Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران June 2011

لم يكن يملك من دنياه سوى عصًا يتوكّأ عليها، وكتابه المقدس الذي كان يحمله معه أينما ذهب، وما لديه من أثاث ووسائل العيش البسيطة. كان يقيم في بيت صغير عند سفح جبل في قرية صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن خمسة آلاف شخص. فكان هذا البيت هو مقرّه الرئيسي الذي ينطلق منه إلى القرى المجاورة ليكرز بكلمة الإنجيل. وعندما استهل خدمته المسيحية كان ما يزال في السابعة عشرة من عمره في أثناء دراسته في المدرسة الثانوية في المدينة المجاورة. لم يكن آنئذ قد تعمّق في نصوص الكتاب المقدس بل كان يخطو خطواته الأولى في درب الحياة المسيحية، ولكنه مع ذلك ، شعر برغبة جارفة كي يقدّم للآخرين من زملائه الطلاب رسالة الخلاص التي غمرت قلبه بغبطة روحية لم يكن يتوقعها.

 

 

أما كيف اختبر نعمة المسيح في حياته، وجنّد نفسه في خدمة فاديه، فإن الصورة ما برحت حية في نفسه كنور مشعّ يرافقه أينما توجّه. وفي كل مرة كان يتمثّلها في خياله، تمتلئ عيناه بالدموع، ويخامره إحساس غريب من الحزن والفرح.

لقد عاد ذات يوم من المدرسة فوجد أمه طريحة الفراش من جراء مرض عضال ألمّ بها منذ زمن طويل؛ ومع أنه كان مدركًا لما تقاسيه من أوجاع، فإنه لم يكن يتوقع قط أن تكون قد بلغت نهاية المطاف وأنها قريبًا ستفارق الحياة.

وعندما أقبل إلى جوار سريرها، قالت له:

- اجلس هنا يا بني، فلي حديث قصير معك أودّ أن أودعك إياه.

تهالك على مقعد قريب منها وتطلع إليها بأسى وقال:

- تكلمي يا أماه، فأنا حاضر لكي ألبّي جميع طلباتك.

حدّقت إليه مليًا ببعض الكآبة تشوبها مسحة من الرجاء وتمتمت:

- يا بنيّ إنني لا أريد أن أخدعك ولا أن أتظاهر أمامك بما ليس هو حقيقة. اصغ إليّ: إنني أقف على شفير الموت وأنا أعلم أن أيامي باتت معدودة. عما قليل سألتحق بوالدك الذي سبقني إلى دار البقاء وهو الآن في محضر إلهه وفاديه. ولست أدري يا بنيّ إن كنت سألتقي بك في الأبدية. لهذا، وأنا طريحة على فراش الموت، وقبل أن أغادر هذا العالم أود أن أقول لك: "وادعًا".

فهتف بها:

- ماذا تقولين؟ أي وداع هذا؟

رفّت على شفتيها بسمة باهتة وأجابت:

- أنا لا أقصد وداع الموت، فكلنا سنموت في يوم ما، ولكنني أودعك يا بنيّ لأنني لا أدري إن كنتُ سألتقي بك في السماء في يوم ما.

- لماذا يا أماه؟ إنني أريد أن أكون معكِ ومع والدي!

- ذلك يتوقّف عليك يا بنيّ.

- ماذا تقصدين؟

تطلّعت إليه بنظرة راجية، وقالت بصوت يفيض بالمحبة والحنان:

- إن أردتَ حقًا أن تكون معنا في الأبدية عليك أن تقبل المسيح مخلصًا لك. لا أحد، يا بنيّ، يستطيع أن يدخل السماء من غير أن يفتح قلبه لمن مات من أجله وافتداه من عبودية الخطيئة.

حدّق إليها وكأنه يحاول أن يعي ما تقوله له. شعر بشيء غريب يسري في جسده، وكأن قوة ما أخذت تهزّه من أعماق نفسه. وتساءل:

- ما الذي يحدث لي؟ هل الحياة شرعت تتسرب من جسدي وأنني سأموت أيضًا؟ إنني ما زلت شابًا في ريعان الصبا!

كانت أمه تنظر إليه طيلة الوقت بعينين مفعمتين بالعطف، وكأنها أدركت ما يجول في أعماقه من صراع، وخوف، وحيرة، فمدت إليه يدها وراحت تربّت على يده، فبدا له في تلك اللحظة أن عالمه الذي كان يعيش فيه قد أصابه خلل ما، عالم ملفّع بالضباب. إن شيئًا ما يتململ في داخله، قوة ما لا يستطيع مقاومتها، وخُيّل إليه أنه يسمع صوتًا عميقًا يدعوه إليه.

تطلّع إلى أمه التي تحوّلت كلها إلى عيون تتحملق له، وقال لها:

- يا أمي إنني أريد أن أكون معك ومع والدي فأنتما كل ما لديّ في هذا العالم الآخر... خبريني يا أمي، كيف أتأكد أنني سأكون معكما؟

شاعت بسمة عريضة على ثغرها، وقالت له بنبرات متهدجة من الفرح:

- يا بني، ما عليك إلا أن تطلب من المسيح أن يلج إلى قلبك ويقيم فيه لأنه وحده الذي سيؤمّن لك الحياة الأبدية. لقد وعد أن يفعل ذلك، وهو أمين وقادر أن يفي بوعوده.

وجد نفسه وحيدًا تُحدّق به وحشة عميقة، واعتراه انقباض وخوف مما سيحمله إليه الغد. ولم يجد أمامه سوى الكتاب المقدس الذي ورثه عن أمه، فشرع في مطالعته. وفيما هو يقلّب صفحاته عثر على آية تحتها خط أحمر وعلى هامش الصفحة مكتوب:

"إلى ابني سامي. من قلبٍ محبّ".

فقرأ الآية بكثير من الاهتمام وإذا بها تنبر على محبة المسيح وعطفه وتقول: "من يقبل إليّ لا أخرجه خارجًا". وقرأ في مكان آخر "ومن يؤمن بي فله حياة أبدية".

توقف برهة عن القراءة، وتطلّع نحو السماء يخاطب الرب وقال:

"يا رب، إنني أؤمن بك، وأتمسّك بوعدك، فاقبلني آتيًا تائبًا لكي أكون في محضرك عندما يوافيني الأجل".

في تلك الليلة ونحو الساعة العاشرة ليلاً، بينما كان ماكثًا إلى جوارها، أمسك بيدها، وقال لها بقلب مفعم بالأسى والفرح في آنٍ واحد، وأخبرها كيف تعامل الرب معه في أثناء غفوتها. فتألّقت بسمة على شفتيها وقالت بصوت هامس:

- إلى اللقاء يا بني.

ولم تلبث بعد زمن قصير أن أسلمت الروح.

في إمكاني أن أتوقف هنا وأنهي هذه القصة. ولكن لا بد لي أن أتابع بعض أحداثها التي لعبت دورًا كبيرًا في حياته.

فبعد أن أنهى دراسته الجامعية ووجد لنفسه عملاً، انكبّ على دراسة الكتاب المقدس، وابتدأ بمساعدة راعي الكنيسة التي انضمّ إليها، يكتشف روعة تعاليم المسيح، وقوته في حياته. لم تبرح كلمة "إلى اللقاء" من مخيّلته، فهو أيضًا يريد أن يلتقي بأصدقائه وأقربائه في الحياة الأبدية. ولم تمضِ عليه خمس سنوات حتى استطاع أن يزور كل عائلة تقيم في قريته ليحدّثها عن محبة يسوع وخلاصه. وما لبث أن أحسّ أن الله يدعوه كي يكرز بالكلمة في القرى المجاورة، فكان ينتقل من قرية إلى قرية متوكئًا على عصاه، يحمل تحت إبطه الكتاب المقدس. وكان يقول لكل من سلم حياته إلى المسيح: إلى اللقاء في الأبدية لأنه لم يكن يدري أنه سيلتقي بالمؤمن الجديد فيما بعد على هذه الأرض أم لا.

وعندما قربت شمس حياته على الغروب، كانت الفرحة تغمر قلبه لأنه كان واثقًا أنه سيلتقي بوالديه وأنهما بانتظاره عند أبواب السماء.

وأنا أقول لكل مؤمن أعرفه، أو لا: إلى اللقاء.

المجموعة: حزيران (يونيو) 2011

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

556 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577704