نيسان April 2011
والمقصود بالكتاب طبعًا هو الكتاب المقدس، لأنه ليس كتاب آخر يمكن أن يُسمّى الكتاب. فهو الذي يقول عنه الروح القدس: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ" (2تيموثاوس 16:3)، وأن "كل كلمة من الله نقية" (أمثال 5:30). وقال عنه إرميا النبي: "وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي" (إرميا 16:15). وقال داود النبي: "نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ. شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيمًا. وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ. خَوْفُ الرَّبِّ نَقِيٌّ ثَابِتٌ إِلَى الأَبَدِ. أَحْكَامُ الرَّبِّ حَقٌّ عَادِلَةٌ كُلُّهَا. أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ. أَيْضًا عَبْدُكَ يُحَذَّرُ بِهَا، وَفِي حِفْظِهَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ" (مزمور 7:19-11).
ولا يسعنا المجال أن نذكر كل ما قاله الروح القدس عن الكتاب المقدس بواسطة رجال الله في العهد القديم والعهد الجديد. ولكن يكفي أن نشير إلى ما جاء في مزمور 119 الذي يتكوّن من 176 آية - كلها تقريبًا تتكلم عن جلال هذا الكتاب والفوائد التي نجتنيها من قراءته - فهو طعام أشهى من العسل وكنز أثمن من الذهب، وهو سراج لأرجلنا ونور لسبيلنا، وهو سلاحنا، كما جاء في عبرانيين 12:4-13 "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ. وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا".
الكتاب المقدس هو الكتاب الوحيد الذي يمكنك أن تقرأه مئات المرات ولا تملّ منه، وفي كل مرة تجد فيه فوائد ثمينة وجديدة. هناك كتب روحية نافعة، قد نقرأها مرتين أو ثلاثة مرات، لكنك بعد ذلك لا تجد داعيًا لقراءتها مرة أخرى. أما الكتاب المقدس فإنك تجد فيه في كل مرة كنوزًا جديدة، لذلك قال كاتب مزمور 119 "اكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ" (عدد 18).
قال الرب قديمًا لبني إسرائيل على فم موسى: "فَضَعُوا كَلِمَاتِي هذِهِ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَنُفُوسِكُمْ، وَارْبُطُوهَا عَلاَمَةً عَلَى أَيْدِيكُمْ، وَلْتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عُيُونِكُمْ، وَعَلِّمُوهَا أَوْلاَدَكُمْ، مُتَكَلِّمِينَ بِهَا حِينَ تَجْلِسُونَ فِي بُيُوتِكُمْ، وَحِينَ تَمْشُونَ فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُونَ، وَحِينَ تَقُومُونَ. وَاكْتُبْهَا عَلَى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلَى أَبْوَابِكَ، لِكَيْ تَكْثُرَ أَيَّامُكَ وَأَيَّامُ أَوْلاَدِكَ عَلَى الأَرْضِ... كَأَيَّامِ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ" (تثنية 18:11-21).
فكم بالأحرى يليق بنا نحن الذين عندنا الكتاب المقدس كله بعهديه، القديم والجديد، أن نقدّر هذا الكتاب الجليل تقديرًا عظيمًا وأن نخصص له الوقت الكثير كل يوم، لأنه طعامنا ونحن نسير في برية هذا العالم. كثيرون من المؤمنين، للأسف الشديد يقضون الساعات الطويلة فيما لا ينفع، ويحرمون أنفسهم من المائدة الشهية التي أعدها الرب لأولاده، لكي يكونوا فرحين وأقوياء روحيًا ونافعين لخدمته. إن الرب يقول لنا على فم إشعياء النبي: "أَيُّهَا الْعِطَاشُ جَمِيعًا هَلُمُّوا إِلَى الْمِيَاهِ، وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ تَعَالَوْا اشْتَرُوا وَكُلُوا. هَلُمُّوا اشْتَرُوا بِلاَ فِضَّةٍ وَبِلاَ ثَمَنٍ خَمْرًا وَلَبَنًا. لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً لِغَيْرِ خُبْزٍ، وَتَعَبَكُمْ لِغَيْرِ شَبَعٍ؟ اسْتَمِعُوا لِي اسْتِمَاعًا وَكُلُوا الطَّيِّبَ، وَلْتَتَلَذَّذْ بِالدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ" (إشعياء 1:55-2). هذه دعوة لنا جميعًا لنتغذّى ونتمتّع بكلام الله.
والآن نجيب عن سؤال مهم:
من هم الذين يحتاجون إلى هذا الكتاب الجليل؟
أولاً: الأطفال
كثيرون يهملون تعليم أطفالهم كلام الله، ويؤجلونه ظنًا منهم أن الأطفال لا يستفيدون من هذا الكتاب الجليل. وهنا أقتبس بعض ما قاله رجل الله Bishop J. C. Ryle تعليقًا على ما جاء في 2تيموثاوس 15:3 "وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ". قال: "إن كنت تحب أطفالك اجعل الكتاب المقدس أهم مصدر في تدريب نفوسهم، وأما باقي الكتب فليكن لها المكان الثانوي. علّمهم أن يقرأوه باحترام وإجلال، علمهم أنه كلام الله وليس كلام البشر... وأن يعتبروه طعامًا لنفوسهم. لا تتردّد في أن تشرح لهم تعاليمه، فالأطفال يفهمون (أي يدركون) أكثر مما نظنّ نحن". ولنا هنا تعليق خطير: للأسف الشديد كثيرون من الآباء والأمهات يجدون أنه من الأسهل لهم أن يتركوا أطفالهم يراقبون التلفزيون من أن يعلموهم كلام الله، ومتى كبر أطفالهم يشتكي الوالدون من تصرفات أولادهم، ولا يدركون أنهم إنما يجنون ثمار إهمالهم. لنتذكّر قول الرب: "رَبِّ الْوَلَدَ فِي طَرِيقِهِ، فَمَتَى شَاخَ أَيْضًا لاَ يَحِيدُ عَنْهُ" (أمثال 6:22). وهل هناك أفضل من أن نربي أولادنا في طريق الرب كما يعلمنا إياه الكتاب المقدس؟
ثانيًا: الشباب
يقول الكتاب المقدس في سفر الجامعة 1:12 "فَاذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنُونَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ". ومع أننا نقتبس هذه الآية في التبشير، وهذا حسن طبعًا، إلا أنها نافعة للشباب عمومًا، لأنها تنذرنا ضدّ خطورة التأجيل، إذ أن الإنسان تدريجيًا تضعف قواه وذاكرته. فمن أراد أن يختزن في ذاكرته كمية كبيرة من الكتاب المقدس عليه أن يبدأ ذلك في صغره أو شبابه المبكر، قبل أن تقلّ قدرته على المثابرة. نحن نعرف أن مرحلة الشباب هي مرحلة مهمة جدًا، إما أن تؤدي إلى بركة الشباب، أو أن تؤدي بهم إلى مصائب كثيرة. فالشباب معرض لمحاربات روحية عنيفة. ومن أخطرها الشهوات الجنسية. لذلك يقول الرسول بولس: "أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ" (2تيموثاوس 22:2). وجاء في مزمور 9:119 "بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ". إذ ينشغل الشاب بما يقرأه في الكتاب المقدس ويتأمل فيه بروح الصلاة، لن يجد الشيطان سهولة في تحويله عن طريق البر، بالإضافة لما تحويه كلمة الله من النصائح الجليلة الصريحة.
هناك سِيَر رجال الله، مثل قصة يوسف في سفر التكوين 37 و38-50. في هذه القصة نتعلّم سر الانتصار على الشهوات الشبابية، ونرى كيف كافأه الرب مكافأة عظيمة. حين واجه يوسف هذه التجربة القاسية المدونة في تكوين 39. كان سر انتصاره هو في قوله: "فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟". جاء في مزمور 11:119 "خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ". ولما حاولت امرأة فوطيفار مرة أخرى وأمسكت بثوبه الخارجي، هرب من أمامها.
ثالثًا: منتصف العمر أو الكهولة (Middle Age)
هذه المرحلة في حياة الإنسان مليئة بالمسؤوليات الزمنية، وخصوصًا فيما يتعلّق بمصلحة أفراد العائلة، مثل تعليم الأبناء، والاستعداد لما يحتاج إليه الإنسان حين يتقاعد عن العمل، وغير ذلك الكثير... ولذلك تواجه الأسرة في هذه الفترة توترًا في العلاقات الزوجية والعائلية، وأحيانًا تتدهور إلى حدٍّ مؤلم ومخجل. ولذلك فإن المؤمنين يحتاجون فيها إلى معونة إلهية. وهذه المعونة ننالها عن طريق الصلاة، والقراءة الجدية في الكتاب المقدس، وأن يخصص المؤمن والمؤمنة وقتًا كافيًا لهذا الهدف. وبذلك يجنون ثمارًا ثمينة، منها السلام القلبي والمحبة التي تسود في البيت. وهذه أثمن بكثير من الفوائد المادية الناتجة عن الانهماك في العمل. ينصحنا الرسول بولس بخصوص الحرب الروحية قائلاً: "وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ" (أفسس 17:6). من الأسف الشديد أن بعض المؤمنين يهتمون بمراقبة المباريات الرياضية، مثل كرة القدم وغيرها، ويهملون كلام الله، الذي هو غذاؤهم الروحي، والبعض يعرفون أسماء الممثلين والممثلات ولا يعرفون أسماء الرسل، أو أسماء أسفار الكتاب المقدس. والنتيجة الأليمة هي ما نراه حولنا من ضعف روحي وحياة الهزيمة الروحية.
رابعًا: الشيخوخة
ما أجمل الشيخوخة لمن يحب كلام الرب! إنها فرصة لقضاء الساعات الطويلة في الشركة مع الرب بواسطة الصلاة وقراءة الكتاب. عرفت شخصيًا بعض المؤمنين الذين كان يقرأون الكتاب المقدس كله ثلاثة أو أربعة مرات في العام. هؤلاء ينطبق عليهم القول: "أَيْضًا يُثْمِرُونَ فِي الشَّيْبَةِ. يَكُونُونَ دِسَامًا وَخُضْرًا" (مزمور 14:92). كلما أكثرنا القراءة في كلام الله كلما أحببناه أكثر وأكثر، حتى يصبح مصدر لذة وسرور وسلام مستمر.
أيها القارئ العزيز، إنه من المؤلم أن نرى مؤمنين كثيرين في حالة جدوبة روحية، لأنهم يصرفون أوقاتًا طويلة فيما لا ينفعهم روحيًا، ويهملون أعظم وأثمن كنز أعطاه لنا الرب، وهو كلامه الموحى به.