شباط February 2011
على أثر اغتيال المهاتما غاندي، اعترف بفضله مساعده البانديت جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند قائلاً: "إننا في هذا اليوم نتوجّه بأفكارنا وقلوبنا إلى فيلسوف الحرية، وابن وطننا الذي حمل مشعل الحرية عاليًا، وأضاء به الدنيا، وبدّد الظلمات التي تحيط بنا. وسوف نعتزّ نحن والأجيال القادمة بالأثر الذي خلفه في قلوبنا ابن الهند الأكبر". فعيد الحرية أو الاستقلال هو رمز للسيادة الوطنية ودليل على المواطنة الحقة وشعار الانتصار ووسام شرف على جبين الأمة. لذلك في مدينة فيلادلفيا بأمريكا يوجد جرس نفيس يسمى "جرس الحرية"، وقد قُرعت عليه الدقّات المأثورة يوم أن نالت أمريكا استقلالها، فأصبح رمزًا لتلك الحرية وتذكارًا ليوم تحريرها العظيم. والحرية تتطلب على الأقل ثلاثة عناصر:
أولاً: سياسة الانفتاح
تعوّد قدماء الفرس عند موت ملكهم، أن يتركوا البلاد بلا قانون مدة خمسة أيام بعد موت الملك، حيث تطلق الحرية لكل إنسان أن يفعل ما يريد من قتل، ونهب، وسلب، وتخريب، وإيذاء للناس. وفي نهاية الخمسة أيام يعمّ الفرح بعودة الحكومة والأحكام لتوقّع حكومة أفضل وأحكام أصلح، وللتخلص من الفوضى والفساد والقلق. هناك حاجة ملحة إلى تطوير مناهج التعليم لتواكب الثورة العلمية المعاصرة، والفكر الآدمي المتطوّر، والبنية الاجتماعية الآنية، وإحياء الحركة الدينية في كل مكان لترتبط بالأخلاق ودور الفرد في المجتمع، والتشديد على أهمية العائلة وتأمين الفرد صحيًا ومعيشيًا.
هل تعلم أن كارل ماركس الشيوعي بنى فلسفته الأخلاقية على المبادئ الثلاث في إعلان حقوق الإنسان، لكن باءت فلسفته بالفشل لأنه بناها على أخلاق بعيدة عن الدين. أما حقوق الإنسان الذي أصدرته الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية عن المساواة والحرية والإخاء فقد بُنيت على الإنجيل، وهذا هو سر خلودها. خلاصة القول، أنه لا بدّ للأخلاق من مبدأين: أن تستند إلى العقيدة حتى يكون لها تأثير صالح على السلوك، وأن تكون هناك صلة وثيقة بين النظر والعمل.
إن مفهوم الحرية يتطلب تطبيق الديمقراطية بمعانيها السامية، وهدم المعتقلات الدينية، وفكّ الجمود الفكري المتزمت، واحترام الرأي المعارض، وقبول الأقليات، وصون الأعراض، وعدم انتهاك حريات الغير، وإلغاء الرق المقنّع بكل معانيه، وتأمين العيش الكريم، ومشاركة الأكفّاء في الحكم، والانفتاح العلمي والفلسفي، ومراعاة الضمير في القضاء، ومحاكمة العناصر الإرهابية والانتهازية، وسيادة القانون. إن هذا المفهوم يحتاج الى الرجوع الى الله فقد تنبأ إشعياء النبي 61: 1-2 عن قائد الحريات وحامي الحقوق قائلاً: "رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ"... إنه المسيح المخلص!
إننا بحاجة إلى الانفتاح العقلي والديني قبل الانفتاح الاقتصادي والسياسي، وإلى التقارب الروحي والأخلاقي والإنساني قبل الحكم العسكري والعشوائي. أليس هذا هو مبدأ الحرية الدينية؟ كثيرون يعانون من متاعب نفسية وانزعاجات جمة وعبودية شديدة، لكن الرب في رحمته وعد "يُرِيحُكَ الرَّبُّ مِنْ تَعَبِكَ وَمِنِ انْزِعَاجِكَ، وَمِنَ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ الَّتِي اسْتُعْبِدْتَ بِهَا" (إشعياء 14: 3).
ثانيًا: التغيير الداخلي
أقامت أمريكا تمثالاً رخاميًا عظيمًا للآباء الحجاج الذين أبحروا إلى أمريكا في الباخرة ماي فلاور لأجل الحرية الدينية. ويعبّر التمثال عن روح أولئك الآباء إذ ترى على القاعدة الرئيسية صورة للإيمان، ماسكًا الكتاب المقدس بيساره ومشيرًا إلى السماء بيمينه. نعم! إن الكتاب المقدس مرساة الحرية، وشرائعه مبادئ الحرية، وحياة مسيحه هي دستور الحرية. فتحت أمريكا البلاد للمهاجرين أصحاب المهارات والخبرة، واللاجئين السياسيين والدينيين، والمطاردين تعسفًا من بلادهم، والمطرودين بسبب المعارضة المخلصة، والفئات الكادحة التي تود أن تبني نفسها. ليس هناك ما يسمى بأعداء الدولة من شعوب، أو طرد مستعمر لأن الإنسان اكتشف أن الأرض تتسع لكل الناس ليتعايشوا معًا ويتقاسموا لقمة العيش. إذًا الحاجة هي إلى تغيير الدساتير ونظام الأحزاب وتعددها وضبطها، والحد من الأسلحة النووية واستخدامها للأغراض السلمية والعلمية.
شكر أفلاطون الله على ثلاثة أمور: لأنه خلقه إنسانًا لا حيوانًا، وحرًّا لا عبدًا، ويونانيًا لا بربريًا.
إن رفض الحرية أو قبول حرية جزئية يزيد القيود، ويورّث المرض، ويؤدي للانتحار. فما بالك بالحرية من قبضة الشيطان؟ لنشدد على ضرورة الدين سيكولوجيًا وفلسفيًا.
ميز ﻫ ب سميث بين نوعين من الحرية في رسالة غلاطية عن الاختبار المسيحي: أحدهما اختبار العبودية، والآخر اختبار الحرية. في الاختبار الأول تخضع النفس لإحساس قوي بضرورة إتمام الواجب المطلوب منها خوفًا من عقاب أو طمعًا في ثواب؛ أما الاختبار الثاني فالقوة الدافعة تنبع من باعث داخلي يدفع النفس لإتمام مشيئة الله بمحض اختيارها. بكلمة أخرى، إن الناموس الخارجي يشترط الفعل أساسًا للحياة، أما الإنجيل فيقدم لك قلبًا جديدًا بناءً على محبة الله وفداء ذبيحة الصليب "الخليقة الجديدة".
مرّ رجلان بقصر فاخر، فسأل أحدهما الآخر: هل تعرف كم كلَّف هذا القصر؟ فأجابه: لقد كلف صاحبه نفسه، لأنه كان رجلاً مسيحيًا، ولكن لكثرة مشاغله أهمل الحياة الروحية. وما كاد ينتهي من بنائه حتى أصيب بمرض فجائي، وصار يردد القول: لقد كان نجاحي سببًا في خرابي.
ثالثًا: تهذيب المجتمع
سيَّرت أمريكا قطارًا أسمته "قطار الحرية"، ويحتوي على نحو مئة من المعروضات التي تتكلم عن تاريخ الحرية ومنها سفينة الماي فلاورMayflower التي تنبئ عن الحرية الدينية، وما كتبه توماس جفرسون عن وثيقة اعلان الاستقلال، وعبارة روجر وليم عن الحرية الدينية، وما كتبه واشنطن عن وثيقة حقوق الإنسان، ووثيقة ابراهام لنكولن لتحرير العبيد، ونسخة الماجنا كارتا وغيرها مما يؤكد أن الحرية غالية الثمن وتتضمن مساواة الجميع. لكن الحرية المطلقة، أو الحرية من كل القيود والعادات، ليس لها وجود إلا في حالة واحدة وهي أن يكون القانون في قلبك، أو تحيا في مستوى أعلى من القانون "لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ" (رومية 2:8).
في المعجم الفلسفي اللالاندي توجد عدة معانٍ للحرية وهي:
1- الحرية النفسية: أي حرية الأفعال الإنسانية التي تنبع مباشرة من الكيان الداخلي، وهذه هي الحرية المطلقة.
2- الحرية الدينية: ويقصد بها حرية الإنسان في أن يعتنق الدين الذي يريده بدون أي ضغط أو إكراه.
3- الحرية السياسية: وتعني أن المجتمعات حرة تمامًا في اختيار النظام السياسي الذي تريده، وأن كل فرد في داخل أي مجتمع يتمتع بحرية سياسية مطلقة في ابداء آرائه في الانتخابات وفي المجالس المختلفة.
4- الحرية الاقتصادية: هذه الحرية تمنح الفرد أن يزاول النشاط الاقتصادي الذي يريده ويرغبه بملء حريته.
5- الحرية الاجتماعية: أي أن كل مجتمع حرٌّ في ممارسة عاداته وتقاليده وعرفه ضمن الدستور والقواعد العالمية السائدة.
6- الحرية الفكرية: وهي أن كل إنسان حر في أن يفكر كما يريد وأن يرى الرأي الذي يشاء. ونحن لا نوافق على هذه الحرية لأن كل إنسان إنما يتأثر بغيره ويتأثر بالبيئة، لذلك فإن الحرية النفسية على سبيل المثل مقيّدة بالبيئة. ولهذا السبب فإن الدول التي تسمي نفسها دول ديمقراطية أو جمهورية يختلف فيها مفهوم الحرية تمامًا عن بعضها البعض. ومعنى هذا أن الحرية تكون مقيدة بما يسود هذا المجتمع أو ذاك من آراء واتجاهات سياسية. إذن لا توجد حرية مطلقة.
فتح أحدهم مكتبًا غريبًا من نوعه، لا يبيع فيه بضائع مادية بل بضائع فكرية. وجعل له شعارًا هو "أفكار للبيع". فمن كانت لديه عقدة من عقد الحياة يحلها مقابل أجر ما.
والآن، دعني أقدّم لك نصيحة اختبرتها: "إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. وَالْعَبْدُ لاَ يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ، أَمَّا الابْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا" (يوحنا 8: 35-36). لقد دفع المسيح ثمن حريتك على الصليب.