Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2013

القس عصام العطاللهيعمل الله على تنفيذ مشيئته وفق مبدأ الاختيار،  فهو يقوم من وقت لآخر بعملية اختيار أفراد أو شعوب لتحقيق خطوة معينة ضمن برنامجه الفدائي وتقرير مصائر البشر. فقد اختار الله نسل سام من بين بقية الأمم، ومنه اختار إبراهيم ودعاه وأعطاه وعودًا، ومن بعده جدد وعوده مع ابنه إسحاق ابن الموعد. لم يركز الوحي  كثيرًا على حياة إسحاق ولكنه ينتقل إلى ابنه يعقوب حيث يتوقف طويلاً عند سيرته ويفرد فصولاً أطول لتغطية تعاملات الله معه. تبدأ تعاملات الله مع يعقوب وهو بعد جنينًا في بطن أمه رفقة، حيث يستبق الله ولادته بنبوة ووعود عظيمة تخص مستقبله.


"فقال لها الرب في بطنك أمتان. ومن أحشائك يفترق شعبان. شعب يقوى على شعب. وكبير يستعبد لصغير" (تكوين 23:25). يخبر الله أمه رفقة بأنه سوف يكون رأسًا لأمة عظيمة، وسوف يقوى على أخيه البكر ويقوم نسله باستعباد نسل أخيه كشعب. ولفهم شخصية يعقوب نحاول دراسة بعض جوانب حياته في علاقته مع عائلته وأخيه التوأم عيسو.

 

يعقوب وعيسو يمثلان نوعين من البشر في موقفهم من الله

يصف الكاتب عيسو بأنه كان يهوى حياة البرية والصيد. ومن المحتمل أن عيسو كان رجلاً شهمًا، كريمًا، لطيفًا، ومهذبًا يتمتع بخصائل وصفات حميدة تستحق الثناء. وهو يشبه كثيرًا أشخاصًا في المجتمع من حولنا يتصرفون بأدب وأخلاق ويساعدون الآخرين ويتمتعون بصفات رائعة من الكرم، والنخوة، والشهامة، والتهذيب، وعدم إيذاء الآخرين. في الواقع هذه الصفات رائعة وضرورية لخير المجتمع وهي أيضًا تعكس بقايا صورة الله في الإنسان ونحتاج أن نحافظ عليها. ولكن المشكلة الكبيرة هي الموقف من الله والأمور الروحية. هذه النوعية من الناس - عيسو وأمثاله - لديهم موقف سلبي من الله والأمور الروحية، فهم لا يكترثون بالتجاوب مع صوت الله وتعاملاته وبناء علاقة جدية معه، وغالبًا نراهم يحتقرون الأمور الروحية ولا يبالون بمصيرهم الأبدي ويفضلون تمتعًا وقتيًّا عابرًا بالخطيئة على الشبع الحقيقي بقبول يسوع مخلصًا لهم. "فأعطى يعقوب عيسو خبزًا وطبيخ عدس. فأكل وشرب وقام ومضى. فاحتقر عيسو البكورية" (تكوين 34:25). طبعًا، البكورية هنا هي تقليد موجود في المجتمع الأبوي يتم فيه منح الابن الأكبر امتيازات ومسؤوليات مثل: "حقوق الميلاد" كبكر في العائلة بالحصول على حصة مضاعفة من الميراث، بالإضافة إلى مسؤولية زعامة العائلة ومن ثم العشيرة وتمثيلها. وقد استخدم الله هذا التقليد بمعناه الروحي كوسيلة لإتمام إرادته في حياة الآباء.
بالمقارنة مع عيسو، كان يعقوب شخصًا متزنًا، محافظًا وملتزمًا بتقاليد العشيرة والبيت، ولا يهوى المغامرة، ويدل سلوكه بحسب النص على شخص ذكي وماكر يحسب خطواته بحذر، وهو انتهازي يقتنص الفرص ويستخدم طرقًا ملتوية لبلوغ أهدافه. يبدو يعقوب شخصًا غير محبوب وتصرفاته تثير الاستياء والاستنكار. لكن على الرغم من ضعفاته وعيوبه الواضحة فهو قبل كل شيء يقدِّر عاليًا الأمور الروحية ويبدي أشواقًا روحية ويتوق لإشباعها.

يعقوب هو نموذج المؤمن المتكل على الجسد

يبدو أن يعقوب شعر بحرمانه من امتياز البكورية والبركات المرافقة لها، وربما علم من والدته رفقة عن وعود الله الغامضة بخصوص مستقبل ابنها الأصغر، وربما كانا كلاهما محتارين حول وقت وكيفية تحقيق هذه الوعود. انطلاقًا من هذا الوضع نجد يعقوب يسعى جاهدًا لاستباق توقيت الله والحصول على البركة بطريقته الخاصة، فبدأ أولاً بخداع أخيه عيسو بابتزازه ومقايضته بتقديم الطعام له مقابل التنازل عن بكوريته له، وهكذا حلف عيسو وتنازل له عن بكوريته محتقرًا هذا الحق وامتيازاته في لحظة إعياء وجوع. المحاولة الثانية تمت بمعونة والدته رفقة التي أحست بالخطر لدى علمها بقرار إسحاق مباركة عيسو قبل وفاته، فقامت هي بتشجيع يعقوب على خداع أبيه وسرقة بركة أخيه البكر عيسو. لم تنتظر رفقة ولا يعقوب مشورة الرب بخصوص بركاته بل خافا وقلقا وتصرفا بالجسد. إن التسرّع وعدم انتظار توقيت الرب يؤدي غالبًا لكوارث وتجارب نحن بغنىً عنها. لقد أدت خطط رفقة ويعقوب إلى زرع العداوة في بيت إسحاق والتهديد بقتل يعقوب. فكانت النتيجة هي اضطرار يعقوب للهرب بعيدًا، وازدياد حقد عيسو على أخيه ووالديه، وإغاظتهم بزواجه من بنات كنعان الشريرات في عيني أبيه إسحاق.

مبدأ الزرع والحصاد في حياة يعقوب

قد يتساءل القارئ عن سبب تغاضي الله عن مكر يعقوب واحتياله واستمراره في مباركته. في الواقع، إن الله منذ البداية أراد مباركة يعقوب وجعله رأسًا لأمة عظيمة. "لأنه وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيرًا أو شرًّا لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو. قيل لها إن الكبير يُستعبَد للصغير" (رومية 9:11). ولكن لا أحد يعلم توقيت وكيفية تحقيق ذلك، والذي حصل عندما سرق يعقوب البركة من عيسو هو أن الله بارك يعقوب بنفس البركة الموعودة سابقًا قبل مولده، وعندما جاء وقت بركة إسحاق لعيسو، حرمه الله منها وأعطاها ليعقوب لأن الله بالأساس لم يعد عيسو بالبركة. الواضح أن عيسو اللامبالي ببكوريته قد أثبت فعليًّا أنه غير مستحق للبركة، ومع أنه ندم أخيرًا لكن ندمه جاء متأخرًا جدًا ولم يستطع أن يرجع تائبًا، "لئلا يكون أحد زانيًا أو مستبيحًا كعيسو الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته. فإنكم تعلمون أنه أيضًا بعد ذلك لما أراد أن يرث البركة رُفض إذ لم يجد للتوبة مكانًا مع أنه طلبها بدموع" (عبرانيين 16:12). يستحق عيسو البركة كحقٍّ وراثي ولكن يعقوب نالها بالنعمة بدون استحقاق. المبدأ الإلهي هنا هو أن امتيازات الولادة لا تضمن بركات الرب ورضاه بل التوبة الحقيقية. أما من جهة عدالة الله فعلى الرغم من حصول يعقوب على البركة المقررة له بطريقة ملتوية، فإن الله لم يترك تصرف يعقوب يمر دون عقاب. فبعد هرب يعقوب، رافقه الله، وظهر له في حلم، وأكد له وعوده وبركاته المستقبلية، ولكن الله طبّق قوانينه الأخلاقية على حياة يعقوب. إنها قوانين الزرع والحصاد التي لا مفرّ منها، "لا تضلوا. الله لا يُشمخ عليه فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا" (غلاطية 7:6). ربما ظن يعقوب أن هروبه مؤقت وأن أخاه لا بد وأن ينسى فِعلته ويصفح عنه فيعود إلى وطنه بعد بضعة أسابيع أو شهور، لكن الكتاب يخبرنا أن يعقوب تغرّب وحُرم من أهله 20 سنة. واستمر يحصد نتائج أفعاله حتى نهاية حياته. كان محتالاً فوقع ضحية شخص محتال أكثر منه (تكوين 25:29 و7:31). حيث سخّره خاله للعمل 14 سنة من أجل ابنتيه، و6 سنوات بغنمه. يعقوب الذي سبق فكذب على والده إسحاق متنكرًا في شخصية عيسو، قد جاءه اليوم الذي كذب فيه عليه أولاده ال11 كذبة كبيرة عن وحش افترس ابنه يوسف،  جعلته يبكي بحزن ومرارة حتى أواخر حياته.  لقد حصد يعقوب حصادًا مرًّا بعدم انتظاره الرب واتكاله على ذكائه ومكره. كان محرومًا من السلام... يعيش قلقًا، خائفًا وهاربًا! كان الله يريد أن يباركه ويحيطه بالسلام والراحة النفسية، لكن يعقوب حرم نفسه من ذلك 20 سنة.

مواجهة حاسمة في فنوئيل

استمر يعقوب حوالي 20 سنة هاربًا خائفًا من ماضيه، ومن أخطار محيطه، ومفاجآت مستقبله، ولكنه بقي متكلاً على ذكائه وخططه حتى وصوله ذروة الخطر عندما هرب مع نسائه وبنيه من خاله لابان وأولاده الغاضبين. هنا تدخّل الرب في حلم وهدّد لابان بعدم المساس بيعقوب، وهكذا نجّاه الرب من هذا الخطر ليجد نفسه يواجه خطرًا أشدّ وطأة وهو قدوم أخيه عيسو لمواجهته على رأس 400 رجل. لم يتعلم يعقوب الدرس بل سارع إلى أسلوبه القديم في الحيلة وتدبير وسائل النجاة على طريقة خطة أولى وخطة ثانية فقسّم عائلته وممتلكاته إلى قسمين راجيًا في أسوأ الأحوال هلاك قسم ونجاة القسم الثاني. بعد هذه الخطة نجد يعقوب يصلي إلى الله طالبًا النجاة من أخيه: "نجني من يد أخي عيسو. لأني خائف منه أن يأتي ويضربني الأم مع البنين" (تكوين 11:32). بعد صلاته لجأ ثانية إلى تحضير خطة جديدة تتم بإرسال هدية قيّمة لأخيه عيسو بغية استعطاف وجهه وتجنب شره. في هذه اللحظة وصل يعقوب إلى نهاية ذاته واتكاله على تدبيراته وحيله، فأرسل الهدية أمامه وبقي وحده في تلك الليلة، وعندها صارعه إنسان هو ملاك الرب، "جاهد مع الملاك وغلب. بكى واسترحمه" (هوشع 4:11). هنا نجد أن الذي بدأ بالمصارعة هو الملاك وليس يعقوب، وهذا يدل على أن الله كان يرافق يعقوب ويوفر له الحماية ويزوّده بالبركات، لكن يعقوب لم يكن متكلاً تمامًا على الرب بل كان يلجأ إلى خططه وحيله، ولكن الله بادر بمصارعته ليقول له: كفاك الآن هروبًا واتكالاً على الجسد لأنك وصلت إلى طريق مسدود، وأنت الآن محاصر، ولم يبقَ أمامك من خيار سوى الثقة التامة بي أنا.

كان رد فعل يعقوب هو الدفاع عن النفس والاشتباك مع الملاك مما كشف عن عمق أشواقه الروحية وتوقه لحياة البركة والسلام الإلهي الذي يضع حدًا لمخاوفه وحياته المضطربة. وبسؤاله عن اسمه، ومن ثم تغييره، أراد الله تلقينه درسًا بأن يعقوب الخائف المتكل على الجسد سوف يصنع منه إسرائيل المجاهد مع الله والناس، الذي سيثق أخيرًا بالرب وينال رضاه. المواجهة مع الله غيرت اسمه وشخصيته. بعد هذه الحادثة تغيّر يعقوب وابتدأ ينضج باتكاله على الرب. منذ بدايته وحتى لحظة مصارعته مع الملاك، تعلم يعقوب درسًا وحيدًا هو عدم الثقة بأحد سوى نفسه وذكائه. وبعد صراعه مع الملاك خسر جسديًا وانتصر روحيًا فنال البركة.

المجموعة: كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2013

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

307 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578707