أيار May 2011
تعليم الاختيار الإلهي تعليم كتابي، لكن الكثيرين من الخدام يخشون الحديث عنه أو الخوض فيه.
وقبل أن أستطرد في الحديث عن اختيار الله، أضع أساسًا لرسالتي هذه الآيات الذهبية:
"مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ، كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ" (أفسس 3:1-4).
"لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهؤُلاَءِ دَعَا اهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا" (رومية 29:8-30).
واضح من كلمة الله أن الله اختار المؤمنين بيسوع المسيح قبل تأسيس العالم... ويفسر غير الدارسين لكلمة الله بعمق وفهم الكلمات: "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ" بالقول: "إن الله إذ عرف مُسبقًا مَن الذي سيؤمن بالمسيح مخلصًا وربًا، اختار ذلك الإنسان بناء على اختياره للمسيح". والاختيار بحسب هذا التفسير ليس اختيار الله للإنسان، بل اختيار الإنسان لله، والإنسان بطبيعته الساقطة لا يستطيع أن يختار الله. "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي" (يوحنا 44:6). الاختيار هو اختيار الله للإنسان وليس اختيار الإنسان لله، وتؤكد كلمات بولس الرسول هذا الحق إذ قال: "بَلْ رِفْقَةُ أَيْضًا، وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا. لأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ، وَلاَ فَعَلاَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ اللهِ حَسَبَ الاخْتِيَارِ، لَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ بَلْ مِنَ الَّذِي يَدْعُو، قِيلَ لَهَا: الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ". (رومية 10:9-13)
ولكي يستريح القارئ وهو يقرأ عن اختيار الله، أقول:
من هو الله الذي يختار؟
الله الذي يختار إله حكيم. "يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ!" (رومية 33:11).
الله الذي يختار إله عادل "الرَّبَّ عَادِلٌ وَيُحِبُّ الْعَدْلَ" (مزمور 7:11).
الله الذي يختار إله محب "وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ" (1يوحنا 8:4).
فإذا كانت هذه صفات الله، فبغير شك يكون اختياره على أساس حكمته، وعدله، وحبه. ومن ذا الذي يعترض على اختيار الله... والله بهذه الصفات؟!
زمن اختيار الله
"اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ" (أفسس 4:1).
"الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ" (2تيموثاوس 9:1).
ونقرأ عن الذين سيسجدون للوحش الذي سيظهر في وقت قريب: "فَسَيَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ فِي سِفْرِ حَيَاةِ الْخَرُوفِ الَّذِي ذُبِحَ" (رؤيا يوحنا 8:13).
زمن الاختيار هو قبل الأزمنة الأزلية، لأنه "مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ" (أعمال 18:15). وهنا يجب أن ننتبه إلى المختارين، وقد وصفهم بولس الرسول بالكلمات: "فَانْظُرُوا دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لَيْسَ كَثِيرُونَ أَقْوِيَاءَ، لَيْسَ كَثِيرُونَ شُرَفَاءَ، بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ، لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ" (1كورنثوس 26:1-29)
وهناك نوعان من الاختيار الإلهي:
اختيار للحياة الأبدية
ونقرأ عن هؤلاء المختارين الكلمات: "وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ" (أعمال 48:13).
كما نقرأ كلمات بولس الرسول: "لأَجْلِ ذلِكَ أَنَا أَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ، لِكَيْ يَحْصُلُوا هُمْ أَيْضًا عَلَى الْخَلاَصِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ..." (2تيموثاوس 10:2).
فخدام الرب الأمناء يجاهدون بصبر لتصل رسالة الخلاص للمختارين.
واختيار للخدمة
وعن هذا الاختيار قال الرب لإرميا: "قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ" (إرميا 5:1).
وقال الرب يسوع لتلاميذه: "لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ" (يوحنا 16:15).
وكذلك قال لحنانيا عن بولس: "هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ" (أعمال 15:9).
وقال بولس الرسول عن نفسه: "وَلكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ..." (غلاطية 15:1-16)
قصد اختيار الله
يظن المخطئون في فهم كلمة الله، أن اختيار الله، يفتح الباب أمام الإنسان المختار ليفعل ما يشاء، ويستبيح فعل الخطايا كما يريد، ويرتكب المعاصي بلا حساب.
هذا المفهوم الخاطئ يُخرج الاختيار عن قصد الله. فالله اختار المؤمنين وعيّنهم للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته التي قصدها في نفسه... وبولس يشرح القصد الإلهي من الاختيار بالكلمات: "اخْتَارَنَا... لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ" (أفسس 14:1).
"وَأَمَّا الزِّنَا وَكُلُّ نَجَاسَةٍ أَوْ طَمَعٍ فَلاَ يُسَمَّ بَيْنَكُمْ كَمَا يَلِيقُ بِقِدِّيسِينَ، وَلاَ الْقَبَاحَةُ، وَلاَ كَلاَمُ السَّفَاهَةِ، وَالْهَزْلُ الَّتِي لاَ تَلِيقُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ الشُّكْرُ" (أفسس 3:5-4).
"لأَنَّ اللهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ فِي الْقَدَاسَةِ" (1تسالونيكي 7:4).
فإذا استترت وراء تعليم الاختيار الإلهي، وتركت لنفسك العنان لترى الصور العارية المثيرة على الإنترنت، أو عشت في علاقة مشينة مع امرأة، أو استبحت استغلال الآخرين وسرقتهم، فهذا يعني أنك لست مختارًا من الله.
كتب بطرس الرسول إلى المؤمنين المتغربين قائلاً: "بُطْرُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى الْمُتَغَرِّبِينَ مِنْ شَتَاتِ بُنْتُسَ وَغَلاَطِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَأَسِيَّا وَبِيثِينِيَّةَ، الْمُخْتَارِينَ بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: لِتُكْثَرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ" (1بطرس 1:1-2).
واستطرد قائلاً لهم: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْبًا، وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ" (1بطرس 9:2-10).
فالقصد من الاختيار هو أن يُخبر المؤمن المختار بفضائل الرب الذي دعاه من الظلمة إلى نوره العجيب.
إن الاختيار الإلهي اختيار لحياة القداسة، ويعلن للمؤمن المختار حكمة الله، وعدل الله، وحب الله، ومسرة الله ويؤكد له أن خلاصه ليس بأعماله الصالحة بل بنعمة الله، "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ" (أفسس 8:2-9).
كذلك يؤكد له أنه لا يمكن أن يهلك المؤمن المختار لأنه في يد المسيح القوية ويد الآب الحنون "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يوحنا 27:10-30).
ويؤكد الاختيار الإلهي للمؤمن أنه محفوظ ومحروس بقوة الله، كما قال بطرس الرسول: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ، أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ" (1بطرس 3:1-5).
لقد عرف بولس بعد اختباره للمؤمنين الذين عاشوا في أيامه أن أسماءهم مكتوبة في سفر الحياة فكتب يقول: "أَسْأَلُكَ أَنْتَ أَيْضًا، يَا شَرِيكِي الْمُخْلِصَ، سَاعِدْ هَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَاهَدَتَا مَعِي فِي الإِنْجِيلِ، مَعَ أَكْلِيمَنْدُسَ أَيْضًا وَبَاقِي الْعَامِلِينَ مَعِي، الَّذِينَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ" (فيلبي 2:4-3).
فيا أيها المؤمن بالمسيح المصلوب المقام... افرح باختيار الله لك، وعش الحياة المقدسة التي من أجلها اختارك، ولا تظن أن الاختيار مظلة ترتكب تحتها خطاياك.