كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2013
الكبرياء من أخطر الخطايا التي تبعدنا عن الله لأنه يعيق علاقتنا مع الرب ويعطلها، ويجعل الإنسان يتكل على ذاته وعقله وأمواله وإمكانياته البشرية بدلاً من الاتكال على الله خالقنا ومخلصنا وفادينا. فإن كنا نريد أن يستخدمنا الله كخدام وأوانٍ صالحة لمجده ونشر ملكوته على الأرض، والمساهمة في صنع المحبة والخير والسلام، وتربية الأجيال والعدالة والمساواة والحرية الحقيقية، فما علينا إلا أن ندرك مقدار ضعفنا أمام الله الجبار لأن الكمال لله بينما الإنسان ضعيف ومليء بالنواقص والهفوات والأخطاء اليومية.
قرأت عن أحد الوعاظ المسيحيين المشهورين الذي بواسطته قبل الآلاف الرب يسوع مخلصًا لحياتهم، الذي كان يقود في أحد المرات اجتماعات روحية لكنها لم تنجح. فقضى اليوم كله متوسلاً إلى الله كي يعلن له السبب، وكان يقول: يا رب، لماذا لم تحدث نهضة روحية؟ ولماذا لم تتحرك قلوب الناس من قِبل روحك القدوس؟ هل أنا السبب يا رب؟ وفي اليوم التالي وبينما كان يسير في الشارع رأى يافطة كبيرة مكتوبًا عليها: "تعالوا واسمعوا فلان... أعظم وأشهر واعظ بالبلاد". فضحك وقال لنفسه: الآن علمت سبب عدم البركة ونجاح خدمتي. فقال للمسؤولين لديه: أرى أنكم أعلنتم عني كالأعظم والأشهر... فلا عجب أن روح الرب مقيّد ولا يعمل، إنه حزين لأنكم لم تعطوا المجد للرب يسوع المسيح، هو الأشهر ووحده يحق له أن يظهر ويتمجد. وأنا لست سوى خادمه البسيط الذي لا يستحق أن يستخدمه لنشر بشارة الإنجيل المقدس! فطلب منهم أن ينزلوا اليافطة حالاً. وعندئذ استخدم الرب ذلك الواعظ لمجد اسمه. إذًا، ينبغي ألا نسمح لأي أمر في حياتنا أن يعمي أنظارنا عن رؤية مجد المسيح ولنتجنب كل عوارض الكبرياء التي تجعلنا غرباء عن فادينا يسوع المسيح له المجد. لأنه يرفع المتضعين إلى الأعلى بينما ينزل المتكبرين إلى أسفل الدركات.
يجب أن نتسربل بالتواضع كقول الرسول بطرس "اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً" (1بطرس 5:5). أي أن نعطي المجد لله في كل شيء نقوم به. طبعًا، هذا الأمر يتطلب منا مجهودات من أجل إسعاد الآخرين ومحبتهم وتأمين احتياجاتهم الضرورية. وأن ننسب كل ما نعمله من مشاريع وخدمات وأعمال لله الذي لولا أنه أعطانا الصحة والحكمة والقوة والفهم لما استطعنا إنجاز تلك الأعمال وإكمالها. فعلينا كمؤمنين وخدام روحيين أن نجاهد بدوافع طاهرة وخالية من مدح الناس، والمصالح الشخصية والأنانية، والحسد، كما وعلينا أن نرى أنفسنا على حقيقتها ولا نعطيها أكثر من حجمها لئلا نقع في الغرور، ولا نحسب أنفسنا أفضل من الآخرين لأننا جميعًا إخوة في المسيح يسوع ربنا أغنياء كنا أم فقراء، متعلمين أم بسطاء... فلنقرر منذ الآن أن تكون كل أعمالنا وتصرفاتنا وسلوكنا لمجد الله... لا لأمجاد هذا العالم المادي الزائلة، ولا لطلب المدائح من الناس والمنافع الزمنية لأن كل ما في هذا العالم في زوال، وأما من يصنع مشيئة الله فهذا يبقى إلى الأبد. فمن اتكل على عقله ونفسه وأمواله سيفشل ويعاقب ويهلك، وأما من اتكل على الله وعمل لمجده وامتداد ملكوته على الأرض فسينال النجاح والمكافأة والحياة الأبدية في ملكوته السماوي. نختم بسفر الأمثال 18:16 "قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح".
المطران سويريوس ملكي مراد