كانون الأول December 2013
يعتبر عيدي الميلاد والقيامة أهم الأعياد المسيحية على الإطلاق، ويمثل عيد الميلاد تذكار ميلاد يسوع المسيح. ويسمى عيد الميلاد في الإنجليزية "كرسماس"، والفرنسية "نويل"، والسريانية "عيد دبيت يلدا". وترى أغلب الدراسات الحديثة أن المجوس جاءوا من الأردن أو السعودية، أما التقاليد فتشير الى أنهم جاءوا من العراق أو إيران حاليًا. وقادهم النجم الذي أشار عنه بلعام "نجم من يعقوب" سابقًا. ويستخلص بعض الفلكيين أن النجم اللامع في إنجيل متى قد يكون اقتران الكوكب المشتري وزحل والمريخ الذي تم في ذلك الزمان.
والجدير بالذكر أن ميلاد يسوع المسيح هو ميلاده الجسدي أما من حيث الوجود فهو منذ الأزل "مولود غير مخلوق مساوٍ للآب في الجوهر". ويقابل عيد الميلاد، عيد الشمس لأن المسيح هو "شمس البر والشفاء في أجنحتها" كما تنبأ ملاخي، وهو "نور العالم". واعتبرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عيد الميلاد عيدًا رسميًا، وهكذا أقرّته دول العالم قاطبة. وفي ميلاده لنا ثلاثيات:
أولاً: ثلاث مصطلحات
وهذه المصطلحات الثلاثة مذكورة في رسالة العبرانيين 11، رومية 24:8-25، 2كورنثوس 1:5 وتشمل كلمات الإيمان واليقين والتعليم. ويبدأ الفيلسوف بولس الرسول أطروحته عن التجسد بالقول: "أما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى... والبار بالإيمان يحيا". فالإيمان هو ثقة في وعد الله وكلمته، وثقة في أمر يرجى في المستقبل مثل مجيء المسيح الثاني وقيامة الأبرار ومكافآت الأبدية. وهذا النوع من الإيمان يجعل الأمور المستقبلية التي نرجوها حقائق حاضرة، وهو شبيه بعقْد الملكية. والحقيقة أن الحقائق والتعاليم المسيحية أو الدينية قاطبة لا سيما التي أُعلنت في الكتاب المقدس كوجود الله ومحبته للبشر، ودم المسيح وشفاعته، والبركات الروحية وغيرها، وإعلانات الوحي عن خلق العالم والحوادث التاريخية والعالمية الأخرى، والنبوات الكتابية تخضع للتفسير الإيماني ومنطق العقل.
ثانيًا: ثلاث نبوات
لقد أعلن الوحي المقدس عن ميلاد المسيح في نبوات متتالية كثيرة، وسنقتبس منها ثلاثة لأهميتها: الأولى في تكوين 10:49 عن شيلون، والثانية في ميخا 5 عن المدبر الذي يرعى شعبي، والثالثة في إشعياء 7 و9 عن الولد الملك. ولقد حاول كثيرون طمس حقائق إنجيلَي متى ويوحنا وفشلوا في أن يخدعوا البسطاء تحت شعار الوحدة العالمية وعلى رأسهم ستانلي جونز حين قال في مؤتمر ديني عالمي: "المسيح جذع الشجرة، وأغصانها الهندوسية والشنتوية والبراهمية والكنفوشية وجميع ديانات العالم الأخرى. كلهم جاءوا بالنور السماوي للخليقة البشرية. وجميعهم يعملون على خلاص العالم". قد يكون في قوله بعض الصدق، لكن لا يوجد في هذه الأديان شخصية المخلص بل شخصية المعلم. أما الدكتور نيملر وهو من دعاة الوحدة العالمية فقال: "أنا لا أدين بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله، إنما الكتاب المقدس يحتوي على كلمة الله"، فناقض نفسه وأنكر بذلك وجود السماء، وجهنم، والملائكة، والشياطين، ووحي الكتاب المقدس الكامل، والتبرير بالإيمان، والخلاص المجاني، والولادة الثانية. إن المسيحية تخدم المجتمع لكنها ليست الإنجيل الاجتماعي.
ثالثًا: ثلاث مشكلات
وتتمثل المشكلة الأولى في الولادة العذراوية في لوقا 1، والثانية في قتل الأطفال في متى 16:2، والثالثة في الهروب إلى مصر في متى 13:2-15. هذه المشكلات واجهها يسوع في طفولته. زار المسيح بيت لحم وليدًا، وارتحل إلى مصر رضيعًا "مبارك شعبي مصر"، وعاد إلى الناصرة، والكلمة ناصريًا مأخوذة من إشعياء 1:11 تُرجمت للأصل العبري "غصن" أي ناصر أي إنه سيُدعى الغصن الناصري، كما يذكر وليم باركلي. وفي ذلك أشاد الشاعر أحمد شوقي قائلاً:
وُلد الرفق يوم مولد عيسى
والمروءات والهدى والحياء
وازدهى الكون بالوليد وضاءت
بسناه من الثرى الأرجاء
وسرت آية المسيح كما يسري
من الفجر في الوجود الضياء
تملأ الأرض والعوالم نورًا
فالثرى مائج بها وضّاء
لا وعيد، لا صولة، لا انتقام
لا حسام، لا غزوة، لا دماء
فلا تفشل أمام ملمّات الحياة.
رابعًا: ثلاث قيادات
عدّ علماء اليهود في الناموس 613 وصية منها 248 إيجابية و365 سلبية منفصلين بعضها عن بعض، أما يسوع فأجاب عن السؤال: أية وصية هي أول الكل قائلاً: "الرب إلهنا رب واحد وتحب الرب إلهك..." هذه هي الوصية الأولى وهي لب الوصايا، "وأن تحب قريبك كنفسك". واجه المسيح في طفولته ثلاثة ملوك: الأول، هيرودس في متى 1:2، والثاني هو أغسطس قيصر في لوقا 1:2، والثالث هو حاكم مصر. وفي المقابل كان لهدايا المجوس الثلاثة دلائل روحية عميقة، وقدموا له ذهبًا ولبانًا ومرًّا. وقد يكون قلب المجوسي خيرًا من صاحب العرش الملكي. كان شاب يفخر بعدد اللغات التي يعرفها فقال: إنه في باريس لا يميزونه عن البارسيين. أما الإسبانية والبرتغالية فما أسهلها. وفي إيطاليا يظنونه أحد سكان البلاد. فسأله أحدهم: يا بني هل تعرف لغة السماء؟ فأجاب بالإيجاب قائلاً: "إن كنت أتكلم بلغة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة فقد صرت نحاسًا يطن أو صنجًا يرن".
خامسًا: ثلاث معجزات
والمعجزة الأولى تتمثل في حبل أليصابات، أما الثانية فتتجلى في حنة التي "تكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم". وهذا يذكرني بما قاله أحدهم: "كلما نظرت إلى طفل المذود صرخ قلبي: إن إله الحب قد افتكرني منذ الأزل حتى تنازل لأجلي، ومع ذلك المحبة تجول هنا وهناك دون أن تُحب. إن محبة المسيح أنقذت نفسي وجعلتني سعيدًا إلى الأبد". مرّ رينان الملحد الفرنسي بتمثال المسيح المصلوب، وقد كتب على قاعدته "ابن الإنسان قد جاء الى العالم ليخلّص الخطاة"، فأخذ قلمه وكتب تحت هذه العبارة: "أيها الإنسان قد مضى وقتك". ومرّ بعده كارليل الفيلسوف الإنجليزي وقرأ من أول الأصحاح الرابع عشر من إنجيل يوحنا: "لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب، أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي" إلى نهاية الأصحاح السادس عشر ثم كتب على التمثال: "أيها القائل: وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضًا، إن الحاجة باقية إليك وستظل هكذا ما دام العالم يحتاج إلى المحبة".
سادسًا: ثلاث تسبيحات
إذا تتبّعنا ما أنشد به الملائكة، وتمجيدة مريم لله، وما تفوّه به زكريا ونبوءاته عن الصبي يسوع، لأدركنا أن نور الشمس هو هو طول اليوم، غير أنه لم يضئْ بأشد لمعانه إلا عند المذود "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية". قال أحدهم: إن أكبر أوبرا هي في باريس، وأكبر كوبري بين نيويورك وبروكلين، وأعلى بركان هو في المكسيك، وأكبر مساحة من الماء العذب هي بحيرة سوبريور، وأطول نفق بين لوركين وميلانو بإيطاليا، وأكبر صحراء هي الصحراء الكبرى في أفريقيا، وأكبر هرم في العالم هو هرم خوفو في مصر، وأكبر جرس في العالم هو بموسكو وغيرها من أمثالها، ولكن هذه كلها لا تقاس بمقدار محبة الله المتجسدة لخلاص الإنسان. إنها المحبة "الفائقة المعرفة" التي تجذب أشر الخطاة إلى معرفة الله. وباختصار شديد، إن تسبحة مريم كانت إكليلاً لإيمانها واعترافًا "فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوّبني". أما تعظيم وابتهاج أليصابات فكان تعبّدًا وخشوعًا "فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ". وجاءت تسبحة زكريا شكرًا وابتهالاً لأنه "يعطينا أننا بلا خوف منقذين من أيدي أعدائنا نعبده".
سابعًا: ثلاث بركات
إن حمدلة الملائكة شملت ثلاث مقاطع: "المجد لله في الأعالي" لأن التجسد أعلن مجده. "وعلى الأرض السلام" لأنه صنع سلامًا بين السماء والأرض. "وبالناس المسرة" لأن الله قدّم للعالم البشارة السارة التي سر أن يزفّها للعالم. لم لا والمولود "ابن العلي يُدعى" أو بكلمة أخرى إنه "ابن الله". وهذه التسمية تؤكد فقط وحدة الأزلية والجوهر والتشابه والتماثل "ومن شابه أباه ما ظلم"، فللآب والابن طبيعة واحدة. إن كلمة ابن تعطي امتيازات الوراثة والطاعة والجينات، وقد تتعدّاها إلى مهام في العمل كالخلق والأداء والحب، والإعلان "هو خبّر"، والتمثيل كالسفارة "أنا والآب واحد"، فلا تعددية في اللاهوت بل علاقة سرية أجملها بولس الرسول في عبارة واحدة "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى. الله ظهر في الجسد... هيّأت لي جسدًا".
إن الفكر البشري يظل معتمًا ومظلمًا إلى أن يتعرّض إلى نور الرب يسوع المسيح المخلص والفادي "وليس بأحد غيره الخلاص".