تشرين الأول October 2013
دعا سمعان الفريسي شخص الرب يسوع المسيح إلى بيته ليأكل معه. ولا نعرف لأي غرض دعاه، هل لأنه اقتنع بعظمة شخصيته وتيقن أنه نبيًا للرب وليس إنسانًا عاديًا؟ ولكي يتعرف عليه أكثر وأكثر قدّم له الدعوة، أو لكي يكشف أي تصرف من الرب يسوع المسيح يرى فيه ضد ما علّم به موسى في ناموسه، وعندما يرى شيئًا مخالفًا للناموس يبدأ بالتشهير به أمام الجماهير، وبذلك يكون قد أدّى خدمة ترضي رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين. ولو كان هذا هو الهدف الحقيقي فلا بد أن تكون دعوة سمعان ليسوع بإيعاز منهم، والبعض يرجحون هذا الرأي لأن سمعان لم يقم بواجبات الضيافة المعهودة مثل غسل الأرجل، والتقبيل، ودهن الرأس بالزيت كما ظهر من حديث الرب يسوع معه.
وحدث أن امرأة خاطئة سمعت بوجود يسوع عند سمعان الفريسي فأخذت معها طيبًا، لا شك أنه كثير الثمن، وفوجئ الجميع بدخولها، وربما بدأ كل واحد ينظر للآخر في ضجر وضيق لأنهم يعرفون حقيقتها جيدًا، ولكن الرب يسوع، مما لا شك فيه، لم يفاجأ بدخولها لأنه كان يعلم بلاهوته أنها ستأتي، ولهذا السبب قَبِل دعوة الفريسي ليخلصها من خطاياها وآثامها.
اتجه نظر الفريسي نحوها ليراقب تصرفاتها، ولما لاحظ أنها تبكي وتبلل قدمَي المسيح بدموعها وتمسحهما بشعر رأسها، وتدهنهما بالطيب، قال في نفسه: لو كان هذا نبيًا لعلم من هذه المرأة التي تلمسه وما هي، إنها خاطئة.
وعلم يسوع بما يدور في خلده فقال له: عندي شيء أقوله لك يا سمعان. فقال له: قل يا معلم. فقال الرب يسوع: كان لمداين مديونان، على الواحد خمسمئة دينار وعلى الآخر خمسين، وإذ لم يكن لهما ما يوفيان به سامحهما جميعًا. فقل أيهما يكون أكثر حبًا له. فقال: أظن الذي سامحه بالأكثر. فقال له: بالصواب حكمت. وهذه المرأة غُفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيرًا. ثم قال للمرأة: "مغفورة لكِ خطاياك". تلك الكلمات المباركة هي في الحقيقة أعظم ما يمكن أن تسمعها أذنَي إنسان. وأريد بنعمة الرب أن أحدثكم عن الغفران الإلهي في ثلاث ملاحظات:
أولاً: الغفران ومقياسه؛ ثانيًا: الخلاص وأساسه؛ ثالثًا: المخلص وإحساسه
أولاً: الغفران ومقياسه
البعض يظن أن الغفران يقاس على مدى عمق توبة الإنسان. ومع أن التوبة ينبغي أن تكون عميقة إلا أنها ليست هي المقياس للغفران. ويظن آخرون أن الغفران يقاس بكمية الدموع التي يسكبها التائب حزنًا على خطاياه. ومع أن التائب ينبغي أن يبكي بكاءً مرًّا حزنًا على ذنوبه وآثامه إلا أن الغفران لا يقاس بمقدار دموع التائب. ويظن آخرون أن الغفران يقاس على عمق اعتراف التائب. ومع أن الاعتراف يجب أن يكون عميقًا إلا أنه ليس هو مقياس الغفران. ويظن آخرون أن الغفران يقاس بنوع الخطايا أو كميتها، لكن الغفران لا يقاس بنوع وكمية الخطايا. ولكن مقياس الغفران نجده في قول الوحي المقدس بفم الرسول بولس: "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته". فمقياس الغفران إذًا هو غنى نعمة الله. لاحظوا، إنه لم يقل حسب نعمته، ولكن حسب غنى نعمته، هللويا!
على حسب غنى نعمة الله غُفرت خطايا السامرية وتحوّلت من امرأة زانية طاهرة نقية. وعلى حسب غنى نعمة الله غُفرت خطايا زكا العشار... هذا الرجل الشرير القاسي الذي عندما دخل المسيح إلى بيته تغير تغييرًا كليًا. وعلى حسب غنى نعمة الله غُفرت خطايا شاول الطرسوسي، ذلك الرجل الذي جدف واضطهد وأتلف كنيسة الله بإفراط وأصبح إناءً مختارًا للرب ليحمل اسمه أمام أمم وملوك.
ثانيًا: الخلاص وأساسه
أساس الخلاص هو الفداء بدم المسيح، وما أكثر الآيات التي تتحدث عن الفداء والدم، أذكر منها:
"الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا". "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية".
"الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه". "متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح".
ولكي يخلص الإنسان من خطاياه يجب أن يؤمن إيمانًا قلبيًا بالرب يسوع المسيح وبفاعلية قوة دمه. ليس فقط في غفران الخطايا بل محوها تمامًا وبأن الله لن يذكرها فيما بعد كما يقول الوحي المقدس: "لأني أكون صفوحًا عن آثامهم ولا أذكر خطاياهم وتعدياتهم فيما بعد".
ويجب أن يسبق الإيمان الشعور بالذنب، والحزن الشديد على الخطايا والذنوب، والاعتراف الكامل والحقيقي بها. وأقول الاعتراف الحقيقي، ذلك لأن كثيرين صدرت عنهم اعترافات ولكن بالشفتين فقط دون القلب. وسأذكر سبعة أشخاص قال كل منهم أخطأت: خمسة منهم في العهد القديم واثنان في العهد الجديد، ولكن اثنان فقط تمتعا بالغفران. ففرعون قال مرتين: "أخطأت" إلى الرب إلهكما وإليكما - وبلعام أيضًا اعترف للملاك الذي ظهر له قائلاً: أخطأت. وعخان قال ليشوع: أخطأت إلى الرب إله إسرائيل. والملك شاول بن قيس قال لصموئيل: "أخطأت لأني تعديت قول الرب".
وداود اعترف أمام ناثان النبي قائلاً: أخطأت إلى الرب. والابن الضال قال لأبيه: "يا أبي، أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقًا أن أُدعى لك ابنًا".
ويهوذا الذي أسلم المسيح لما رأى أنه قد دِين، ندم وردّ الفضة قائلاً: "أخطأت إذ سلمت دمًا بريئًا". من هؤلاء السبعة لم يُغفر إلا لداود والابن الراجع لأنهما اعترفا من كل قلبيهما.
ثالثًا: المخلَّص وإحساسه
بعد أن ينال الإنسان الغفران الذي مقياسه غنى نعمة الله وأساسه الفداء والدم، ترى ماذا يكون إحساسه؟ تنتابه عدة أحاسيس أذكر أربعة منها:
1- الفرح القلبي
كل إنسان نال غفران خطاياه تغمر قلبه الأفراح. فالخصي الحبشي بعد أن نال الخلاص تقول عنه كلمة الله: "ومضى في طريقه فرحًا". والسجان بعد خلاصه عمل وليمة مع جميع أهل بيته إذ كان قد آمن بالله. وفي سفر إشعياء توجد آيتان تتحدثان عن أفراح المخلصين الأولى، تقول: "وتستقون مياهًا بفرح من ينابيع الخلاص"، والآية الثانية هي: "فرحًا أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي. لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر". هذه الأفراح ليست وقتية لكنها مستمرة ودائمة، ولا يستطيع أحد أن ينزعها.
2- السلام الداخلي
يقول الرسول بولس: "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح الذي به أيضًا قد صار لنا الدخول بالإيمان، إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون". هذا السلام يوصف بأنه يفوق كل عقل. كل شخص قبل الرب يسوع إلهًا ومخلصًا لحياته يترنم قلبه قبل لسانه قائلاً:
قلبي دومًا يفيض سلام
قلبي دومًا يفيض سلام
ولو هاجت جيوش الظلام
فهو لي، يسوع لي!
هذا السلام ناتج عن الإحساس بزوال حمل الخطية، وأيضًا لأن إله السلام حل في القلب؛ هذا السلام عظيم لأنه عطية الله ولسان حال كل إنسان خلص بدم المسيح هو القول "إنني دائمًا في سلام".
3- التحرر الحقيقي
قال الرب يسوع المسيح، له كل المجد: "أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى". والدخول والخروج في هذه الآية كناية عن الحرية التي يشعر بها كل إنسان تمتع بخلاص الله. وهذه الحرية حرية حقيقية كما أعلن ذلك الرب يسوع بفمه الطاهر قائلاً: "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا". وقال أيضًا: "تعرفون الحق والحق يحرركم".
4- الضمان الالهي
يشعر من غفرت خطاياه بأنه ممسوك في يد الرب كما أحس آساف بعد دخوله إلى قدس الأقداس واكتشافه حقيقة الأشرار، فقال: "ولكني دائمًا معك. أمسكت بيدي اليُمنى، برأيك تهديني وبعد إلى مجد تأخذني". الإحساس بالضمان نابع من قول الرب يسوع: "خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يستطيع أحد أن يخطفها من يدي".
وإنني أترك للقارئ العزيز حرية الاعتقاد في هذا الضمان، هل هو مشروط أم مطلق.
عزيزي القارئ،
هل تمتعت بغفران خطاياك وذنوبك وأحسست بنوالك هذه البركات العظيمة؟ إن كنت للآن لم تخلص، فارتمِ عند قدمي الرب يسوع معترفًا بخطاياك وواثقًا في قوة دم المسيح الذي يطهر من كل خطية. بعدما تفعل هذا ستتمتع بغفران خطاياك ومحوها تمامًا.