Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الثاني - شباط Jan Feb 2012

القس وهبي

أستند في هذه الرسالة على ما جاء في كلمة الله في خروج 14:33، قال الله: "وجهي يسير فأريحك".

كان شعب الله القديم الذي خرج وشيكًا من مصر قد أَبَلَّ من سقطته الشوهاء الشنعاء، وتاب وأناب وثاب إلى الله بعد أن انحنى وعَنَتْ جبهته لعجل الذهب "أيبس" في مصر يعبدونه، وجاء موسى وقاد الشعب مرة أخرى، ورده إلى الله في توبة، وفي شعور بالمذلة والهوان اقتضتهما خطيئتهم. وعندما تاب الشعب وندم وانسحق وذُلّ، صلى موسى لأجله، وقُبِلَتْ صلاته، وَرَدَّ الله سـبي الشعب.

 

وأحسّ موسى بأنه صار يواجه أمرًا خطيرًا، فهو يقود شعبًا صلب الرقبة وعنيدًا، تجري في عروقه دماء العبيد الذليلة إثر العبودية الطويلة التي تذوّقها في أرض مصر تحت كَلْكَلِ الفراعنة - ولأجل ذلك شعر بأنه غير كفءٍ وحده لأن يتحمّل مسئولية حكم هذا الشعب وتطويعه، ثم قيادته بعدئذ في البرية الجرداء في سيناء، إلى أن يدخلهم أرض الميعاد.

كان ذلك يبدو مستحيلاً! لذلك التمس من الله، بعد أن قَدَّرَ وقرر أن يكون الله شريكًا كاملاً يتحمل مسئولية قيادة الشعب، ويحمله عبر الصحراء الجرداء في فَدَافِدِ سيناء ومنعطفاتها المجهولة حتى يدخله إلى كنعان، وَقَبِلَ الله هذا الرجاء، وقطع معه عهدًا مقدسًا أن يسير معه وقال له: "وجهي يسير فأريحك" (خروج 14:33).

وكلمة: "وجه" جاءت فى معظم الترجمات الإنجليزية المعتمدة: My Presence تعني حضوري أو حضرتي. لكن الترجمة العربية أقرب الى العبرية لأنها جاءت في الأصل العبراني: "وجهي"، أو بالجمع "وجوه" والإشارة هنا إلى أن الله سبحانه كان يتكلم دائمًا بالجمع، كما يقول: "إيلوهيم" والـ "يـم" هي للجمع. وكما يقول: "نصنع الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تكوين 26:1).

والإشارة واضحة إلى أن هذا الحضور الإلهي لشخصية الرب نفسه ليس حضورًا مائعًا أو غامضًا ولكنه حضور حقيقي ومعنوي وشخصي، لأن الوجه دائمًا يميز شخصية الإنسان ويحددها، ولأجل ذلك قال الله: "وجهي" أي حضوري بوجهي وبشخصيتي. وأراد أن يقول لموسى: سأكون معك، وسأواجه معك مسئوليات يومك وغدك، وأتحمّل مسئوليات أمسك".

أيها الأحباء، مهما كانت اهتماماتنا بالتاريخ وبموسى وبالشعب، بمعاملات الله في البرية معهم، أريد أن أنقل هذه الرسالة، لتكون رسالة شخصية لكل منا في ظروفه الخاصة. فكلنا كموسى والشعب... مسافرون أو مهاجرون إلى كنعان الأبدية... إلى السماء. كلنا مسافرون مثله على صحراء العالم الجرداء التي مهما قدّمت، فإنها لا تقدم ما يروي. "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا" (يوحنا 13:4). فنحن في معطشة، والدليل على ذلك أن أمورًا كثيرة توافرت لنا في هذا العالم ولكننا لا نشبع بغير شخص الرب حتى ينزل إلينا ويتنازل ويباركنا ويشاركنا حياتنا.

ولأجل ذلك أريد أن نُنَاقِلَ البصر والفكر بين شعب الله القديم وموسى في سيناء والكنيسة، وبين كل منا كفرد في حياته اليومية ومسئولياته ولنلتمس من الله أن يتنازل ويكون شريكًا كاملاً عاملاً مع كل منا في حياته الشخصية... في ماله، وآماله، وعمله، وعالمه، وعلمه بحيث يخترق وجود الله كل ما نعتزّ به، وكل ما ننصرف إليه بجمع أنفسنا، لكي يكون الله شريكًا كاملاً... في شركة كاملة هي شركة الله وأنتَ... الله وأنتِ كما قالوا: "رأى الروح القدس ونحن" (أعمال 28:15).

هذا يأتى بي إلى الفكرين في الرسالة:

الفكر الأول: وجهه المليح

والفكر الثاني: وجهه المريح

"وجهي يسير"، هاتان الكلمتان تمثّلان الفكر الأول، إذ "وجهه المليح" يسير أمام كل منا، ثم "وجهه المريح" واضح في الكلمة الأخيرة "ويريحك"... ويريحنا.

وجهــه المليــح

نحن نرفض بالطبع أن نتحدث عن وجه الله الصبيح المليح، كما يمكن أن ينصرف فكر غيرنا من الناس.  فإنه ليس لله وجه كوجه البشر. بل حتى إن قال الرسول أن "مجد الله أشرق في وجه يسوع المسيح" (2كورنثوس 6:4) - لم ير أحد منا يسوع المسيح، ولم ير وجهه حتى يتحدث عن ملاحته.

ثم إن الملاحة أمر اعتباري نسبي، فليست له حدود بعينها. وفي الفن البيزنطي والفن الإغريقي والفنون الأخرى تتشكل صورة الجمال بأنساب مختلفة تتميز في الفن الفرعوني عن الفن الإغريقي والبيزنطي وباقي الفنون الأخرى، حديثة  أو تشكيلية وغيرها. لذلك نستبعد، بل نرفض بتاتًا فكرة أن وجه الله "مليح" من حيث الملاحة أو الصباحة البشرية.  لكن هذه الملاحة في وجهه تبدو في "عمله" الذي ينصرف فيه بِجُمْعِ وجهه إلينا. وهنا، وبمقارنة ظروف الشعب على طريق سيناء نستطيع أن ننتقل إلى ظروفنا الشخصية.

إن وجه الله المليح يهدينا كما هدى الشعب قديمًا في سيناء.

إن وجه الله المليح يحمينا كما حمى الشعب في سيناء. ثم أخيرًا،

إن وجه الله المليح يبنينا كما بنى الشعب في برية سيناء.

ومثلما كان يفعل الله قديمًا للشعب، أو لموسى كممثل لهذا الشعب، صار يفعل لكل من يريد منا أن يكون مع الله، ويدخل في هذه الشركة الكاملة المتكاملة، التي يكون الله فيها ضامنًا متضامنًا، كما يقول رجال الحسابات والبنوك.

وجهه المليح يهدينا

كان الشعب قد خرج من مصر بمعجزة بعد أن شق الله لهم البحر الأحمر. ومهما يقال في تفسير ذلك علميًا، فالمحصلة الحقيقية واضحة وهي أن البحر قد انشق وقتئذ. لم ينشق قبلئذ ولا بعدئذ فيما عدا نهر الأردن، وبأمر من الله أيضًا. إذًا، شقّ الله لهم البحر بطرقه ونواميسه... إن كنا قد اكتشفنا بعضها في الطبيعة أو لم نكتشفها، فالله هو الذي فعل.

ثم قادهم إلى سيناء، وصعد موسى لكي يتقبَّل وحي الشريعة... ثم كسرهما بعد أن كسر الشعب الشريعة فعلاً بعبادتهم للوثن. ووجد موسى نفسه صغيرًا جدًا عن أن يتحمل مسئولية شَعْبٍ لَجِبٍ، عنيدٍ ومعقّد! كذلك احتار الشعب وقتئذ، من سيقوده ويحكمه؟! من ينظم تعاملاته الشخصية والمادية والاجتماعية؟! من يطعمه في البرية؟! من يحمله إلى أرض كنعان؟!

كان لا بد له إذًا أن يطلب النجدة، ووجدها في شخص الرب. ووجد الرب قائدًا ورائدًا له في عمود النار وفي عمود السحاب وماذا أكثر من ذلك؟! فعندما يتحرك العمود يتحرك الشعب في المحلة في المعسكر، ثم يتوقف العمود ويتوقف الشعب. إن عمود النار ينير عليهم ليلاً، وعمود السحاب يظللهم نهارًا! ما أعجبك يا رب في قيادتك!!

إلى هذا الحد، أعزائي القراء، يقودكم الله إذا قبلتم قيادته! نعم، إنه يتنازل، ورغم وجود أكثر من 6،6 بليون نسمة! تصوّروا 6،6 بليون نسمة مجمل سكان العالم اليوم، ولكل واحد طلباته وانتظاراته وحاجياته! ومع ذلك، يبقى الله قادرًا أن يتنازل لكي يقود كل واحد إن أراد السير على طريق سَوِيٍّ في برية هذا الوجود.

لا أعتقد أيها الأحباء، ومثلما قال سكريزمان، الذي كان ينافس هتلر على رئاسة ألمانيا وكان بنزعته إنسانيًا بخلاف هتلر الدموي، الذي أراد أن يستعرض عضلاته كشمشون، فحطّم العالم وحطم نفسه وراح في الأنقاض! قال سكريزمان: "إنه لا يُعقل أن يكون الله الطيب الحكيم المحب أن يكون قد صنع عالمًا لكي يكون نهبًا للصراعات الدامية. في داخله صراع وفي خارجه صراع، ويعيش كل أيامه تحت غبار الحرب الضروس... لا يعقل!".

وتلاحظون أن الذين لا يؤمنون بالله، يتخذون هذه المسألة ذريعة لإنكار الله فيقولون: "لا يُعقل أن يكون الله موجودًا ويكون هذا هو حال العالم". لقد صنع الله كل شيء كما صنع جنة عدن، لكنه ترك لآدم ولحواء – في حريتهما وفي تساؤلهما - ترك لهما أن يسوسا الجنة وعَثُرَ حظهما! ولأجل ذلك تحولت الجنة الى جحيم مقيم، وطردا فورًا من ذلك النعيم.

ما ذنب الله في هذا؟ كان يمكن أن يصنع آدم وحواء والبشر كما صنع ملايين الملائكة، يطاوعون لخدمته بلا إرادة ولا عناد. لكن الله لم يشأ ذلك بل أعطى للإنسان قدرًا مناسبًا من الحرية يكفي لمساءلته حتى لا يقال أن الله قد قصر في شيء.

ومع ذلك أيها الأحباء، يجيء الله ليتحمل المسئولية؛ مسئولية القيادة لو قَبِلَ الناس: "كم مرة أردت... ولم تريدوا. هوذا بيتكم يُترك لكم خرابًا" (متى 37:23-38). ينبغي أن يتحمّل الإنسان كل مسئولياته. فإذا رأى أنه أصغر من أن يحملها فليأت إلى الله، والله قادر أن يتحمل المسئولية معنا ويقودنا إلى الطريق السوي.

قاد الله الشعب قديمًا بعمود نار وعمود سحاب ليلاً ونهارًا حتى أوصلهم إلى كنعان. وكذلك هو قادر أن يهديكم في كل مشاكلكم.

هل أمامك مشكلة؟ هل أمامك مسئولية؟ هل أمامك لغز محير؟ لماذا لا تأتي به إلى الله وتركع قدامه، ثم تضع المشكلة، وتلتمس من الله، وتنتظره حتى يتكلم، وتحاول أن تفهم، لكى تستطيع أن تكتشف رأيه السديد المجيد. هكذا يستطيع الله ويريد أن يقود كلاًّ منا إن أردنا، ويقول: "وجهي يسير فأريحك" (خروج 14:33).

إنه يهدينا على طريق برية حياتنا في مشاكلنا وشواغلنا ومعميات حياتنا. إنه يهدينا خطوة فخطوة: "أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ"  (مزمور 8:32).

بعد أن يهدينا كما هداهم إنه يحمينا كما حماهم

لقد حماهم من الحيات المحرقة، وحماهم من خصومهم الألداء الأشداء. كان الله يحميهم ليلاً ونهارًا. وكان يوفر لهم الطعام والشراب في البرية، وكذلك كان أيضًا يحميهم حتى أوصلهم إلى كنعان. لكنهم عندما رفضوا إطاعته سمح للحيات أن تلدغهم. وعندما تنكروا وتنمروا عليه ابتلاهم بالأوبئة..

كان الله يحميهم وكذلك هو يحمينا. "مَنْ أَنْتِ حَتَّى تَخَافِي مِنْ إِنْسَانٍ يَمُوتُ؟" (إشعياء 12:51). إن الذي حافظ على شخصية الشعب قديمًا فلم يندمج، ولم يذُب في الشعوب، لا زال يحافظ علينا ويحمينا من تجارب كثيرة. هل يتعرض أي واحد منا لتجارب روحية أو أدبية؟! أو شهوات تلح عليه؟! لا تخافوا! "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع أجناد الشر الروحية" (أفسس 12:6). ولكن الرب يسوع المسيح يتقدم لكي يسحق كل أعدائنا! إنه يسحق الشيطان تحت أرجلنا سريعًا! وينصرنا على الخصوم الأشرار! إنه قائدنا الظافر المنتصر!

ولكن بعد أن يهدينا كما هداهم، ويحمينا كما حماهم، هو أيضًا يبنينا كما بناهم

لقد بناهم اجتماعيًا أولاً، فقد خرجوا لفيفًا غير منتظم من البشر، لا شكل لهم، ولا وضع لهم، ولا حكومة لهم، ولا مقومات للأمة فيهم، ومع ذلك حفظهم وبناهم في تماسك عجيب، لأنه كان هو كالمغناطيس الأعظم يشدهم، ويحتفظ لهم بشكلهم المادي والجسدي والمعنوي.

وكذلك بناهم روحيًا ثانيًا، عن طريق وجوده معهم في خيمة الاجتماع... في العبادة بمقوماتها، وفي الفرائض والناموس الطقسي والروحي والمادي الذي وضعه عليهم. وهكذا تلاحظون أنه يبنينا اليوم... لا يوجد شيء يجعل الإنسان متماسكًا - لا ثقافته، ولا ثروته، ولا تجربته، ولا مركزه الاجتماعي إلا أن يكون المسيح في حياته. وعندما يقبل يسوع في حياته ربًا ومخلصًا وحيدًا وفريدًا عندئذٍ تحدث المعجزة، ويحدث التماسك الداخلي، والتنسيق بين الصراعات الداخلية والفكرية والعاطفية، ثم يحدث بعد ذلك التوحيد في الشخصية البشرية.

إن وجود الكنيسة بدون المسيح لا يحقق هذا البناء. إن وجود المائدة المقدسة التي نلتف حولها وهي جسد الرب ودمه - بدون الإيمان الحقيقي الفعال في ذاته، في ذات الإنسان، لا يجدي فتيلاً. وماذا تجدي مائدة الرب ولا يجلس عليها الرب؟!

أيها الأحباء: لأجل ذلك لا بد لنا من أننا نتأكد بوجود الله في حياتنا. هذا وحده يبنينا. وأنتم تعرفون أن الله لا يقبل أن يوجد في بيت صّيره الناس مغارة لصوص، إنما يريد أن يكون بيتًا روحيًا مقدسًا.

فلنبدأ في داخلنا بالتوبة عن خطايانا وبالإيمان الحي بيسوع المسيح ابن الله، ولنقبل الروح القدس ليسكن فينا ويملأنا، ولنطع صوته في إرشاد واضح - مهما كلفنا ذلك. ولنمارس وسائط النعمة: فنقرأ الكتاب ونصلي ونصوم وندقق في سلوكنا، وعيوننا ناظرة إلى الله.. كعين الأَمَةِ إلى سَيْدَتِهَا.. نريد أن نقول له دائمًا: "ماذا تريدني يا رب أن أفعل؟" (أعمال 6:9) - عند ذلك فقط.. وعندما نرفض خطايانا نتماسك من الداخل، ونُبنى. ثم في الخارج نتماسك أيضًا، ونكون أقوياء ويقول الضعيف: "بطل أنا" (يوئيل 10:3).

يتبع في العدد المقبل

المجموعة: كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

188 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10557345