Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الثاني November 2011

الدكتور لبيب ميخائيل قال لي الشاب الجالس أمامي: حصلت على نسخة من الكتاب المقدس، وبدأت في قراءتها، لكنني أقول بصدق: إنني لم أفهم ما قرأت، فوضعت الكتاب على الرفّ ولم أعد لقراءته!

هذا الشاب، مثله آلاف حصلوا على الكتاب المقدس، ولما قرأوه ولم يفهموه ركنوه ولم يعودوا إليه.

من هنا كان من الأهمية بمكان أن نعرف الأسلوب الذي به نفهم الكتاب المقدس حتى نستمرّ في قراءته ونستفيد منه.

يذكر سفر أعمال الرسل أن ملاك الرب كلّم فيلبس ليذهب على الطريق المنحدرة من أورشليم إلى غزة. ولما ذهب وجد رجلاً حبشيًا كان وزيرًا للمالية لكنداكة ملكة الحبشة، ووجد الرجل يقرأ سفر إشعياء بصوت مرتفع. فقال الروح لفيلبس تقدم ورافق هذه المركبة. فبادر إليه فيلبس وسمعه يقرأ سفر إشعياء، فقال له: "ألعلّك تفهم ما أنت تقرأ؟". وأجابه الوزير: "كيف يمكنني إن لم يرشدني أحد؟".

كان هذا الوزير يحمل العهد القديم من الكتاب المقدس أينما ذهب، وكان يقرأه مع أنه لم يفهم ما يقرأ، وكان رجلاً متواضعًا، فقد طلب من فيلبس أن يصعد ويجلس معه، وقد قاده فيلبس إلى معرفة المسيح المصلوب، وعمّده بعد إيمانه به.

وهدفي من كتابة هذه الرسالة أن أشجع قارئ الكتاب المقدس على الاستمرار والاستفادة من قراءته حتى ولو وجد فيه أشياء عسرة الفهم. وأضع رسالتي في هذه الكلمات:

أولاً: الأهمية القصوى لفهم الكتاب المقدس

القراءة بلا فهم تعطي للشيطان الفرصة لخطف الكلمة من قلب القارئ. قال المسيح: "كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلاَ يَفْهَمُ، فَيَأْتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ". (متى 19:13)

وكتب بولس الرسول للقديسين في فيلبي: "وَهذَا أُصَلِّيهِ: أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُمْ أَيْضًا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَفِي كُلِّ فَهْمٍ، حَتَّى تُمَيِّزُوا الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا مُخْلِصِينَ وَبِلاَ عَثْرَةٍ إِلَى يَوْمِ الْمَسِيحِ" (فيلبي 9:1-10).

الفهم يعطي للقارئ القدرة على تمييز الأمور المتخالفة، أي تمييز الأمور الوقتية والأمور الأبدية.

لما التقى الرب يسوع بعد قيامته مع تلاميذه "قَالَ لَهُمْ: هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ. حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ" (لوقا 44:24-45). ففهم أسفار العهد القديم ضرورة لمعرفة حقيقة المسيح.

 

ثانيًا: الطريق لفهم الكتاب المقدس

الكتاب المقدس كتاب فريد، لا يضارعه كتاب آخر في العالم، فيه أعلن الله عن ذاته، وصفاته، وعن حبه، وعدله، ورحمته، وحكمته، وعظمته وارتفاعه.

وفي أسفار الكتاب المقدس لبن للأطفال، وطعام قوي للبالغين.

كتب كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "لأَنَّكُمْ ­ إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ ­ تَحْتَاجُونَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ مَا هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ، وَصِرْتُمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى اللَّبَنِ، لاَ إِلَى طَعَامٍ قَوِيٍّ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ الْبِرِّ لأَنَّهُ طِفْلٌ، وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ" (عبرانيين 12:5-14).

ويقول بولس الرسول لأهل كورنثوس: "وَأَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَال فِي الْمَسِيحِ، سَقَيْتُكُمْ لَبَنًا لاَ طَعَامًا، لأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ تَسْتَطِيعُونَ، بَلِ الآنَ أَيْضًا لاَ تَسْتَطِيعُونَ، لأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ..." (1كورنثوس 2:3-3).

ولكي تصل إلى درجة البلوغ، عليك أن تقرأ الكتاب المقدس يوميًا بذهن مفتوح وتطيع وصاياه عمليًا في حياتك.

ها أنت قد عزمت على قراءة الكتاب المقدس، فاتبع الخطوات التالية:

1- خصّص وقتًا معيّنًا، ومكانًا معيّنًا لتقرأ فيه الكتاب المقدس. وقبل أن تبدأ القراءة اطلب من الرب أن يفتح عينيك لترى وتفهم عجائب كلمته، وليكن لك دفتر مذكراتك مع كتابك المقدس لتكتب فيه تأملاتك وأسئلتك.

صلّ صلاة كاتب المزمور: "اكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ". (مزمور 18:119)

واعرف ما قاله سفر الأمثال: "اَلنَّاسُ الأَشْرَارُ لاَ يَفْهَمُونَ الْحَقَّ، وَطَالِبُو الرَّبِّ يَفْهَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ" (أمثال 5:28). واذكر قول الرب لإرميا النبي: "اُدْعُنِي فَأُجِيبَكَ وَأُخْبِرَكَ بِعَظَائِمَ وَعَوَائِصَ لَمْ تَعْرِفْهَا" (إرميا 3:33).

2- إن أردت التعمّق في فهم ما تقرأ من الكتاب المقدس، فاستخدم ما أسميه "أصدقاءك الستة": مَن؟ متى؟ أين؟ ماذا؟ كيف؟ ما؟

مَن؟ اعرف مَن الكاتب، ومن المكتوب إليهم، ومن هم الأشخاص البارزين في السفر الذي تقرأه.

متى؟ متى كُتب السفر الذي تقرأه؟ وهل حدث ما ذكره السفر في الماضي أو يحدث في الحاضر، أم سيحدث في المستقبل؟

أين؟ أين كُتب السفر الذي تقرأه، وأين الموقع الجغرافي الذي كان مسرحًا للحوادث المذكورة في السفر؟

ماذا؟ ماذا كانت الأسباب وراء الأعمال، والتحذيرات والإنذارات الموجودة في السفر؟

كيف؟ كيف أثّرت حوادث القصة في أبطالها، وفي كاتبها، وكيف تؤثر في حياتك الشخصية؟

ما؟ ما هو الموضوع الرئيسي في الأصحاح الذي تقرأه؟ وما هي الآية التي تعتبر مفتاحًا له؟ وما هي الكلمة التي تكررت فيه؟ وما هو التعليم الذي نجده عن الآب، والابن، والروح القدس؟ وما هي الوصية التي عليك أن تطيعها، والوعد الذي من حقك أن تطالب به؟

 

3- ثق من كل قلبك في أن الكتاب المقدس كله موحى به من الله، وهناك براهين كثيرة على صدق وحي الكتاب المقدس.

(أ) برهان ترتيبه، (ب) برهان صدق نبواته، (ج) برهان صحة الحقائق العلمية والتاريخية الواردة فيه، (د) برهان وجود يسوع المسيح مرموزًا إليه في قصصه وشخصياته، (هـ) برهان فرادة وصاياه، (و) برهان وحدة أسفاره، (ز) برهان شهادة المسيح لوحيه.

"عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2بطرس 20:1-21).

عندما تقرأ الكتاب المقدس مؤمنًا بأنه كلمة الله الصادقة، سيفتح الرب ذهنك لتكتشف كنوزه.

 

4- قارن الآيات العسرة الفهم بالآيات السهلة الفهم واربط الآية التي تدرسها بالقرينة أي بالآيات السابقة لها والآيات اللاحقة بها.  واعرف إذا كانت الآية ممكن تفسيرها حرفيًّا أو فيها تشبيه أو مجاز.

إذا قرأت آيات وجدت أنها عسرة الفهم، استمرّ في القراءة وستفهمها فيما بعد.

قال بطرس الرسول للمؤمنين: "وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِي الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هذِهِ الأُمُورِ، الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ، كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ" (2بطرس 15:3-16).

في الكتاب المقدس أشياء عسرة الفهم، لكي تفهمها عليك أن تقارن الروحيات بالروحيات
(1كورنثوس 13:2)، وتدع الآيات السهلة المفهومة تفسّر لك الآيات العسرة الفهم، وتربط الآية بالقرينة فيتّضح لك معنى الآية. واعرف إذا كان من الممكن التفسير الحرفي للآية، أو أنها جاءت بصيغة المجاز، أو بلغة التشبيه. فمثلاً يقول بطرس الرسول: "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو". فبطرس لم يقل أن إبليس أسد بل قال كأسد مشبهًا إياه بالأسد. وهناك آيات كثيرة فيها تشبيه أو مجاز يجب أن تلتفت إليها.

5- اقرأ الكتاب المقدس باعتباره وحدة مرتبطة بخيط ذهبي.

فأنت لن تفهم سفر رؤيا يوحنا، آخر أسفار الكتاب المقدس، إلا إذا قرأت سفر التكوين، أول أسفار الكتاب المقدس. ولن تفهم الرسالة إلى العبرانيين إلا إذا قرأت سفر اللاويين. وهكذا ترى وحدة الكتاب التي شهد لها يسوع المسيح إذ استخدم آيات من سفر التثنية ويونان، وإشعياء، ودانيآل، ليعلن عن وحدة الكتاب المقدس وصدق وحيه.

 

6- اقرأ الكتاب المقدس لتعرف شخصياته وموضوعاته.

اعرف نوح، وإبراهيم، وموسى، وداود، وسليمان، وغيرهم من شخصيات الكتاب المقدس. تعلّم إيمانهم، وتعلّم أيضًا من سقطاتهم وضعفاتهم، وسترى أمانة الوحي في ذكر نقاط القوة والضعف في شخصيات الكتاب المقدس. ومع دراستك لشخصيات الكتاب المقدس، ادرس موضوعاته المتعددة: الإيمان، الخلاص، الصلاة، الصراع مع قوات الظلام، السلوك في النور، القلق، التفكير السليم...

إن الكتاب المقدس جامعة كبرى، وكل سفر فيه له رسالة. فسفر التكوين هو سفر البدايات، وسفر الجامعة هو سفر بطلان كل ما هو تحت الشمس، وسفر الأمثال هو سفر الحياة العملية، وسفر أيوب هو السفر الذي يزيح الستار عن سبب آلام القديسين، وسفر أستير هو سفر يد الله المخفية.

إن الكتاب المقدس يبهر العقل. هو سيف الروح، وهو نور في طريق المؤمن. طوبى لمن يقرأه ويتلذّذ به، ويفهمه!

7- اسأل خدام الرب المتعمّقين في فهم كلمته عن ما يتعذّر عليك فهمه

لما سأل فيلبس وزير مالية الحبشة "ألعلّك تفهم ما أنت تقرأ؟" أجاب الوزير باتضاع: "كيف يمكنني إن لم يرشدني أحد؟".

فابحث عن خادم للمسيح متعمّق في فهم كلمة الرب، ليشرح لك ما يعسر عليك فهمه.

والرب تبارك اسمه أعطى هبات متنوّعة للمدعوّين لخدمته... لأجل تكميل القديسين، "وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ. كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالاً مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ النَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ". (أفسس 11:4-15)

 

ثالثـًا: المجد الذي سيناله الفاهمون

إذا كنت من الفاهمين لما تقرأه في الكتاب المقدس، فإن هناك مستقبلاً مجيدًا ستناله في الأبدية، تعلنه الكلمات: "وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ" (دانيآل 3:12).

فإذا قرأت الكتاب المقدس بفهم وعمق فستضيء في الأبدية كضياء الجلد، بمعنى أنك ستكون كوكبًا لامعًا بين المؤمنين. فلعلّ هذا الوعد يدفعك للاجتهاد لفهم ما تقرأ من الكتاب المقدس وتكريس الوقت الكافي لدراسته كل يوم.

المجموعة: تشرين الثاني November 2011

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

114 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10554041