كانون الأول December 2013
في جلسة هادئة، جَمعت عددًا من المجوس، دار الحديث بينهم حول الأمور المختصة بحكمتهم والتي اعتبروها امتيازًا خصّهم به الله مدركين قيمتها العظيمة، فتجارتها خير من تجارة الفضة، وربحها خير من الذهب الخالص. هي أثمن من اللآلئ وكل الجواهر لا تساويها. وبينما هم مأخوذون ومشدودون في الحديث، رفع أحدهم وجهه إلى السماء فرأى نجمًا غريبًا، وبسرعة لفت أنظار رفاقه إلى هذا النجم، وبدأوا يتناقشون في أمره، فتوصلوا إلى أنه إعلان عن ولادة ملك عظيم لا بد أن يكون في أورشليم.
فقاموا مسرعين وركبوا جمالهم قاصدين أورشليم. ولما وصلوها بدأوا يسألون: "أين هو المولود ملك اليهود؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ". وصل الخبر إلى هيرودس الذي بدوره استدعى رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم: أين يولد المسيح؟ فقالوا: في بيت لحم اليهودية. فدعا المجوس سرًا وأرسلهم إلى بيت لحم ليفتشوا بتدقيق عن الصبي. ومتى وجدوه فعليهم أن يخبروه عن مكانه. فذهبوا في طريقهم، وإذا النجم الذي رأوه يتقدمهم، ففرحوا فرحًا عظيمًا. وقف النجم فوق حيث كان الصبي، وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع أمه، فسجدوا له وفتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا: ذهبًا ولبانًا ومرًّا. وإذ أوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم. وسأتأمل معكم في ثلاثة أمور:
أولاً: الاهتمام الذي أبدوه
ثانيًا: الإيمان الذي أظهروه
ثالثًا: الهدف الذي حققوه
أولاً: الاهتمام الذي أبدوه
بعد رؤيتهم للنجم واقتناعهم أنه إعلان سماوي عن ولادة ملك عظيم قرروا السعي الجاد لزيارته والسجود له، وفعلاً ركبوا جمالهم حاملين معهم كنوزًا ثمينة قاصدين أورشليم. ولشدّ ما أقدّر لهم مدى اهتمامهم الذي أبدوه خاصة لأن رسالة النجم لم تكن واضحة مثل وضوح بشارة الملاك للرعاة عن شخصية المولود وزمن ولادته ومكانها.
وصل المجوس إلى أورشليم المدينة الكبيرة الواسعة وبدأوا يطرقون أبواب القصور يسألون عن المولود. ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل، فبدأوا يسألون كل من يقابلونه، ولكن من غير جدوى. ويخيّل إليّ أن بعض الناس اتهموهم بالجنون والبعض الآخر يقولون إن هؤلاء أمم ويسألون عن ملك اليهود، وليس لهم فيه نصيب. وصل الخبر إلى هيرودس فجمع رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم: أين يولد المسيح؟ فقالوا: في بيت لحم اليهودية. فاستدعى هيرودس المجوس وقال لهم: إن من تبحثون عنه وُلد في بيت لحم اليهودية، وطلب منهم أن يرجعوا إليه بعد العثور عليه. وكم كان فرحهم عظيمًا عندما علموا مكان ولادة هذا الملك وانصرفوا قاصدين بيت لحم. وكم كان سرورهم شديدا عندما رأوا النجم يتقدمهم إلى أن وقف فوق حيث كان الصبي. فدخلوا البيت ورأوا الصبي مع أمه مريم ففرحوا فرحًا عظيمًا برؤية هذا المولود العجيب.
ثانيًا: الإيمان الذي أظهروه
لم يتحرك المجوس بدافع الفضول أو حبًا للاستطلاع، أو طمعًا في معرفة سر جديد من أسرار الكون يضاف لعلمهم وحكمتهم، ولكن الذي حركهم هو الإيمان القوي الذي ظهر في تحركهم السريع بالرغم من عدم وضوح الأمور. وظهر أيضًا في البحث الجاد والشاق بغرض الوصول إلى لقاء المسيح والسجود له. وأيضًا ظهر إيمانهم في صيغة السؤال الذي قدموه: أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له. كانت قلوبهم عامرة بالإيمان الذي خلت منه قلوب رؤساء الكهنة وكتبة الشعب. إنه لأمر مؤسف جدًا أن الذين يعرفون جميع النبوات الخاصة بالمسيح بل ويستظهرونها تخلو قلوبهم من الإيمان، والأمم يؤمنون! كان من المفروض أن رجال الدين يسبقون المجوس في الذهاب إلى بيت لحم أو أن يذهبوا معهم، أو على الأقلّ يقدمون لهم الشكر لأنهم أطلعوهم على هذا الأمر. لكن، مع كل أسف، تمسك رجال الدين بالقشور دون الجوهر حفاظًا على مراكزهم الدينية.
كافأ الرب إيمان المجوس بأن أرسل لهم النجم الذي رأوه ليقودهم، وليكون ظلاً لهم في النهار ونورًا هاديًا بالليل لأنهم تمسكوا بالجوهر وليشبعوا جوعهم القلبي وليرووا ظمأهم الروحي.
ثالثًا: الهدف الذي حققوه
تتبع المجوس سير النجم حتى وقف فوق حيث كان الصبي، وجاءوا إلى البيت الذي كان بمثابة كوخ وليس بيتًا، ولكن لم يفكروا في هذا الأمر لأن كل هدفهم وأمنية قلوبهم أن يروا المولود ليسجدوا له. ووصلوا إلى ذلك الهدف ورأوا الصبي مع مريم أمه. وما أروع ما رأوا! رأوا طفلاً عجيبًا جماله أبرع من كل بني البشر، وسجدوا له! لم يكن سجودهم سجود الإكرام والاحترام فقط بل كان سجود العبادة. والملاحظة الغريبة أنهم لم يسجدوا لهيرودس عندما استدعاهم، ولكنهم سجدوا لهذا الطفل، وفتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا: ذهبًا ولبانًا ومرًّا. الذهب للمسيح الملك، واللبان للمسيح الكاهن، والمرّ رمز للآلام الشديدة التي سيتحملها في المستقبل.
بعد أن تحقق الهدف الذي سعوا إليه لم يرجعوا من نفس الطريق الذي جاءوا منه بل انصرفوا إلى كورتهم من طريق آخر. من يرى يسوع لا بد أن تتغير حياته وطريقه.
هل رأيت يسوع؟ هل تعرفت عليه؟ إن كنت قد رأيته وتعرفت عليه أهنئك من كل قلبي. وإن كنت لم تفعل فإني أقدمه لك اليوم فاقبله إلهًا ومخلصًا لحياتك.