Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الثاني November 2012

خادم الرب جوزيف عبدوعندما يسود النفس الفتور، تظهر الصعاب أمامها كأنها بحر هائج تتلاطم أمواجه العاتية... فتشرع في حيرتها بطرح أسئلة كثيرة أمام القدير: متى؟ أين؟ كيف؟ ولماذا؟... يجري كل هذا مع رثاء الذات المضطربة القلقة حتى كأنّ اليأس قد أطبق عليها بكلاّبته القاسية! إلى أن تنفتح عيون إيماننا فنستطيع أن نبصر رحمة الله وعنايته السرمدية في نهاية النفق.
كان ذلك حال كاتب المزمور الثاني والأربعين، فهذه الأنشودة الرائعة رغم أشجانها وتوجّعاتها كانت وما زالت مصدر عزاء وشفاء لقلوب الكثيرين! فهي تصوّر نفس المؤمن في زمن الفتور، حيث تشتدّ عليها المحن، فترسف منحنية تحت ظلال الحزن والأنين، ويبدأ الصراع... ثم يعلو الصراخ!
يصوّر المرنم أشواق نفسه الظامئة لتلك الشركة الحبية التي فترت... وإلى محضر الله الذي صار يبدو بعيدًا فلا يرى الحال ولا يسمع السؤال! وليس أصدق في هذ المجال من مثال الإيّل الذي ابتعد عن مجاري المياه خوفًا من سطوة الضواري، هاربًا لينجو بنفسه من تلك الوحوش المفترسة – وما أكثرها في أيامنا هذه – ذلك مع أنه لطيف مسالم لا يؤذي أحدًا، ولا يعتدي على أنصبة الآخرين؟
ويلتهب الشوق في أعماقه من جديد للقاءٍ دافئ حميم كان قد افتقده وتاق إليه في أعماق أعماقه ذاكرًا كل ما هو فيه من الضياع:
- فمن الماضي: ذكريات لا تهدأ بل تضج في أعماق النفس، مع صور الأيام الحلوة. أيام الانتصارات الروحية، والحملات الانتعاشية، وتجمّعات الحمد والتسبيح في الكنيسة والرب في وسطها، وأفراح الروح القدس في أرجائها كأنها في عيد دائم...
- أما في الحاضر، فكآبة وانكسار، بكاء وأنين، شكوى وتساؤلات كثيرة تطل من خلفها تلك الذكريات... تحث النفس المنحنية وتذكّرها بنهر الأردن الذي انفلق تحت أقدام حاملي تابوت العهد فعبر كل الشعب بسلام... وتأخذها إلى قمم حرمون "الجبل المقدس" جبل الشركة وجبل التجلي الذي دُعي أيضًا "شنير" وقد تغنّى به الشعراء!
وينطلق صوت ميازيب العلاء، حاملاً تحذيرات الله وإنذاراته في حين تطمو على النفس تيارات الضيق ولجج الاضطهادات، ولكن السيد الحكيم الساهر دائمًا يوصي رحمته بعبده المتألم الذي يقوم في الليل ليحمده ويسبّحه في وسط الضيق والأنين... ثم يعاتب صانعه متوهّمًا أنه قد نسيه وهو الذي قال: "هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ" (إشعياء 15:49).
ويصوّر المرنم نفسه غمرًا مضطربًا،
1- من الهم والقلق. وما أشدّها ساعات القلق على نفس المؤمن الذي فترت علاقته بمصدر رجائه؟!
2- من الحزن والكآبة. وما أصعبها من تجربة حين يسيطر الحزن على نفس المؤمن، فيصبح مكفهرّ الوجه مقطّب الجبين، يسير صامتًا وعبرات الألم تترقرق في مقلتيه، وتنهيدات الأسى تتصاعد حارة من صدره؟! فلا يجد من حوله عزاء وتسوَدّ في ناظريه آفاق المستقبل.
3- من الانحناء والفشل، فتنحني النفس في كآبتها إلى حد الفشل... وتصيح في صراخها وعتابها: "إِلَى مَتَى تُدَخِّنُ عَلَى صَلاَةِ شَعْبِكَ؟". "أَسْرِعْ أَجِبْنِي يَا رَبُّ. فَنِيَتْ رُوحِي" (مزمور 7:143).
فكأنه ذلك الغمر المستنجد الشاكي يطلب نعمة ورحمة وأملاً من غمرٍ أسمى لنجدته، فهو يناجي وينادي غمرًا:
ا- من السلام والطمأنينة في شخص ذلك الذي قال: "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا". (يوحنا 27:14)
2- من التعزية والفرح في شخص الذي قال: "أنا أنا هو معزيكم" (إشعياء 12:51). ويقول المرنم: "يَفْرَحُ الصِّدِّيقُ بِالرَّبِّ وَيَحْتَمِي بِهِ، وَيَبْتَهِجُ كُلُّ الْمُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ". (مزمور 10:64)
3- من القوة والرجاء. "يُعْطِي الْمُعْيِيَ قُدْرَةً، وَلِعَدِيمِ الْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً. اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ" (إشعياء 29:40-31).
إن ذلك الغمر العظيم الفائض بالخير والحب والإحسان القادر على كل شيء، هو الذي يستجيب لصلاة عبده المشتاق إلى تجديد الشركة مع الله، فيقوّي ويعزّي ذلك الإيّل التائه ليرجع إلى جداول المياه العذبة، ومراعي الخضرة الدائمة...

صلاة

يا إلهي، أنت غمرٌ فائضٌ بالخير والإحسانِ... والحبِّ الأمينِ
وأنا غمرٌ من الأحزان...
والخيبةِ واليأسِ المشينِ
ظامئٌ... جفّت منابع أُنسِهِ...
متطوِّحٌ... في البُعدِ في دارِ الأنينِ
ليتما غمرك يطمو فوق غمري
يبسط الرحمة حولي... يحتويني...
فيداوي كل ما في مهجتي...
من هولِ ضعفي.
يمسح الدمعاتِ من عيني... ويُضفي
تعزيات القلبِ... يُروي لهفةَ الشوقِ
وأنفاس الحنينِ.
يسندُ النفسَ الكئيبة، قد حناها الضعفُ
بل عانت ضياعًا... وانكسارًا
بين تعييرٍ وهزءٍ وانتقامِ
وتمادى.. ظلمُ أعدائي بسحقٍ في عظامي
وأنا في لوعة البلوى... وإنغاض الجبينِ
فلماذا... أنتِ يا نفسي تئنّينَ وتأْسَيْ
فارتجي الله... لأني بعدُ أحمده
خلاصي... بل معيني!

المجموعة: تشرين الثاني November 2012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

108 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10476203