Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الأول December 2014

shahid pic80x90إن قصة المرأة السامرية هي قصة معروفة ومألوفة لدى العديد من المؤمنين الذين اختبروا نعمة المسيح، ولدى القلة الضئيلة أيضًا التي تطالع الكتاب المقدس بين الفينة والفينة. وفي معظم الحالات يكون التركيز حول هذه المرأة والتحوّل الرائع الذي أصاب حياتها بعد حوارها مع المسيح. ولكنني في هذه الدراسة القصيرة أريد أن أركّز لا على المرأة السامرية إنما على شخص المسيح وموقفه منها والغرض الذي استهدفه من هذا اللقاء.


وفي رأيي المتواضع أن المسيح كان المرسل الأول الذي عرفته المسيحية، فهو قد تخلّى عن أمجاده السماوية وتجسّد، أي اتّضع إلى حدّ أنه أخذ صورة عبد صائرًا في شبه الناس في أرضٍ غريبة، يتحكّم بها إله هذا الدهر الذي استعبد الملايين وما زال، لكي يجابه القوى الشريرة الرهيبة ويشرّع أبواب الخلاص لكلّ من يقبل إليه.
لقد أصبح المسيح عرضة للاضطهاد والصلب والجلد كما يمكن أن يحدث للمرسلين المكرسين الذين ذهبوا على ممر العصور إلى بلاد مناوئة للمسيحيين في أقطار العالم، ليكرزوا بكلمة الإنجيل ويحملوا للبشرية المعذّبة رجاء الخلاص والحرية. فاستشهد كما استشهد الكثيرون من المسيحيين في القرون السالفة وما زالوا يعانون اليوم كل اضطهاد حتى الموت من غير أن تخور عزائمهم أو أن يتراجعوا عن إيمانهم.
ورغم علم المسيح المسبق بما ينتظره من عواقب وخيمة فإنه جاهر بجرأة منقطعة النظير بدعوته السماوية التي لم يكن لها نظير في تاريخ الجنس البشري، وهي في جوهرها خطة الله لخلاص الإنسان. ونجد أن يوحنا المعمدان قد أدرك منذ اللحظة الأولى جوهر إرسالية المسيح والتي كانت في أسسها دعمًا لدعوة يوحنا المعمدان. عندما رآه قادمًا إليه في مطلع إرساليته العملية، هتف بصوت صارخ قائلًا: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم». وحين نقرأ في إنجيل يوحنا 16:3: «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد...». علينا أن نتوقف ولو للحظة قصيرة عند لفظة بذل لأنها هي خلاصة إرسالية المسيح وهدف مجيئه. ففي بذل الآب لابنه، أي في إرساله لافتداء الإنسانية على الرغم مما سيقاسيه من مواقف الإنسان المتعنتة والتي ستفضي به إلى موت الصليب، فإن المسيح قد تحمّل هذه المسؤولية كمرسَلٍ من الله لتتمَ خطة الله في أرض الأحياء. فلفظة بذل تتضمّن في معناها الشامل: التضحية، والعطاء، والمحبة، وتحمّل المسؤولية الملقاة على عاتق حامل هذه الدعوة... ونجد ذلك واضحًا في قصة المرأة السامرية.

رحلة المسيح إلى اليهودية

كان في وسع المسيح أن يذهب من اليهودية إلى الجليل عن طريق الشاطئ، أو عن طريق بيرية متفاديًا الاجتياز بالسامرة. ولكن المسيح كان دائمًا مقيّدًا بالخطة الإلهية التي جاء من أجلها وتطبيقها لأنه يحقق الهدف من تنفيذها ويمجّد الآب السماوي الذي أرسله. والواقع أن ذهابه إلى الجليل عن طريق السامرة هو تعبير حيّ عن محبته وشفقته وتفهمه لحاجات الناس حتى لو كانت حاجات فرد واحد، ولو كان هذا الفرد من أعداء جنسه. فالسامريون واليهود كانوا على عداء مستمر يعود إلى قرون خلت، ولكن المسيح الذي كان واعيًا لمهمته ومسؤوليته قد جاء لكل العالم، بل لكل فرد من أبناء الكرة الأرضية ليخلص كل من يؤمن به، لا فرق في ذلك بين أمة وأمة، أو بين عرقٍ وعرق متخطيًا بذلك الحدود الجغرافية والحضارية والسياسية والاجتماعية.
توقف المسيح عند بئر يعقوب التي تبعد نحو 800 مترًا جنوب مدينة سوخار المعروفة اليوم باسم عسكر. وقد اتفق السامريون واليهود والمسيحيون والمسلمون على موضع هذه البئر التي تقع في سرادب كنيسة أرثوذكسية... والتي يغذيها نبع تحت الأرض.
ولقد اختار المسيح هذه البئر في الوقت المناسب ليلتقي بالمرأة السامرية لأنه أدرك أنها كانت تتفادى بقية نساء المدينة خشية أن تتعرّض للمذمّة والتنديد لأنها لم تكن امرأة فاضلة. ودار بينه وبينها حديث مدهش على الرغم من بساطته. لقد دهشت هذه المرأة لأنه قد بادرها بالحديث وهو رجل يهودي. ولكن المسيح منذ بادئ الأمر عمد إلى لفت انتباهها إليه وليس إلى التقاليد والعقائد والطقوس. فالمسيحية وحدها في شخص المسيح تسمو عن الطقسية لأنها تتمحور حول شخص، وما العقائد إلا نتيجة للإيمان بهذا الشخص.
والواقع أن المسيح قد جاء خصيصًا من أجل هذه المرأة بالذات لأنها كانت في حاجة ماسة إلى صياغة جديدة، وهذا أمر لا يمكن أن يحدث إلا إذا وقف المرء أو الخاطئ وجهًا لوجه أمام قدوس الله العلي.

ماء الحياة

لقد كان طلب المسيح أن تعطيه ماء ليشرب، هو خرق صارخ للتقاليد الاجتماعية الصارمة، ولا سيما الحوار مع المرأة السامرية. ولكن المسيح الذي فوق كل طقس وتقليد، أراد أن يجسد لها وللعالم أجمع أن إرساليته ومواقفه تختلف عن كل ما تعارف عليه الناس مما يتغاير مع الخطة الإلهية. ومن ناحية أخرى كان موقفه من المرأة السامرية خرقًا وإبطالًا للعداوة الاجتماعية والسياسية والدينية التي كانت قائمة بين السامريين واليهود، وفي هذا الحوار افتتاح لحديث أولًا، وتوجيه لفكرها إليه ثانيًا.
عندما أخذ المرأة السامرية العجب من طلب المسيح منها أن تعطيه ماء ليشرب كان ردة فعلها الأولى قولها: كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟ فماذا كان جواب المسيح؟
«لو كنتِ تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنتِ منه فأعطاك ماء حيًا». وفي هذا الرد العجيب، حطم المسيح الحاجز الأول الاجتماعي إذ قال لها: «لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول أعطيني... لطلبت أنت منه...». فإنه إن كان لا يليق بالرجل أن يبادر المرأة بالحديث من جراء العداوة، فكيف يطلب منها أن تكون هي البادئة بإعطائه الماء ليشرب؟ وأكثر من ذلك، ففي الإشارة إلى نفسه، فإنه، على سبيل الاحتمال، كان يردد ما ورد على لسان إرميا عندما أشار إلى عصيان اليهود وتمرّدهم على الله الذي هو “ينبوع المياه الحية...”. ومن هنا جاء قول المسيح لها: «لطلبت أنتِ منه (أي من المسيح) فأعطاك ماء حيًّا».
هنا نجد التأكيد المشدد على تفرّد المسيح وأنه وحده الذي يستطيع أن يشبع أشواق الإنسان الروحية ويملأه بقوة الروح القدس. وأكثر من ذلك، يؤكد على أن “كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا، ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد”.
لم تكن قصه الماء هذه سوى الوسيلة الفعالة التي استخدمها المسيح في حواره مع المرأة ليجتذبها إلى شخصه وليس إلى أي شخص آخر. ولعلّ هذه الآية التي يتحدّث فيها المسيح عن الماء الحي النابع منه والذي كل من يشرب منه فلن يعطش إلى الأبد كانت محمّلة بالمضامين اللاهوتية التي كانت مجسّدة فيه.

أسلوب المسيح

والحقيقة التي نعجز عن إغفالها أن المسيح في ذلك الحوار استطاع أن يتدرّج بهذه المرأة من مفهوم ماديٍّ إلى مفهوم روحي جديد ويحرّرها من كل ما اعتادت عليه في حياتها الجسدية والروحية. فهو أولًا بعد أن تحدّث عن الماء الحي، طلب منها أن تستدعي زوجها «وتعالي إلى هنا».
لقد وضعها المسيح أمام واقعها المزري واعترفت أن لا زوج لها الآن لأنه كان لها خمسة أزواج سابقًا وأن الذي تقيم معه آنئذ ليس زوجها، وللحال أقرّت بنبوّته “أرى أنك نبي”. ولكن المسيح لم يكتفِ بهذا الاعتراف ورآها تحاول أن تتملّص من هذا الحديث لتنتقل إلى مراسم العبادة بل موقع العبادة أهو جبل جرزيم، أم في أورشليم؟. غير أن المسيح الذي لم تغب عنه أهدافها، أزال حتى حواجز العبادة هذه لأن العبادة لا تقتصر على الأماكن بل إن الهيكل الحقيقي الذي يسكن فيه الروح القدس هو جماعة المؤمنين بغض النظر عن جنسياتهم وأصولهم. قال لها المسيح: “إنه تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق...”. ثم ولأول مرة في حواره معها أشار إلى بعض المظاهر اللاهوتية بعد أن أعدّها للمفاجأة الكبرى التي لم تكن تتوقعها في بادئ الأمر. فعندما انتقلت هذه المرأة إلى ذكر المسيّا الذي سيأتي وأنه متى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء، فجّر المسيح قنبلته الصاعقة إذ قال لها: «أنا الذي أكلّمك هو». يا للرهبة! أحقًّا كانت هذه المرأة السامرية الخاطئة تقف وجهًا لوجه أمام المسيّا المنتظر رجاء العالمين؟ ومن شدة لهفتها وفرحتها تركت جرتها ومضت إلى المدينة قائلة للناس: “هلمّوا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت، ألعلّ هذا هو المسيح؟ فخرجوا من المدينة وأتوا إليه... فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام المرأة التي كانت تشهد أنه قال لي كل ما فعلت... فآمن به أكثر جدًا بسبب كلامه، وقالوا للمرأة إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلّص العالم.

المسيا المخلص

لقد تكبد المسيح العناء ودخل منطقة السامرة، منطقة العداوة، ليفتدي امرأة خاطئة واحدة والتي عندما وقفت أمامه وجهًا لوجه صاغها صياغة جديدة وأصبحت كارزة بالمسيح فاجتذبت إليه أهل المدينة الذين آمنوا به ليس بسبب كلام المرأة بل بفضل شخص المسيح نفسه. يقول الإنجيل إن المسيح مكث هناك يومين... يا لمحبة المسيح التي تفوق كل عداء! وأكثر من ذلك، فإن تلاميذ المسيح أنفسهم الذين رافقوه في هذه الرحلة مكثوا معه أيضًا، ولعلّ ذلك كان أوّل اختبار لهم في تحطيم العنصرية الجنسية.
أجل، كان المسيح هو المرسل الأعظم الذي تدرّج بهذه المرأة من كونه معلّمًا إلى نبي، إلى المسيح مخلص العالمين. دعنا نجعل المسيح دائمًا في الطليعة ونختفي جميعًا وراء صليبه.

المجموعة: كانون الأول December 2014

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

654 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10474149