Voice of Preaching the Gospel

vopg

نيسان April 2013

الدكتور جورج الحاجإعداد الدكتورة ألينور نحَّات

تُصنّف كلُّ كلمة في القاموس بـ فعل أو اسم أو ضمير أو صفة. ولكن أين تدخل المسيحية في قائمة التصنيفات هذه؟ معظمنا يفكر بأنَّ المسيحية هي اسم، يصف مؤسسة بدأت منذ أيام المسيح واستمرت خلال قرون حتى يومنا هذا. وقد يفكر البعض بأن المسيحية هي مجموعة من المعتقدات. لكن الحقيقة هي أن المسيحية فعلٌ حاضر ومستمر لأنها تمثّل حياةً فعالة فينا.
وحتى نفهم كيف أن المسيحية هي فعل، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار كيف يصف الله جوهره بإعطاء نفسه اسمًا وهو بالحقيقة فعل. فعندما ظهر الله لموسى أولاً في العليقة المشتعلة وصف نفسه من خلال اسمه أنا هو "أهيه الذي أهيه" (خروج 14:3). أي الوجود بحد ذاته من الأزل وإلى الأبد، الجوهر الإلهي الحي منذ الأزل، والآن وإلى الأبد. وقد بلغ صداه في الكلمة المكتوبة في أسفار الكتاب المقدس، إذ نراها في سفر الرؤيا عندما كل الخليقة تسبح اسم الله وترنم: "قدوس، قدوس، قدوس، الرب الإله القادر على كل شيء، الذي كان والكائن والذي يأتي (رؤيا 8:4). وأيضًا يقول في رؤيا 8:1: "أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء." وحيث أن الله هو كائن في ذاته هو أيضًا يريد أن ينقل لنا هذه الحياة والتي ندعوها المسيحية.
ولكي نرى المفهوم بأنَّ مسيحيتنا "فعل حاضر" علينا أن ننظر إلى جزئين مرتبطين ارتباطا وثيقا بالحاضر يسميان: الماضي والمستقبل. وسنقسم دراستنا إلى ثلاثة أجزاء هي: دروس الماضي، رؤية المستقبل، ودعوة الحاضر. ويمكننا مشاهدة هذه العناصر الثلاثة في رسالة العبرانيين.

1- دروس الماضي


(عبرانيين 3: 7-11) "لذلك كما يقول الروح القدس اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم كما في الإسخاط يوم التجربة في القفر، حيث جربني آباؤكم اختبروني وأبصروا أعمالي أربعين سنة. لذلك مقتّ ذلك الجيل وقلت إنهم دائما يضلّون في قلوبهم ولكنهم لم يعرفوا سبلي حتى أقسمت في غضبي لن يدخلوا راحتي."  لقد اقتبس الكاتب من المزمور 95 لكي ينبّه ويحذر سامعيه، ولقد بدأ رسالته في (عبرانيين 1:1-2) "الله بعدما كلم الآباء قديما بأنواع وطرق مختلفة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه." وهذه الآيات في الأصحاح الأول هي مقدمة لما سيأتي لاحقًا في 7:3-11 حيث يحذّر سامعيه بأنه: اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم. وقد ذكّرهم في المزمور 95 بما عمله آباؤهم الأقدمون في البرية حيث تذمروا ولم يطيعوا ونتيجة لذلك لم يرضَ الرب عنهم وأعلن بأنهم لن يدخلوا راحته (أي أرض الموعد). والتحذير الوارد ذكره في عبرانيين 7:3-11 يَخْدُم كسيف ذي حدَّين: أولاً، للذين هم مؤمنون بالحق من أجل التشجيع والثباث في الإيمان؛ وثانيًا، لأولئك الذين لا يزالون على الحافة ولم يتأكدوا بعد أين هم الآن، تُعتبر هذه الآيات لهم بمثابة تحذير قاطع من عواقب الأبدية.

الأهمية العملية للماضي


أ- الماضي هو المعلم الأول لنا: ولهذا السبب نقول بأن ما حدث مع شعب إسرائيل في الصحراء - كيف سقطوا في البرية بالرغم من معاملات الرب معهم بالعجائب وظهوره لهم - يجب أن يكون مثالاً لنا لنتعلم نحن منه.
هنالك قصة عن أحد الأشخاص الذي نجح نجاحًا باهرًا في إدارة شركته. ولما تقاعد أتاه شاب صغير كان هو الوريث لهذا العمل وطلب منه نصيحةً فكانت بمثابة المفتاح لنجاحه. أما النصيحة فهي مؤلفة من كلمتين، قال الرجل: هما القرارات الصحيحة. وبعد برهة عاوده الشاب قائلاً: لكن، ما هو المفتاح لاتخاذ القرارات الصحيحة! أجابه الرجل بكلمتين هما: القرارات الخاطئة. وهذه هي بالفعل دائرة الحياة، نعمل أخطاء فندفع ثمنها، لكن إن تعلمنا منها نحصد المنفعة فنصبح أكثر حكمة.
ب- لا يمكن تغيير الماضي: كل شيء هو قابل للتغيير ما عدا ثلاثة أشياء هي: الله، كلمة الله، والماضي. فحين تخرج الكلمة من أفواهنا لا يمكننا استردادها لأنها ستبقى في فكرنا وفكر سامعينا إلى الأبد. وعند حدوث الفعل لا يمكننا أن نتنكَّر لحدوثه، لأننا لا نستطيع إعادة الزمن إلى الوراء حتى  نُلغي ما عمِلناه. كما أنَّ الطبيعة من حولنا تعلِّمنا أن أهم قانون هو: السبب والنتيجة، فكل سبب أو حدث له نتيجة أو تأثير. خذِ النجومَ مثلاً التي وجدت منذ بلايين السنين وماتت فهي لا تزال مرئيةً لنا في السماء لأن الضوء المنبعث منها سار مسافة طويلة حتى وصل إلينا الآن. وبنفس الطريقة فإن أعمالنا على الأرض لها عواقب.
ج- وإن كنا لا نستطيع أن نمحو الماضي فنحن نقدر أن نغيّر عواقب الماضي باتخاذ خطوات عملية للعلاج: فإذا جرحْنا أحدهم مثلاً بكلمة أو بعمل يمكننا أن نطلب منه الغفران ونحاول أن نصلح الخراب الذي سبَّبناه له. ولنفترض أيضًا أننا سرقنا شيئًا ما من أحدهم، أفلا يمكننا إرجاع ما سرقناه منه مع الاعتذار عما سببناه له. وعلى سبيل المثال، صرّح زكا للمسيح إبّان تحوّله من عشار إلى تابع للمسيح فقال في (لوقا 8:19) "ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف."
د- إن أحد جوانب العقاب الأبدي هو الأسف الأبدي: هذا الأسف الأبدي الذي تعاني منه الأرواح من أجل الخراب الذي أقدمت عليه على الأرض للنفس وللغير. عندما تحدث الرب يسوع عن جهنم وصفها بهذه الكلمات في متى 5:13 "هناك يكون البكاء وصرير الأسنان". وليس هذا دليلاً على الألم فحسب، بل على الندم والحسرة أيضًا. وقد شبّه أحدهم بأن الحياة على الأرض هي مثل شخص يسير في غرفة مظلمة وهي مليئة بمصنوعات نفيسة وجميلة، وبما أنه يسير في الظلام يتعثّر بهذه الأشياء، وتدريجيًا تتحوّل الأشياء النفيسة إلى أشياء محطَّمة وخربة. ولكن عندما يأتي النور إلى الغرفة يتنبّه الإنسان إلى حجم الخراب الذي سبّبه ونتيجة لذلك يصبح عائشًا في ندم دائم. وبنفس الصورة في يوم الدينونة ستدرك الروح التي عاشت حياتها ببعد عن الله مقدار الخراب الذي سببته لذاتها ولغيرها أثناء حياتها على الأرض.
هـ- يعلمنا الكتاب المقدس في رومية 1:8 "إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح." من خلال حياة الرب يسوع الكاملة على الأرض، ومن خلال تقديم نفسه على الصليب كذبيحة فدائية عنا نحن الخطاة، فتح الله أمامنا بابًا للهرب من مطالب قانون السبب والنتيجة. فالذين هم في المسيح يسوع محميون من عقاب الله إذ هم مختبئون في المسيح كما اختبأ نوح وعائلته في الفلك فنجوا جميعهم من عقاب العالم بالطوفان. إذًا المسيح هو فلك النجاة الروحي لنا إن وثقنا به.

2- رؤية المستقبل


إن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يذكّر قراءه ليس فقط بدروس الماضي بل بوعود المستقبل. وقد أوضح ذلك للمؤمنين بأنه لا يزال يوجد مدخل إلى الراحة الإلهية التي تنتظرهم في المستقبل. ونقرأ هذا في عبرانيين 6:4-11 "فإذ بقي أن قومًا يدخلونها، والذين بُشّروا أولاً لم يدخلوا لسبب العصيان، يعيّن أيضًا يومًا قائلاً في داود: اليوم بعد زمان هذا مقداره، كما قيل: اليوم، إن سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم. لأنه لو كان يشوع قد اراحهم لما تكلم بعد ذلك عن يوم آخر. إذًا بقيت راحة لشعب الله! لأن الذي دخل راحته استراح هو أيضًا من أعماله. كما الله من أعماله. فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة، لئلا يسقط أحد في عبرة العصيان هذه عينها." وفي العدد الثامن يوضح الكاتب بأن المدخل الحقيقي لراحة الله ليس الدخول إلى كنعان حيث قاد الرب الشعب قديمًا إليها عند خروجهم من مصر لأنه إذا كانت هي نهاية المطاف (الرحلة) فلن يكون هناك مكان للدعوة للدخول إلى الراحة، عند مجيء داود بعد مئات السنين من دخول الشعب القديم أرض الموعد.
وهذا مما يؤكد لنا أنه لم يتكلم عن تلك الراحة بل عن يوم آخر نحصل فيه على الراحة الحقيقية الإلهية. لذا تابع الكلام ليفسر لنا بأن المدخل الحقيقي لراحته هو ذلك الوقت الذي نرتاح فيه من أتعابنا. وهذا شاهد للوقت الذي نكون فيه أمام محضر الله دائمًا بدون انقطاع، في فرح دائم نمجد الله ونسجد له ونشكره على كل ما صنع معنا.
ويخبرنا في عبرانيين 4:4 بأن الدخول إلى كنعان ويوم الراحة (أي يوم السبت) هما رمزان للراحة التي نتطلع إليها في المستقبل، حيث سندخل كنعان السماوية أرض البر والمواعيد وسنكون في علاقة دائمة مع الله وكل القديسين، حيث نعطيه المجد إلى أبد الآبدين.
وهذا المستقبل يمنحنا رجاءً أكيدًا ويشجعنا لكي نصبر ونتحمّل الضيقات ونتصرف في حياتنا تبعًا لإرادة الله. فبولس، بعد أن جاهد في إرساليته نراه يقول: "أنا أنسى ما هو وراء وأمتدّ إلى ما هو قدّام" (فيلبي 13:3ب و14). وهو يشجعنا لكي نفعل الشيء ذاته، لأن الذين يتسابقون لا ينظرون إلى الوراء ليروا مقدار ما قطعوه من أشواط، ولكن ينظرون إلى الأمام أي لما هو قريب الحدوث ليصلوا إلى الهدف وينالوا المكافأة.

3- دعوة الحاضر


وعلى ضوء ما تقدّم من دروس الماضي، ورؤية المستقبل، علينا أن نعيش حياتنا اليوم. وكاتب الرسالة إلى العبرانيين، يقول لقرائه كيف سيعيشون اليوم: "انظروا أيها الإخوة أن لا يكون في أحدكم قلب شرير بعدم إيمان في الارتداد عن الله الحي. بل عظوا أنفسكم كل يوم، ما دام الوقت يُدعى اليوم، لكي لا يُقسّى أحد منكم بغرور الخطية. لأننا قد صرنا شركاء المسيح، إن تمسّكنا ببداءة الثقة ثابتة إلى النهاية، إذ قيل: اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم كما في الإسخاط" (عبرانيين 12:3).
في هذا المقطع أربع خطوات: لنطرح كل خطية، لنطهر قلوبنا من عدم الإيمان، ليشجع أحدنا الآخر يوميًا، وفوق هذا كله، اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم. فما دام الوقت يُدعى اليوم، ولنا فرصة للحياة، وهي فرصة لن تُسنح لنا مرة أخرى لأننا نعيش مرة واحدة على الأرض.
ويذكرنا الكاتب مرة أخرى بهذه الحقيقة في (عبرانيين 27:9) "وكما وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة"، وخلاصة الحديث هي أن حياتنا على الأرض هي الفرصة الوحيدة التي بها نستطيع أن نعمل للحياة الأبدية. لهذا تأتي الدعوة الإلهية بأنه ما دام الوقت يُدعى اليوم: "إن سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم."

المجموعة: نيسان April 2013

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

463 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577383