Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الثاني - شباط Jan Feb 2012

الأخت أدما

التقيتُه مؤخّرًا صدفةً، بعد أن خرجت وزوجي من القاعة التي أُقيمت فيها مراسيمُ الجنازة لإحدى الأخوات الفاضلات. وهناك وبعد أن شرعت في إلقاء التحية عليه، ردَّ قائلاً: ذكّريني  باسمك يا أختي. ولمّا فعلتُ، نظر إليَّ بتفحُّصٍ وقال: أ..  أنتِ التي تكتبين في المجلة، أليس كذلك؟ قلت: نعم. عندها قال معلّقًا: نعم، نعم، أنت، أنت التي تكتبين عن المرأة! وهزَّ برأسه ضاحكًا. قلت له ببراءة مصحِّحة معلوماته: نعم، لكنْ بضعَ مرّات في السنة فقط وليس في كل عددٍ منها. عندها كان الوقت قد حان لنصافح أناسًا آخرين من الجمع المحتشد. فاستأذنت وتركته، أما سؤاله وتعليقه فلم يبرحا من ذهني. لأنني لم أكن متأكدة فيما إذا كان بتعليقه ذاك يذمُّني أم يمدحني!!

وأحسستُ في داخلي بإحساس آخَر انتابني، ألا وهو إحساسٌ بسخريته مني لأنَّني أتناول مواضيع تخصّ المرأة العربية ومعاناتها سواءً في البلاد التي تركناها، أم هنا في ديار الغربة التي هاجرنا إليها. وقلت في نفسي: أيُعقل أن ينظرَ إنسان بالغ راشد وأخٌ في عائلة المسيح  يؤمن بتعليم الكتاب المقدس، هذه النظرة المستغرِبة إلى موضوعات تحكي شؤون المرأة وشجونها؟ ولكن ما هي إلا دقائق حتى ذكَّرني زوجي بلقاءٍ آخر سابق جرى أيضًا مع نفس الشخص منذ سنين عديدة خلتْ. إذ وجّه لي حينذاك انتقادَه الصريح لكتاباتي. لم يناقشْ عندها الأفكار التي حملتها التقارير أو المواضيع المعروضة في المقالات، بل راح ينتقد بشكل لاذع الاتجاهَ الذي انطلقتُ منه، حتى خِلْتُ نفسي ولو للحيظاتٍ وكأنَّني أنتمي إلى حركة تحرير المرأة المعروفة في أميركا. تمامًا كما ينسب البعضُ إلى المجموعة التي تطالب ببعض الحقوق والإصلاحات التي تخص الشعب والمجتمع هنا في أميركا بأنها مجموعات ذوي ميولٍ ليبرالية!!! فضحكت في سرِّي.

 

*   *   *   *   *

نعم يا سادتي يا كرام، فنحن حين نحكي قصة المرأة ومشاكلها ونسلِّط الأضواء على معاناتها، لا نهدف بذلك إلا خلقَ التقارب ونشرَ السلم والسلام، وليس العكس الحرب والخصام! إننا ننسى أحيانًا كثيرة أنَّ المرأة العربية التي نتكلم عنها والتي طالما تجاهلَتها  مجتمعاتنا وحكوماتنا، لهي نصف المجتمع، وهي ربَّة الأسرة، وهي أيضًا مربية الأجيال الصاعدة. هي النظير بحسب وصف الله الخالق نفسه لها، وهي المعين لشريك حياتها، وهي الأنيس والرفيق والشريك. (تكوين 18:2). وتسليطُنا الأضواء على مشاكلها وسعيُنا لإيجاد حلولٍ لقضاياها ينبغي ألاَّ يثير السخرية أو الانتقاد بغير موضوعية. بل على العكس، وبسبب معرفتنا وإدراكنا تمامًا لمعاناتها في مجتمع ذكوري سلَبها حقوقها المشروعة، علينا أن نشجع على تغيير الاتجاه فنوليها بالحق الاهتمام الكافي الذي يليق بها وبقدْرها ومركزها؟!

ليتنا نعي يا إخوتي وأخواتي، ماذا يعني أنَّنا نعيش في القرن الحادي والعشرين!  وينبغي أن أذكّر هنا بأن بعض المجتمعات التي تركناها ورحلْنا عنها قد بدأت تتغير فعلاً وأصبحت تناضل في سبيل حقوق المرأة وكيفية معاملتها حتى إنها تعيش تغييرًا جذريًا يتناسب مع الزمن الحاضر. نعم، لقد ارتقت مفاهيم العديدين في تلك المجتمعات وأصبحوا متفهِّمين لوضع المرأة القائم، ولهذا يجري السعي من أجل الإصلاح والحصول على الحقوق المشروعة. بينما نرى البعض منا هنا - ويا للأسف - ما يزال يعيش في عقلية البلاد في ديار الغربة وقد فاته قطار التغيير في العقليات وبقي على حاله منذ أن  ترك الأرض ورحل عنها، وربما حجته الوحيدة  هي أنه من اللزام علينا عدم مجاراة الغرب واتباع طرقه.

كلاّ يا صديقي، فلا المجاراةُ هي المقصودة، ولا التحجُّر هو المطلوب. بل الاحترام المتبادل، والثقة الكاملة، والكلمة اللطيفة، والمحبة الباذلة، والتخلي عن الأنانية والذات، والاعتراف بالحقوق والواجبات هذا ما نسعى من أجله. هذا هو العشّ الزوجي المطلوب، والعلاقة الزوجية الحميمة، التي تعكس الصورة الصحيحة لتعليم الفادي والرب يسوع المسيح، الذي وهو الرأس، بذل نفسه من أجل الكنيسة التي أحب، إذ افتداها بدمه الغالي والثمين.

"أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا... كَذلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ... وَأَمَّا أَنْتُمُ الأَفْرَادُ، فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ هكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا"  (أفسس 5: 25-33).

هذه هي الصورة التي نتطلَّع إليها علّنا نرقى إلى مثالها وتطبيق حتى ولو جزء بسيط منها. لأننا لو فعلنا لعشنا سعداء، يربطنا الود والحب، والكلمة الحلوة، واللفتة الحانية. لقد اعتاد الكثير من الأزواج على الفظاظة في معاملة زوجاتهن لأنَّ مجتمعنا لم ينظر قطُّ نظرة التساوي معها. ومن المؤسف أنَّنا نحن مسيحيي الشرق قد انخرطنا في تبنِّي هذه العادات غير المحببة التي نراها تمارَس في مجتمعاتنا ومن دون أن نشعر حتى صارت جزءًا من طباعنا اليومية وعلاقاتنا. لنقف هنيهةً ولْنُعِدِ النظر في أصولها، عندها سنرى أنها ليست من تراثنا المسيحي وليست من تعاليم الرب يسوع المسيح الذي أحبّ فبذل نفسه.

أرسل إليها باقةً من الزهور

نعم، ليس في عيد الحب فحسب، بل في ذكرى زواجهما. مع أنه انقضى على هذه الذكرى سنون عديدة لا بل قلْ عقودًا كثيرة، إلاَّ  أنَّ وجودهما معًا وهما يجلسان جنبًا إلى جنب... يده تحتضنها وهي تحني رأسها بكل سرور ورضىً على صدره، هي الصورة الزاهية الجميلة التي ما فتئت تتكرر يومًا بعد يوم وسنة بعد أخرى. بينما راح هو يهمس في أذنها همسات الود، ويعبِّر لها عن إعجابه وامتنانه اللذَين يزدادان بها يومًا بعد يوم وسنةً بعد أخرى. إنها صورة زاهية لزواجٍ سعيد رغيد فيه من الحب الكثير، ومن الاحترام والتقدير أكثر. شريكان في الحياة بقيا، وأرادها كذلك حتى في الممات. كيف؟ فهو قد أوصى وقبل أن يموت، وهو العارف أنَّ نهايته آتية لا محالة بسبب المرض، أوصى بائع الزهور بألاَّ ينسى ذكرى زواجه لعروسه العجوز، وأنه ينبغي أن يوافيها بباقة من الزهور المحببة على قلبها تمامًا كما كان يفعل هو كل سنة. وفوجئت العروس "العجوزة" بنقرٍ خفيف على بابها في ذكرى زواجها. ترى من يكون القادم؟ الزوج سبقها وانتقل. من؟ تساءلت...  ولما فتحت الباب وجدت باقة من الزهور كتلك التي سبق لعريسها العجوز أن يجلبها لها في ذكرى زواجهما. شهقت من دهشتها العظيمة وراحت تقول في نفسها: أهو حلم أم حقيقة؟ أهو خيال أم مجرّد آمال؟ كلاَّ، بل هي باقة وردٍ حقيقية وفيها بطاقة بخط يده هو، فقرأت: علمت أنني لن أكون معكِ في ذكرى حبنا، لذا فأوصيتُ بائع الزهور بأن يقوم بالمهمة بدلاً عني. أحبُّك يا زوجتي يا عروسي يا حبيبتي ويا أم أولادي. أحبك يا رفيقة عمري، ويا سندي.

والسؤال الآن هو: هل يا ترى تعكس علاقاتنا الزوجية هذا النوع من الحب الذي يفكر في الآخر؟ لن نقول بعد الموت، فهذا نادر الحدوث مع أنه حصل لصاحبة القصة أعلاه. لكنَّنا نقول: دعونا نقيّم علاقاتنا الأسرية، ونصحّح ما فيها من اعوجاج، علّنا نستعيد حيويتها، وبريقها، فنعود لننعم بالانسجام، والاحترام، والوئام. عندها، وعندها فقط نعكس الصورة الصحيحة النيّرة التي أرادها الله الخالق منذ بداية الخليقة. ليس لأننَّا لم نعد نخطئ، كلاَّ، بل لأنَّ خطايانا قد كُفِّر عنها إلى الأبد. فقط علينا أن نعبِّر عن مكنونات قلوبنا، ونترك مجالاً ليحلّ الكلام اللطيف الذي يصرف الغضب، والتعابير اللينة أن تفعل فعلها، وكلمات الحب التي سرعان ما ستجد لها صدى في القلوب. هل هذا طلب مستحيل؟ أم هو حقٌّ على كلا الزوجين أن يعيشا في إطاره وضمنه لكي يتمتّعا بحياة الرغد والهناء؟ كلاَّ هذا ليس طلباً فقط يتماشى مع العصر، ولا هو بفرضٍ تطالب به جمعية نسائية متحررة، بل لأنه واجبٌ أملاه الله القدير على الإنسان بشقَّيه ليعيش في إخاء وسلام وانسجام في العش الزوجيّ. فهل نعود لنحيي هذا الواجب في بيوتنا وعلاقتنا مع زوجاتنا وأزواجنا. الحب المطلوب ليس هو التظاهر أمام الآخرين، بل هو فعلٌ حقيقيٌّ وأداءٌ نقوم به من كل القلب في كل يوم، حتى بالتالي ترى الأجيال ثمر الإيمان في الحياة اليومية! وسرعان ما يحذو حذو حبّنا لبعضنا البعض أولادنا فلذات كبدنا من بعدِنا.

المجموعة: كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

96 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10556171