تشرين الأول October 2013
عندما جاء الرب يسوع المسيح إلى أرضنا، جاء ليرفع عنا حكم الموت، هذا الحكم الذي كان من نصيب كل إنسان. جاء ليصالح الإنسان مع الله. جاء ليخّلص الخاطئ ويرفع عنه خطاياه. جاء ليرفع رأسه المنحني، ويمنع عنه الخجل واليأس. جاء ليحقق وحي الكتاب المقدس ويجيب رجل الله أيوب حين قال: "ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا" (أيوب 33:9). فعندما جاء المسيح كان هو المصالح وكان هو الإجابة، "أي إن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم" (2كورنثوس 19:5).
جاء الرب في صورة إنسان لكى ينوب عن الإنسان، فكان إنسانًا مثلنا ولكنه كان بلا خطية. جاء إنسانًا ولكنه لم يتخلّ عن ألوهيته. وعندما قّدم نفسه على الصليب كذبيحة نيابة عنا، كان يصلح أن ينوب عن الإنسان في حمل تكلفة الخطية أي الموت، ذلك لأنه كان إنسانًا كاملاً مثلنا ولكن بلا خطية. ولأنه إلهًا غير محدود فإن دم جسده الذي سفك، كان كافيًا للتكفير عن جميع البشر. "وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا" (إشعياء 5:53).
إذن، فهو جاء ليصالح، ويداوي، ويشفي، جاء لكي يخّلص لا ليدين، فهو الذي قال: "...لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلّص العالم" (يوحنا 47:12). إذن، فليس من المستغرب أن يذكر عنه في الأناجيل أنه التقى زناة، فإنه وإن كان يكره الخطية لكنه لا يكره الخطاة، بل يحبهم ويشفق عليهم منتظرًا دائمًا أن يرجعوا إليه، وقد عالج الرب يسوع في لقاءاته مع الزناة خطية الزنا بطرق مختلفة، إذ التقى بثلاث سيدات، سبق وسقطن في خطية الزنا وهن: المرأة السامرية (المستبيحة)، والمرأة التي جاءت إليه في بيت سمعان الفريسي (التائبة)، والمرأة التي جاء بها اليهود ليرجموها أمامه (قبيل إعدامها بلحظات).
في هذه الحالات الثلاث، كان هناك اختلاف في بعض الأمور:
- فالمرأة السامرية، نجد أن الرب هو الذي ذهب للقائها عند بئر يعقوب، والمرأة التائبة هي التي ذهبت إليه في بيت سمعان الفريسى، أما المرأة الثالثة فقد أحضروها إليه لكي تُرجم.
- المرأة السامرية كانت ما تزال تمارس الرذيلة خلسة بعيدة عن العيون، والكتاب يصف أمثالها بالقول: "كذلك طريق المرأة الزانية. أكلت ومسحت فمها وقالت: ما عملت إثمًا!" (أمثال 20:30). فنحن نراها واقفة مع الرب يسوع تناقشه في أمور العقيدة والعبادة بجسارة وجرأة متجاهلة تمامًا زناها. والمرأة التائبة هي امرأة صادقة جاءت إلى الرب باكية ساجدة له مبللة قدميه بدموعها، أما المرأة الثالثة فهي التي أُمسكت في ذات الفعل ولم يكن لها فرصة أن تتوب أو حتى تتكلم. فالمرأة الأولى زانية في الخفاء، والثانية زانية علانية لكنها جاءت تائبة، أما الثالثة فهي زانية ومفضوحة ولا مجال لها للتوبة من وجهة نظر اليهود!
أحبائي، التباين الواضح في تلك الحالات الثلاث يعكس أيضًا غرض الوحي الإلهي من هذا التنوع. ففي المواقف الثلاث دليل على قدرة الرب على التعامل مع كل انواع الزناة مهما كانت مواقفهم من خطيئتهم، ومهما كانت المرحلة التي وصلوا إليها في الخطيئة، أو مهما كان لهم من صفات شخصية تعيقهم عن التوبة والخلاص. فالوحي الإلهي يرينا أنه في المقابلات الثلاث كان هناك دائمًا ما يعيق سير عجلة الخلاص ويعمل ضدها.
فالمرأة السامرية كان العائق هو شخصيتها المتكبرة. والمرأة التي أُمسكت في ذات الفعل كان العائق هو الشريعة واليهود. أما المرأة التائبة فقد كان العائق هو الفريسي الذي كان يدينها. لكن الرب دافع ببسالة في كل من الحالات الثلاث.
فمع أن المرأة السامرية قد تكلمت كثيرًا (ستة مرات) في لقائها مع الرب، لكن الرب قاوم تهكمها وتبجحها بتواضع شديد، وحكمة، وصبر مذهل، وأجابها عن كل أسئلتها بكل وقار وثبات وكل احترام، مصممًا في مقاومته للشر فيها أن يقضي على تبجحها وتسترها عن الحقيقة اللذين أبعدانها عن الانسحاق والتوبة. كان الرب كطبيب جراح ماهر الذي قبل أن يفتح الجرح الملوث يضع عليه أولاً الزيت قبل المطّهر، تمامًا كما أوضح لنا ذلك من قبل في مثل السامري الصالح الذي وضع الزيت أولاً ثم الخمر! فعندما سألته: "كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟"، لم يتضايق ولم ينزعج بل قال لها: لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيًا. وعندما قالت له: "يا سيد، لا دلو لك والبئر عميقة. فمن أين لك الماء الحي؟ ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر وشرب منها هو وبنوه ومواشيه؟". لم يلتفت الرب لكلامها المتهكم، بل نظر إلى هدفه الذي جاء من أجله وهو خلاص هذه المرأة ونجاتها، فنجده يجاوبها بهدوء قائلاً: "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية". ولكن عندما قالت له: "يا سيد، أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي". عندئذ ظهر مشرط الجراح لكى يفتح الخرّاج، ويخرج الصديد، ويواجهها قائلاً: "اذهبي وادعي زوجك وتعالي إلى ههنا." وعندما قالت: "ليس لي زوج"، وضع المشرط وفتح الجرح بالفعل بقوله لها: "حسنًا قلتِ: ليس لي زوج. لأنه كان لك خمسة أزواج والذي لكِ الآن ليس هو زوجك"، معلنًا عن خطيتها. وعندما قالت: "يا سيد، أرى أنك نبي. آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجد فيه"، قال لها يسوع: "يا امرأة، صدقيني إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب". وأخيرًا، حين قالت: "أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء"، عندئذ أعلن لها الرب عن الحق الإلهي قائلاً: "أنا الذي أكلمك هو".
أما المرأة التي أُمسكت في ذات الفعل فهي لم تتكلم كثيرًا، بل نجدها تقول جملة واحدة فقط: "لا أحد يا سيد". قالت هذا بعدما ابتدأ الرب في الدفاع الرائع والمذهل عنها، الذي انحنى بأسلوب عملي إلى الأرض من أجل هذه الزانية، وكان يكتب... ونحن لا نعلم ماذا كتب بالضبط، ولكن معظم المفسرين يقولون أنه كتب خطية كل واحد من اليهود الذين جاءوا ليرجموها، الذين انصرفوا وكانت ضمائرهم تبكتهم. لم يرجمها أحد حين طلب الرب منهم ذلك قائلاً لهم: "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر".
والمرأة التائبة لم تتكلم إطلاقًا، لكن الرب تكلم بدلاً عنها وبكّت الفريسي على كل ما دار في ذهنه نحوها، وفي نفس الوقت طوّب عمل المرأة التائبة معلنًا لنا نحن ما هي متطلبات التوبة الحقيقية، إذ أوضحها في كلامه حين قال للفريسى: "أتنظر هذه المرأة. إني دخلت بيتك وماء لأجل رجليّ لم تعطِ. وأما هي فقد غسلت رجليّ بالدموع، ومسحتهما بشعر رأسها. قبلة لم تقبلني. وأما هي فمنذ دخلت لم تكفّ عن تقبيل رجليّ. بزيت لم تدهن رأسي. وأما هي فقد دهنت بالطيب رجليّ" (لوقا 44:7–46). هذا يعني أنني لكي آتي إلى الرب يلزمني أن:
- أسجد أمام الرب تائبًا ومعترفًا بذنوبي وخطاياي. لأن المرأة سجدت.
- أملّكه ربًا ومسيحًا ومخلصًا لي. فقد قال الرب للفريسي: "بزيت لم تدهن رأسي".
- أعلن عن محبتي له نظير محبته هو لي أنا أولاً. فالرب قال للفريسي: "قبلة لم تقبلني". أي لم تظهر لي علامة ودليلاً على محبتك.