُكَ جَوَاسِيسَ".

ولما أصرّ سيد الأرض على اتهامه لهم، واصلوا حديثهم قائلين: "عَبِيدُكَ اثْنَا عَشَرَ أَخًا. نَحْنُ بَنُو رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَهُوَذَا الصَّغِيرُ عِنْدَ أَبِينَا الْيَوْمَ، وَالْوَاحِدُ مَفْقُودٌ".

فوضع لهم امتحانًا بأن يرسلوا واحدًا منهم ليجيء بالأخ الصغير ويبقى الآخرون في الحبس. وفي اليوم الثالث ذهب إليهم وقال لهم: "أَنَا خَائِفُ اللهِ. إِنْ كُنْتُمْ أُمَنَاءَ فَلْيُحْبَسْ أَخٌ وَاحِدٌ مِنْكُمْ فِي بَيْتِ حَبْسِكُمْ، وَانْطَلِقُوا أَنْتُمْ وَخُذُوا قَمْحًا لِمَجَاعَةِ بُيُوتِكُمْ. وَأَحْضِرُوا أَخَاكُمُ الصَّغِيرَ إِلَيَّ... وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: حَقًّا إِنَّنَا مُذْنِبُونَ إِلَى أَخِينَا الَّذِي رَأَيْنَا ضِيقَةَ نَفْسِهِ لَمَّا اسْتَرْحَمَنَا وَلَمْ نَسْمَعْ. لِذلِكَ جَاءَتْ عَلَيْنَا هذِهِ الضِّيقَةُ".

بين قولهم عن أنفسهم: "نحن أمناء"، والقول "حَقًّا إِنَّنَا مُذْنِبُونَ" ثلاثة أيام فقط، وسأتحدّث إليكم في أمرين:

أولاً: التقدير المغلوط وكيف قدّروه
ثانيًا: التقدير المغلوط وكيف صحّحوه

 
أولاً:
التقدير المغلوط وكيف قدّروه

 1- قالوا: ”نحن أمناء“، قاسوا أنفسهم على الآخرين. قال لهم يوسف: "جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ! لِتَرَوْا عَوْرَةَ الأَرْضِ جِئْتُمْ". ففي الحال قفزت إلى أذهانهم صورة الجواسيس فقارنوا بينهم وبين الجواسيس. الجواسيس أقلّ ما يُقال عنهم أنهم خائنون، وخيانتهم أعظم خيانة يستحقون من أجلها الإعدام في ساحة أمام الناس... ونظروا إلى نفوسهم فرأوا أنهم بالنسبة للجواسيس أمناء بل وأمناء جدًا.
الإنسان دائمًا يقيس نفسه على من هم أكثر منه شرًا وبذلك يرى أنه أفضل منهم وأكثر منهم أمانة... المدخّن ينظر لمن يتعاطون مكيّفات مثل الأفيون، والحشيش، والماريجوانا، والهيرويين، وغيرها، فيرى المدخّن أنه أفضل وأحسن منهم. لكن دعوني أقول، إن البشر أيًا كانوا خطاة أو مؤمنين لا يجب أن نقيس أنفسنا عليهم. فالأشرار أثمة ومجرمون، والمؤمنون لهم سقطاتهم وزلاتهم، وفي الموازين هم إلى فوق.
2- اعتمدوا على صلاحهم السطحي: عندما سألهم سيد الأرض أسئلة أجابوا عنها بكل أمانة ودقة. قالوا: عَبِيدُكَ جَاءُوا لِيَشْتَرُوا طَعَامًا... نَحْنُ بَنُو رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَهُوَذَا الصَّغِيرُ عِنْدَ أَبِينَا الْيَوْمَ، وَالْوَاحِدُ مَفْقُودٌ... كل هذه الأقوال حق... ولما رأوا أنهم يقولون الحقيقة، قدّروا نفوسهم تقديرًا متسرعًا وقالوا: "نحن أمناء".
الإنسان يركن إلى صلاحه السطحي فيقدّر نفسه تقديرًا مغلوطًا، وها هو الفريسي يقف في الهيكل ويقول: "اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ". رأى في نفسه أمانة وتديّنًا أكثر من الفئات التي ذكرها في كلامه.
3- نسوا ماضيهم: لقد نسوا كل ما فعلوه في الماضي فقدّروا نفوسهم تقديرًا مغلوطًا. ويخيّل إليّ أن يوسف عندما سمع قولهم عن أنفسهم أنهم أمناء ابتسم في داخله وقال في قلبه: أنتم أمناء جدًا، والدليل هو ما فعلتموه معي منذ اثنين وعشرين عامًا. لقد نسوا ما فعلوه في الماضي بأخيهم وأبيهم... نسوا تخطيطهم لاغتياله. نسوا وضعهم إياه في بئر فارغة... نسوا بيعهم له لقافلة المديانيين... نسوا أنهم خدعوا أبيهم بتقديم قميص يوسف الملوّن بعد أن لطخوه وغمسوه في الدم.

الإنسان دائمًا ينسى أخطاءه وذنوبه وتعدياته ويفتكر بذنوب وخطايا الآخرين... وهذه خطة شيطانية بها يضمن عدم توبة الإنسان، لأنه كيف يتوب عن خطايا قد نسيها. قال أحد الأشخاص: لو جلسنا وحاولنا أن نستعرض أفعالنا السيّئة وتعدياتنا على القوانين السماوية لما وجدنا وقتًا نفكر في خطايا الآخرين لأننا سنقضي الوقت كله في تذكر خطايانا.
 
ثانيًا:
التقدير المغلوط وكيف صحّحوه

 
1- عندما اجتازوا في ضيقة شديدة وضع يوسف إخوته في حبس حتى يختاروا واحدًا منهم يذهب إلى كنعان حاملاً قمحًا لمجاعة بيوتهم على أن يبقى الآخرون، ولكن في اليوم الثالث ذهب إليهم وقال لهم: واحد يُحبس، والباقون يأخذون طعامًا، ويرجعون إلى أرض كنعان، ويأتون بالأخ الصغير... وهنا بدأ يلتفت كل واحد للآخر. وقال بعضهم لبعض: "حَقًّا إِنَّنَا مُذْنِبُونَ إِلَى أَخِينَا الَّذِي رَأَيْنَا ضِيقَةَ نَفْسِهِ لَمَّا اسْتَرْحَمَنَا وَلَمْ نَسْمَعْ. لِذلِكَ جَاءَتْ عَلَيْنَا هذِهِ الضِّيقَةُ". إن الله يرسل الضيقات للبشر لهدف سامٍ هو أن يقفوا أمام أنفسهم ليعرفوا حقيقتهم ويرجعوا إلى الرب.

وقع الملك منسى في يد ملك أشور الذي أمر جنده أن يأخذوه بخزامة ويقيّدوه بسلاسل نحاس ويذهبوا به إلى بابل... وهناك بدأ يراجع نفسه فرأى أنه ابتعد عن الرب ابتعادًا كلِّيًا "وَلَمَّا تَضَايَقَ طَلَبَ وَجْهَ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَتَوَاضَعَ جِدًّا أَمَامَ إِلهِ آبَائِهِ، وَصَلَّى إِلَيْهِ فَاسْتَجَابَ لَهُ وَسَمِعَ تَضَرُّعَهُ، وَرَدَّهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى مَمْلَكَتِهِ" (2أخبار 11:33-13). وفي إرميا 18:10 يقول الوحي المقدس: "وَأُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ لِكَيْ يَشْعُرُوا".

ليتنا نقف مع أنفسنا عندما تهاجمنا الضيقات والآلام لنعرف قصد الله منها وهو أن نقدّر أنفسنا التقدير الصحيح.

2- قدّروا أنفسهم التقدير الصحيح عندما رجعوا بذاكرتهم إلى ماضيهم الأثيم.
رجع إخوة يوسف بذاكرتهم إلى الماضي البعيد الذي مرت عليه سنوات عديدة... تذكروا ذنبهم إلى أخيهم الذي استرحمهم عندما رأوا ضيقة نفسه ولم يسمعوا له بل سدوا آذانهم، وقسّوا قلوبهم، وتمادوا في تصرفاتهم الشريرة... ولا شك أنهم تذكروا أنهم جلسوا يأكلون الطعام الذي جاء به يوسف أخيهم لهم وكأن شيئًا لم يحدث...

يجب أن يجلس كل واحد منا مع نفسه ليتذكّر ماذا فعل بالأمس... ماذا فعل في الأسبوع الماضي، والشهر الماضي، والسنة الماضية... إن تذكُّر خطايانا واكتشاف حالتنا خطوة مهمة في العلاج.

أرسل الرب ناثان النبي لداود ليذكِّره بفعله الشنيع الذي ارتكبه مع بثشبع وتخطيطه لقتل زوجها أوريا. وما أن ذكّره ناثان بذنوبه حتى صرخ قائلاً: "أخطأت"!

3- عندما وضعوا الله نصب عيونهم
في حديثهم مع يوسف أخيهم لم يذكروا الله أبدًا، وحتى في حبسهم لم يذكروا الله، ولكن عندما ذهب يوسف في اليوم الثالث من حبسهم قال لهم عبارة أوقفتهم أمام الله، وهذه العبارة هي ”أنا خائف الله“. وعندما وضعوا أنفسهم أمام هذا الإله قدّروا أنفسهم التقدير الصحيح.

الإنسان وهو يرتكب إثمًا وشرًّا - وحتى بعد ارتكابه - يتفوّه بعبارة ذكرها الوحي المقدس في مزمور 7:94 "وَيَقُولُونَ: الرَّبُّ لاَ يُبْصِرُ، وَإِلهُ يَعْقُوبَ لاَ يُلاَحِظُ. الْغَارِسُ الأُذُنَ أَلاَ يَسْمَعُ؟ الصَّانِعُ الْعَيْنَ أَلاَ يُبْصِرُ؟"، لهؤلاء يقول الوحي أيضًا في عدد 9 من نفس المزمور: "اِفْهَمُوا أَيُّهَا الْبُلَدَاءُ فِي الشَّعْبِ، وَيَا جُهَلاَءُ مَتَى تَعْقِلُونَ؟".

تذكَّرْ الله وقِفْ أمامه - أخي الحبيب - فيسهل عليك أن تقدّر نفسك التقدير الصحيح.

وقف إشعياء أمام الرب فاكتشف حقيقة نفسه وصرخ قائلاً: "وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ". وبطرس أيضًا وقف أمام الرب فقال له: "اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَا رَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ".

أختم بهذه الملاحظة:

قدّر إخوة يوسف أنفسهم التقدير الصحيح وقالوا: "حقًّا إننا مذنبون"، ولكنهم لم يفعلوا شيئًا بعد ذلك! كان يجب عليهم أن يعترفوا لأبيهم بما فعلوا حتى تستريح ضمائرهم، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، لذلك بقيت خطيتهم على رؤوسهم!
إن قدّرت نفسك التقدير الصحيح، واكتشفت أنك مذنب، فتعال إلى الرب يسوع معترفًا مؤمنًا في قوة دمه الذي يطهّرك من كل خطية.

المجموعة: 201011

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

124 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10472786