كانون الأول December 2014
تحدثنا في المرات الماضية عن التواضع في معناه، والتواضع وعلاقته بالصلاة، وتحدثنا أيضًا عن طبيعة شعب الله في العهدين القديم والجديد، والآن ننتقل إلى جزئية أخرى من آية تأملاتنا المذكورة في 2أخبار 14:7 وهي "فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وصلوا وطلبوا وجهي"، وتتحدث عن ضرورة الصلاة ولماذا نصلي؟
لقد كُتبت مجلدات كثيرة عن الصلاة، تشرح كل جوانب الصلاة المختلفة، وعُقدت مئات المؤتمرات تناولت تفاصيلها المتنوعة: ماهية الصلاة وقوتها وتأثيرها وكيف نصلي ومتى نصلي، إلخ... وألقى الرعاة والخدام آلاف العظات عن الصلاة، والعديد من الكنائس تخصص اجتماعًا للصلاة. وبالرغم من كل هذا تبقى اجتماعات الصلاة هي الأضعف من بين جميع الاجتماعات.
أحبائي، نحن لسنا بحاجة إلى كتب عن الصلاة، أو عقد مؤتمرات أو وعظ عن الصلاة، لكن الحاجة والضرورة القصوى هي أن نصلي، أن نصعد إلى العلية ونمكث فيها لنختبر قوة الصلاة. وللفائدة نذكر بعض الأمور عن ضرورة الصلاة:
1- الصلاة هي التعبير العملي عن أشواق القلب للرب
التعبير عن حبي للرب: "كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحي. متى أجيء وأتراءى قدام الله؟" (مزمور 1:42).
قلة التواجد في محضر الله، علامة ضعف الحب للرب. الذي يفرّح قلب العروس، ويبهج نفسها، الوقت الذي يقضيه العريس معها. قالت عروس النشيد: "تحت ظله اشتهيت أن أجلس، وثمرته حلوة لحلقي" (نشيد 3:2). من الضروري أن يكون لنا وقت محدد يومي نجلس فيه مع حبيب قلوبنا نتحدث معه ويتحدث معنا. قال المرنم:
يا طيب ساعات بها أخلو مع الحبيب
يجري حديثي معه ســـــرًا ولا رقيب
2- الصلاة هي الباب المفتوح الذي لا يُغلق قط أمامنا
"جعلت أمامك بابًا مفتوحًا ولا يستطيع أحد أن يغلقه" (رؤيا 8:3). مفتوح في كل الأوقات، وفي كل الأزمات والضيقات.
باب مفتوح في وقت الضيق، "وادعني في يوم الضيق أنقذك فتمجدني" (مزمور15:50).
باب مفتوح في وقت الوحدة، عندما يتركك الجميع. "إِنَّ أَبِي وَأُمِّي قَدْ تَرَكَانِي وَالرَّبُّ يَضُمُّنِي" (مزمور 10:27).
باب مفتوح في وقت المرض "الذي يشفي جميع أمراضك" (مزمور 3:103).
باب مفتوح في وقت الضعف "تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تُكمل" (2كورنثوس 9:12).
باب مفتوح في وقت الأحزان وفراق الأحباء. يقول الرب: "أنا أنا هو معزيكم".
(إشعياء 12:51)
باب مفتوح في وقت التجارب الصعبة "سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ، لتستطيعوا أن تحتملوا" (1كورنثوس 13:10).
والصلاة باب مفتوح لا يُغلق قط، فهل نسمع لدعوة المسيح: "اقرعوا يُفتح لكم"؟
3- الصلاة هي السلاح الذي يحبط مؤامرات العدو
"اصحوا واسهروا. لأن إبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1بطرس 8:5). لقد أحبطت صلاة الكنيسة مؤامرة هيرودس الذي سجن بطرس ناويًا أن يقتله، فأرسل الرب ملاكه وأخرجه من السجن. وأيضًا أفشلت المؤامرة الخبيثة التي حاكها الوزراء ضد دانيآل، فيقول الكتاب: "فلما علم دانيآل بإمضاء الكتابة ذهب إلى بيته، وكواه مفتوحة في عليته نحو أورشليم، فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم، وصلى وحمد قدام إلهه كما كان يفعل قبل ذلك" (دانيآل 10:6). وكما نعلم، عندما رُمي في الجب، أرسل الرب ملاكه وسدّ أفواه الأسود فلم تؤذه، وأخرجه الملك، ورمى أعداءه في الجب فبطشت بهم الأسود في الحال.
الصلاة هي سلاحنا ضد كل مؤامرة للعدو. "فاسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (متى 41:26). فالركب الساجدة أقوى من الجيوش الزاحفة.
4- الصلاة هي نار الانتعاش وربح النفوس
لم يأت يوم الخمسين إلا بعد أن قضى التلاميذ عشرة أيام في الصلاة في العلية، "هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء، ومريم أم يسوع، ومع إخوته" (أعمال 14:1). الوعظ مهم، والتعليم مهم، ودرس الكتاب مهم، والترنيم والتسبيح أمر مهم في الكنيسة، والخدمة والكرازة، كلها أمور هامة، لا نقلل من قيمتها، لكن كل هذه الأمور بدون صلاة لا تثمر كما يجب، وهنا أوضح هذا الأمر بهذا التشبيه العملي: كالسيدة التي جهزت اللحمة وقطعتها وجهزت الخضار، ووضعت البهارات عليها وعملت كل ما يلزم للطبخة، ووضعت الإناء في الفرن ولكنها نسيت أن تشعل النار، وقد ظنت أن كل شيء على ما يرام، ولما جاء وقت الغذاء، كانت الطبخة باردة نيئة لم تستوِ، فالنار هي التي تسوّي الطبخة. هكذا الصلاة هي النار التي تسوي وتشعل نار الانتعاش في حياتنا وفي الكنيسة.
5- الصلاة علامة إرشادية فعالة لمعرفة إرادة الله في حياتنا
"ادعني فأجيبك وأخبرك بعظائم وعوائص لم تعرفها" (إرميا 3:33).
6- الصلاة هي مصنع المعجزات والآيات
"كان إيليا إنسانًا تحت الآلام مثلنا، وصلى صلاة أن لا تمطر، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلى أيضًا، فأعطت السماء مطرًا وأخرجت الأرض ثمرها" (يعقوب 17:5-18). "وصلى يشوع قائلًا: يا شمس دومي على جبعون، ويا قمر على وادي أيّلون. فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه" (يشوع 12:10-13).
كثير من الناس يقولون إن عصر المعجزات قد مضى، وهذا خطأ شنيع، لأن الله الذي صنع المعجزات في القديم، هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد، فعصر المعجزات لم ينتهِ، ولكن الحقيقة أن صلواتنا لم تصل إلى مستوى صنع المعجزات، "هذا الجنس لا يخرج إلا بالصوم والصلاة".
هناك الكثير عن ضرورة الصلاة، ولماذا نصلي، لكن نكتفي بهذا القدر لعله يكون حافزًا لنا لنصلي. فنحن لا نستطيع أن نعيش بدون هواء، كما أن السمك لا يستطيع أن يحيا بدون ماء، فلا يستطيع المؤمن أن يحيا في قوة ونصرة وانتعاش بدون صلاة. الحاجة ألّا نتكلم كثيرًا عن الصلاة، بل أن نصلي كثيرًا ونقضي أوقاتًا طويلة مع الرب.