آب Agust 2012
لقد أصبح عالمنا عالم الصراع والشعارات، والسؤال الذي يطرح نفسه هو:
ما هو الحل للمشاكل المعاصرة؟
إن العلم جعل من الإنسان آلة، والفلسفة قولبته في نظريات، وعلم الاجتماع حصره في إحصائيات، وعلم النفس زاده قلقًا، والطب جرّه إلى الفحص الدوري، وحتى السياسة زادت حدة الهلوسة، والخوف، وقيدت حرية الإنسان، وهكذا دواليك، فأين الحل؟!
أنا لا أخشى الغد فإنه بين يدي الله، ولا أخاف اليوم لأنني سأعيشه وأعد أنفاسه، ولا أرهب الماضي لأنني ودّعته بلا رجعة مع أنه عبرة لمن يعتبر. قال أحدهم: "أنا لا أفهم كيف أن نفس الرياح تدفع بالسفن إلى جهات مختلفة في وقت واحد"، فأجابه حكيم: "إن هذا يتوقف على الوضع الذي تكون عليه القلاع"، وأقصد هنا، إن هذا يتوقف على الوضع الذي تكون عليه العقول.
أولاً: قوة العقل
إن مهمة العقل أن يجمع القوانين الكونية الثابتة والمتغيرة والمبادئ الروحية في حدث ما، ويحلل المفاجآت، ويقيس المعارف الفطرية، والمعارف الحسية لينتج وعيًا ورغبة وحكمة ومعرفة، ويحفظ الإنسان في انسجام وحرية. لذلك يوصينا الكتاب المقدس: "فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي، لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ". وفي المجال الروحي يؤدي الفكر وعملياته إلى الشفاء الجسدي، والنفسي، والروحي كطريقة علاجية طبية أخرى. وأثبت علماء النفس أن أفكار الإنسان تظهر آثارها في وجهه حتى أن أزواجًا وزوجاتهم قد يتشابهون الواحد والآخر بعد سنوات مما يجعلهم يتقاسمون أفراح الحياة وأتراحها معًا، فالإنسان هو ما يفكر فيه "كما يشعر في نفسه هكذا هو" (أمثال 7:23).
والمهم هو، كيف نستفيد من القوى العقلية؟
أولاً، يجب فهم الوجود وطبيعة الكون وقوانينه من خلال المظاهر الفائقة والأفكار التعبدية، "السماوات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه". والمشكلة أن الإنسان العادي يستخدم فقط 10٪ من قواه العقلية في الأبحاث العلمية والعمليات المعقدة.
يرى أهل العالم أن الطريق إلى السعادة يبدأ بالوعي والرغبة والإيمان والعمل، والتي تكوِّن الطاقة الروحية غير المحدودة. Awareness+Desire+Belief+Action=Unlimited Capacity. حقًا إن التمسك بالله، والضمير الحي، والقوة الذاتية، وتحديد الهدف، وتفهّم أحداث الحياة مما ينجم عنها في النهاية السعادة. لذلك ينبغي أن يكون المسيحي في العالم واقعيًا إذ يرى الأشياء على حقيقتها ويسعى دائبًا نحو الخير. وبالاختصار، أن يحيا المسيح فيه، وهذا هو قلب المسيحية. قال أحدهم: قد أحسست — وأنا أخدم الآخرين — بالفرح في خدمة المسيح وبهذا أستطيع القول عن حقيقة واختبار وبكل توبة وشكر ومحبة "لي الحياة هي المسيح".
ثانيًا: مشاكل العقل
أمسك أب ورقة مالية بيده قيمتها مائة جنيه، وأمسك باليد الأخرى تفاحة، وقال لابنه الصغير: أيهما تختار؟ فمد الولد يده لأخذ التفاحة وهو لا يعلم أنها تعتبر شيئًا زهيدًا بالنسبة للورقة المالية الكبيرة. فأين المشكلة؟ إن المخ الذي يحتوي على مائة ألف وعاء دموي، شريان، يتعطل أداؤه بسبب الاعتماد على الذكاء فقط أو الكبرياء، فأحيانًا نستخدم ذكاءنا للشر، أو لضرر الآخرين، أو "خالف تعرف"، أو اللهث وراء الأمور الشاذة والتطرف في إنكار الخالق. قال دزرائيلي السياسي الشهير: "مع الجهل يستحيل حل المشاكل"، لأن البغضة والخوف هما توأما الجهل. والجاهل ليس له تركيز لفكر أو غرض، وفمه يُدخِله في المشاكل والاضطراب ويكره أي شيء يجعله يشعر أنه صغير. والأشرار يتجنبون الله لسببين: الجهل وغلاظة القلب. الجهل لافتخارهم بالعلم والاختراعات والمال، وغلاظة القلب للاستمرار في الشر.
قال سقراط: "كما أن الخير الوحيد في العالم هو العلم، فالشر الوحيد فيه أيضًا هو الجهل". تألمت جدًا وأنا أتابع وضع أحد جيراننا بعد أن أصيب بمرض النسيان المزمن "ألزهايمر" أو إن شئت فقل ذهب عقله. وتقدم به المرض، فكان حين لا يتعاطى الدواء يهيج كالوحش، وإن تناول مهدِّئًا ساءت حالته الصحية واحتاج إلى عناية مركزة. قال الدكتور تشارلز ألن: "النفس أو الفكر كالجسم يمكن أن تجرح، فالحزن مثلاً جرح، لكنه على عمقه، جرح نظيف ويمكن أن يلتئم إلا إذا خالطه غيظ أو مرارة أو حقد أو إشفاق على الذات". والله وحده قادر أن ينفخ نسمة حياة جديدة في من فقدها كما في تكوين 7:2. "الذي يشفي كل أمراضك". إن العقل أداة بشرية يقوم بعمليات التفكير، والجدل، والذاكرة، والذكاء، والانفعال، ويمكنه وصف القوة الخارقة غير البشرية أو ما وراء الطبيعة، فإن رجعت الى الله تصبح عاقلاً وحكيمًا مثل نبوخذنصر والابن الضال (دانيآل 34:4 ولوقا 17:15).
ثالثًا: روحانية العقل
تعجب العلماء لأن العقل يدرك الجوانب العقلانية والعاطفية غير المدركة علميًا والتي يتعذر تعليلها تجريبيًا، فهل يا ترى العقل جوهر من الذات الإلهية، أو مكتسب مستفاد، أو ظاهرة إحيائية، أو مادة طافية نفسية؟ إنه يبزغ من الشبكة العصبية للدماغ لكنه ليس منفصلاً عنها مما يزيد الأمر تعقيدًا. إنه العقل اللاواعي عند سيجموند فرويد لأن فيه جزء غير محدود نستخدمه في الاكتشافات العلمية والتقنية، واسترجاع الماضي، والتصورات الروحية. وهكذا فإن إمكانية الاختيار عند الإنسان تعني المفاضلة بين شيئين واستخدام حرية الإرادة.
فكيف تختار؟
في مثل ورقة المئة جنيه والتفاحة نرى قوة إغراء المظاهر. واحسرتاه! لأن كثيرين يتركون الغالي ويلتهون بالغث، ويقدسون المظاهر ويحتقرون المعادن، وتجذبهم اللحظة، وينسون الزمن، ويهملون الأبديات، ويفضلون الفانيات.
قال ملك لأحد خاصته: "إسأل ما تريد فأعطيه لك". فقال لملكه: "أعطني ابنتك زوجة". فمنحه ما طلب، وصار له السلطة والثروة والقصر.
بعد أن أمضى شاب سنتين في السجن قال: "لست الآن طامعًا في شيء في هذه الحياة إلا أن أجدّد انتمائي للمجتمع". ونصيحتي لكل شاب أن يستخدم عقله، وعندما تفكر أنك تسير في وادي ظل الموت "وادي الظلام"، توقف عن التفكير واهدأ في حضرة الله لئلا تنهار، وعندئذ يمكنك أن ترى الأمر بمنظار جديد. وهذه علامة من علامات الذكاء الفطري، فكيف ننمي الذكاء؟ ادرس كلمة الله واستخدم ذكاءك، احتفظ بالذكريات الطيبة واطلب الحكمة السماوية، وامتلئ بروح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب (إشعياء 2:11). وهنا "... أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ" بالمقابلة مع العبادة في العهد القديم، والعبادة الطقسية أو الجسدية من خلال فرائض جسدية فقط موضوعة إلى "وقت الإصلاح" كرموز وظلال للأمور الروحية لأن الذين قدموها لم يفهموها. أما العبادة العقلية فتؤثر في الذهن والقلب معًا بعمل الروح القدس. فهل ذهنك روحي متفتح للحق الكتابي؟ "فَالآنَ يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ الأَرْضِ. اعْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ، وَاهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. قَبِّلُوا الابْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيل يَتَّقِدُ غَضَبُهُ" (مزمور 10:2-12).
بعد أن اجتاز أحدهم في ظروف قاسية، فهم أخيرًا لماذا يسمح الله بالألم، ورأى أن الألم وسيلة للتغلب على الشر، وسبيل للوصول إلى الحق وتأييده.
قال المؤرخ اللورد أكتون في كلامه عن مكافحة الرق ونشر الحرية: "إن كثيرين اضطهِدوا وقُتلوا في سبيل التحرر وبذلك ضمن البشر الحرية من أغلال العبودية". والألم يحثنا على الاحتياط والنمو الذاتي والتقدم الاجتماعي، ويخلق أحاسيس الانفعال، والحس الأدبي في البشر مما يبعث في الناس التعاطف المتبادل، ويعالج الألم، ويهيّئ النفس على احتماله "إن تألمنا معه فسنتمجد أيضًا معه [مع المسيح]". فكن عاقلاً واقبل المسيح الآن مخلصًا وفاديًا لحياتك.