Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران June 2012

Rev. Rasmi Ibrahim

لا نعرف شيئًا عن هؤلاء الخزافين إلا ما ذكره الكتاب في هذا النص: "هؤُلاَءِ هُمُ الْخَزَّافُونَ وَسُكَّانُ نَتَاعِيمَ وَجَدِيرَةَ. أَقَامُوا هُنَاكَ مَعَ الْمَلِكِ لِشُغْلِهِ". (1أخبار 23:4)
وقفت طويلاً أمام كلمة "الخزافين" وعبارة "أقاموا هناك مع الملك". فمن المألوف أن الملك يجالس الملوك أو على الأقل الموظفين في البلاط الملكي، أو الوزراء. ولكن، أن يسمح ملك لمثل هؤلاء الخزافين أن يقيموا معه فهذا أمر غير منطقي، وذلك للفرق الكبير والكبير جدًا بين الملك وهؤلاء الذين يقيمون معه.
ولما وجدتني مندهشًا انتقلت سريعًا إلى أمر أكثر غرابة من إقامة خزافين مع ملك أرضي ألا وهو أن بشرًا مخلوقين من تراب يقيمون مع الرب يسوع المسيح الذي "لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله"، وأيضًا الذي وهو بهاء مجد الله ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، والذي يقول عنه الوحي المقدس "ملك الملوك ورب الأرباب"! اندهشي أيتها السماوات وتعجبوا يا ملائكتها لأن البشر التراب والرماد والمزدرى وغير الموجود يقيمون مع الله! وحتى لا أطيل، أضع أمام قارئي العزيز كلمتين هما نفس ما اتخذته رأسًا وعنوانًا لرسالتي هذه:
أولاً: أمجد تشريف
وثانيًا: أشرف تكليف

أولاً: أمجد تشريف

هذا أمر يحتاج إلى وقفة خاصة لنتأمل معًا فيما يلي:

1- كرامة حقيقية

يا لها من كرامة عظمى أن يكون الخزافون هؤلاء مع الملك! أي مواطن عادي يحلم بأن يرى ملكًا أو على الأكثر أن يصافحه. وأنا شخصيًا كنت آمل أن أصافح ملكًا أو رئيسًا، وأتذكر أنني في يوم من الأيام جلست مع وزير اسمه ألبرت برسوم سلامة لمدة ساعة كاملة واعتبرت أن ذلك شرفًا عظيمًا! ولكم كنت فخورًا بهذه الجلسة! فيا لها من كرامة أن يوجد هؤلاء الخزافون مع الملك! لكننا نحن المؤمنين لنا كرامة أعظم وأعظم بما لا يقاس، لأننا نوجد مع ملك الملوك ورب الأرباب الذي قال: "عندي الغنى والكرامة قنية فاخرة وحظ".
في الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا، نقرأ عن التلميذين اللذين لما سمعا شهادة يوحنا القوية عن الرب يسوع المسيح تبعاه. ولما سألهما الرب يسوع: "من تطلبان؟" قالا: "ربي الذي تفسيره يا معلم أين تمكث؟" فقال لهما: تعاليا وانظرا. فأتيا ونظرا أين كان يمكث ومكثا عنده ذلك اليوم.  فلو سألناهما: ماذا نلتما من وجودكما مع الرب يسوع في ذلك اليوم، لأجابا: نلنا كرامة ما بعدها كرامة وشرفًا ما بعده شرف.

2- إقامة مجانية

كم دفع أولئك الخزافون ليقيموا مع الملك؟
الجواب: لم يدفعوا شيئًا بل بالعكس أخذوا أجرة عملهم!
نحن نقيم مع ملك الملوك ورب الأرباب إقامة مجانية وسننال مكافأة جزيلة كما يقول المرنم:
سنأخذ أجرتنا على قدّ (مقدار) خدمتنا
ألم يقل شخص ربنا يسوع المسيح "مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا"؟ الناس يدفعون الكثير والكثير جدًا من أجل أشياء تافهة وفانية، ويتركون ما هو ثمين ونفيس بالرغم من أن هذه الأشياء الثمينة والنفيسة لا تُمنح بفضة أو بذهب، بل مجانًا.
هل هناك أثمن وأعظم من الإقامة مع الرب يسوع له كل المجد؟
دعوني أقول يا إخوتي الأحباء: إننا لسنا فقط نقيم مع الرب يسوع، بل أكثر من ذلك، نتكئ على صدره! قالت عروس النشيد في اختبار مجيد ومبارك: "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني".

3- إقامة وقتية

هؤلاء الخزافون يقيمون مع الملك طوال الفترة التي فيها يؤدون عملاً، لكن بعد انتهاء العمل عليهم مغادرة بيت الملك والذهاب في حال سبيلهم. ولكننا نحن المؤمنين، لن يحدث معنا ما حدث مع هؤلاء الخزافين، ذلك لأننا نقيم مع الرب إقامة دائمة في هذه الحياة — نقيم معه بالإيمان — ولكن بعد انتهائنا من تأدية العمل الذي كلفنا به الرب يسوع سننتقل للإقامة معه في الأمجاد السماوية إلى أبد الآبدين، ويتم ما قاله يوحنا الرائي: "هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعبًا، والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم". وأيضًا يتم ما قاله الرسول بولس: "وهكذا نكون كل حين مع الرب لذلك عزوا بعضكم بعضًا بهذا الكلام".
فكرت كثيرًا في بكاء الرب يسوع عند قبر لعازر، وتساءلت: لماذا بكى؟ نعم، إنه بكى ليشارك أسرته مشاركة وجدانية، ولكن وجدت أن هناك سببين آخرين:
الأول، لأن الموت الذي كان سببًا في أحزان البشر دخل إلى العالم بسبب السقوط في الخطية.
والثاني، لأنه سيأتي بلعازر من فردوس النعيم إلى أرض الآلام والأتعاب وبذلك سيحرم من الإقامة مع الرب بالعيان، ويعود للإقامة معه بالإيمان.

ثانيًا: أشرف تكليف

أُسند لهؤلاء الخزافين عملاً يؤدونه للملك. فالآية تقول: أقاموا هناك مع الملك لشغله. هذا العمل هو إعداد أوانٍ خزفية لاستخدامها في أغراض معينة أو للتزيين... وإنني أرى بعض الأمور الهامة في هذا العمل الذي كُلف به هؤلاء الخزافون:

1- عمل غاية في الأهمية

مع أن هذا العمل في نظر بعض الناس عملاً حقيرًا، إلا أنه في الحقيقة عمل غاية في الأهمية لأن هذه الأواني الخزفية لها استخدامات متعددة - أذكر منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر - يستخدم بعضها في الطبخ كما نقرأ في سفر اللاويين 28:6 عن لحم ذبيحة الخطية، الذي كان يطبخ في أوانٍ خزفية... وأيضًا، كان يوضع فيها الماء المقدس كما نقرأ في عدد 17:5... وفي هذه الأواني الخزفية كانوا يحفظون الكنوز الثمينة.
يُذكر عن شاب أردني أنه كان يرعى غنمًا، الذي عندما ابتعدت إحداها عن بقية القطيع ألقى عليها حجرًا، وعندما سقط الحجر على الأرض سمع صوتًا غريبًا، فتيقن منه أن هناك شيئًا مدفونًا في تلك الأرض، فقام وذهب فوجد آنية من الخزف بها أشياء غريبة؛ عرف بعد ذلك بأنها مخطوطات لبعض أسفار الكتاب المقدس. والرسول بولس يقول ما يؤكد ذلك - إذ "لنا هذا الكنز في أواني خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا".

2- يحتاج إلى أدوات خصوصية

يحتاج إلى المادة التي تصنع منها هذه الأدوات مثل الطين أو الصلصال، ويحتاج أيضًا إلى دولاب، ويحتاج إلى شمس أو نار لسرعة تجفيفه. وإذا رجعنا إلى نبوة إرميا الأصحاح 18 نجد أمر الرب لإرميا: "قم اذهب إلى بيت الفخاري (الخزاف) وهناك أسمعك كلامي". ولما ذهب رأى الخزاف يصنع عملاً من الطين على الدولاب.
إن العمل مع الرب يسوع — تبارك اسمه إلى الأبد — يحتاج لا إلى أدوات مادية بل يحتاج إلى أمور روحية هامة: الكلمة القدسية، والصلاة، والشركة الروحية، والغيرة على النفوس التي مات المسيح لأجلها، والنشاط، والحمية، وتحمّل المشاق، وعدم القلق، والاعتماد على الرب، وعدم اليأس.

3- يتطلب أمورًا ثلاثية

أ- يتطلب مجهودًا وفيرًا

إذا رأيت خزّافًا وهو يؤدي عمله سوف تشاهد العرق يتصبّب من جبينه، لأنه يبذل مجهودًا كبيرًا في عمله! هكذا أيها الأحباء، إن العمل في خدمة الرب يحتاج إلى مجهود وفير.
قرأت عن امرأة كانت تسكن في حي بالقرب من أحد الأشخاص، وقد لاحظت أنه كان يستيقظ متأخرًا من نومه ويخرج لوقت قصير ثم يعود ومعه الجرائد اليومية التي يقضي  بعض الوقت في قراءتها ثم يغلق نوافذه لينام في وقت الظهيرة. وفي الساعة السادسة يخرج ويعود في التاسعة، ثم بعد فترة وجيزة يغلق نوافذه ويخلد إلى النوم. فقررت أن تتحدث معه لتعرف ما هو عمله، لأن لها ابنا وحيدا تريده أن يعمل في هذا العمل المريح. ولما سألته: ماذا تعمل؟ قال لها: "أنا خادم للرب". والسؤال الذي يفرض نفسه: هل خدمة الرب تؤدّى بهذا الأسلوب؟ كلا، يا أحبائي، إن عمل الرب شاق وإلا لماذا يقول الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس: "اشترك في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح"، "احتمل المشقات. اعمل عمل المبشر. تمم خدمتك"؟

ب- يتطلب تواضعًا كبيرًا

إن العمل في الخزافة يتطلب تواضعًا كبيرًا... إذ يلبس الخزاف ثيابًا بالية، وتكون يداه ملوّثتين، ويجلس على الأرض.
إن العمل في كرم الرب يحتاج إلى تواضع، فالمتكبر لا يصلح لعمل الرب. الذي يخدم الرب لا بد أن يتعلم من سيده الذي عاش متواضعًا، فولد في مزود بقر وعاش ليَخدِم وليس ليُخدَم. دخل أورشليم راكبًا على جحش ابن أتان متممًا نبوة زكريا، "ابتهجي جدًا يا ابنة صهيون. اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور، وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان". ألم يأتزر بمنشفة ليغسل أرجل التلاميذ؟ يقول الوحي المقدس بأن الله يقاوم المستكبرين أما المتواضعون فيعطيهم نعمة.

ج- يتطلب صبرًا كثيرًا

من يعمل خزافًا لا بد أن يكون صبورًا، لأنه إذا استعجل لينهي العمل بسرعة سيكون عمله غير متقنًا. ولكن إذا عمل بصبر وطول أناة سيكون عمله جيدًا، وسيرضى عنه الملك، ويعطيه أجرته التي وعده بها. وخدمة الرب تحتاج إلى صبر أكثر! إذا نظرنا إلى إرميا النبي سنجد أنه خدم الرب لمدة أربعين سنة ولم يرَ نتيجة لخدمته الطويلة. دعني أقول لكل من يعمل في كرم الرب: كن صبورًا حتى تنال وتكتسب مديحًا من الرب. لقد امتدح الرب ملاك كنيسة أفسس قائلاً: "وقد احتملت ولك صبر وتعبت من أجل اسمي، ولم تكل.
اختم رسالتي بأمرين هامين:
أولاً: العمل ليس هو بالكمّ بل بالكيف، وليس بالنوع بل بالجودة.
ثانيًا: "مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب".

المجموعة: حزيران June 2012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

208 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10555003