تموز July 2013
الحياة طبيعتها العبوسة... عبست في وجوه الناس على مر الأيام، وستظل تعبس إلى ما شاء الله... ولذلك وصف أيوب الإنسان بأنه شبعان تعبًا. نعم، قد تبتسم الحياة لنا أحيانًا فنغتر بها، ونحسب أن عبوستها ذهبت إلى غير رجعة، أو على الأقل نرجو أن يكون الأمر كذلك ولكن هيهات..
لست من دعاة التشاؤم، ولكن أفضّل أن أكون واقعيًا، وأن أواجه الحياة على حقيقتها. فكم من أناس تفاءلوا على غير أساس من الواقع، فصدمتهم الحقيقة صدمة مريرة. فمن أقسى الأمور على النفس أن نتوقع الراحة فنجد التعب، أن ننتظر الصفاء فيصدمنا الكدر، أو نأمل أن تبتسم الحياة فتطالعنا مكشّرة عابسة.
إذا كان الأمر كذلك، فالإنسان إذًا مخلوق بائس، لأن الضيق إن لم يكن حالاًّ به فعلاً فهو يتهدده ويتربص به، وعليه أن يكون مستعدًا لمواجهته. فهل كُتب على الإنسان أن يحيا في شقاء مقيم؟ ألا من مخرج؟
نعم، أمل وحيد في الخلاص... هو أن نبطل أثر الضيقات على نفوسنا فلا نشعر بآلامها أو نتأثر بوطأتها. وهل تهتم بالقنابل إذا كنت محتميًا في مخبأ أمين؟ وهل تؤثر فيك الطعنات إذا كنت محصنًا في درع متين؟
يبدو أن الرسول بولس قد اكتشف هذه الحقيقة فانعكست في أقواله في كثير من المناسبات. تأمل قوله: "في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا". والمقصود بهذه جميعها الشدائد، والضيقات، والاضطهادات، إلى آخره، أو قوله الآخر: "نفتخر في الضيقات"، أو قوله في مناسبة ثالثة: "كحزانى ونحن دائمًا فرحون". وقد مارس الرسول هذه الأقوال في حياته عمليًا عندما سُجن في فيلبي بعد أن ضُرب كثيرًا وأُلقي به في أعماق السجن الروماني الرهيب مقيدًا في المقطرة... ومع هذا فقد تردد صوته نحو نصف الليل مترنمًا ومسبحًا الله. وليس من شيء أكثر فاعلية في هذا المجال من الإيمان بالله... الإيمان بالله غير المحدود، القادر على كل شيء، مهما بدا الأمر عسيرًا في عيوننا. ألا تطمئن عندما تردد ما دوّنه صاحب المزامير عن الله تعالى: "عند الرب السيد للموت مخارج"؟
وإذا كان الإيمان بالله القوي باعثًا على الطمأنينة، فإن الإيمان بالله المحب يملأ النفس طمأنينة أعمق، وسلامًا أثبت، ورجاء أوطد. انظر إلى الطفل يجري فزعًا إلى أحضان أمه – قوية كانت أم ضعيفة – ليجد الأمان والطمأنينة في حنانها ومحبتها. طوبى لمن يجد في الله أبًا رحيمًا، فإنه يجد في ضيقاته بلسمًا وراحة وعزاء.
ويجدر بنا – عندما تعبس الحياة – ألا ننسى أن لنا رصيدًا غنيًا من الاختبارات السابقة، يمكن أن نستغله فيكون عونًا لنا في كل ضيقة تواجهنا. كم من أزمة طاحنة مرت بك ووجدت الله فيها سندًا وعونًا؟
حينما تتثقل بالهـم الوبيـل
وصليبًـا لـك تلقاه ثقيـل
عدد خيراتك فالوهم يطير
وتتشدد بينما الوقت يسير
ماذا أقول؟ لأنه يعوزني الوقت لو استعرضت جوانب أخرى لامعة للإيمان بالله في الشدائد والضيقات. فهناك الإيمان بالمواعيد الإلهية المباركة الأكيدة. وهناك الإيمان برجاء الحياة الأبدية المجيدة، وغيرها كثير. ما أشد الإيمان بقطعة ثمينة من الماس، كلما تأملت جانبًا منها بهرتك أنوارها اللامعة.
إن الإيمان بالله يعطي صبرًا ورجاء في الضيق. والصبر والرجاء هما الجانحان اللذان نستطيع أن نحلق بهما ونسمو فوق كل ضيقة، فنجتازها بسلام.
وليس الإيمان بالشيء الذي يُعرف أو يُفهم ثم يُحتفظ به للاستعمال عند اللزوم. إنه مثلاً، ليس كزجاجة الدواء التي ندخرها لنتعاطاها عند الحاجة. ستعبس الحياة... وستبحث عن ذلك الإيمان، ولكن دون جدوى لأن الإيمان لن يكون نافعًا ما لم تحياه يومًا بعد يوم، وما لم تُهيّئ الجو الصالح لوجوده ونموّه... ما لم تواظب على الصلاة، والكلمة المقدسة، وكل ما من شأنه أن يقربك إلى الله.
لا تظن أنني أدعو إلى التواكل أو السلبية الممقوتة. ولكنني أؤكد لك أنك إذ تجاهد أمام أزماتك وضيقاتك ستجد في الإيمان خير سند وخير عون.