كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2014
أخي وأختي أعضاء العائلة المسيحية، في هذا المقال سنتكلم عن التصميم الإلهي للزواج من خلال فصل كتابي شهير يُسميه الشراح "المرجع الأول للزواج"، وهو الأصحاح الثاني من سفر التكوين. وسنرى بكل وضوح أن المُصمِّم العظيم للزواج هو الله نفسه، وهذا يكفي ليزيد تقديرنا واحترامنا للزواج، كما يجعلنا ندرك غلاوتنا على قلب إلهنا وكم هي محبته لنا، إذ يفكر ويعمل لخيرنا وإسعادنا.
نعلم أن الله في الأصحاح الأول أتم الخليقة في ستة أيام، وفي اليوم السادس خلق الإنسان، وعندئذ رأى الله أن كل ما عمله إذا هو حسنٌ جدًا.
كل الخليقة كانت عظيمة في نظره، لكن الإنسان كان أعظم لأنه تاج ورأس كل الخليقة. هذا ما تُعلمنا إياه الكلمة في مواضع عديدة. وإذا نظرنا إلى الفصل موضوع تأملنا فسنجد أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي خُلق على صورة الله كشبهه، وهو المخلوق الوحيد الذي خلقه الله بطريقة مُميَّزة عن كل الخليقة. فقد أتقن الخليقة بكلمات، "قَالَ فَكَانَ، هُوَ أَمَرَ فَصَارَ" (مزمور 9:33)، أما عند خلق آدم وكذلك حواء فنجد تعبيرات لم تُستخدم من قبل مثل: جَبَلَ، نفخ، بنى. وقد ميَّز الإنسان بالروح العاقلة والناطقة والخالدة. وليس ذلك فقط لكن الله اهتم أيضًا بكل احتياجاته (تكوين 28:1) إذ باركه، أعطاه سلطانًا على كل المخلوقات، أعطاه طعامًا، غرس له الجنة، أوجد الأنهار لتسقي الجنة، وأخيرًا اهتم بأن يُدبِّر لآدم المعينة المناسبة له.
في تكوين 27:1 يقول الوحي: "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ". ثم يعود في الأصحاح الثاني ليشرح بالتفصيل طريقة خلق آدم وطريقة خلق حواء وخطوات ارتباطهما معًا، وذلك لثلاثة أسباب على الأقل:
الله يحب آدم بشكل خاص ويريد أن يعلن ذلك من خلال الطريقة التي خلقه بها.
الله في محبته لآدم فكر في أن يوجد له معينًا نظيره يكون في شركة وألفة معه، فصنع له حواء، لكن كما سنرى، بطريقة مختلفة عن خلقه لآدم، وهو بذلك يريد أن يعلن من البداية أنهما اثنان مختلفان في أشياء كثيرة، كلٌّ يُكمِّل الآخر.
الله في محبته لآدم وحواء هو الذي عقد بنفسه ارتباطهما، وإن جاز القول أشرف بنفسه على أول زواج في العالم، ويا له من زواج مجيد يجدر بنا أن نقف ونتعلم منه الكثير.
والآن دعنا نلقي نظرة سريعة على بعض الخطوات التي يريد الله أن يبرزها أمام عيوننا في أول زواج من خلال هذا الفصل (تكوين 15:2-25)، ونعي جيدًا ما يقوله الله المُصمِّم الأعظم للزواج:
الأمر الأول الذي يشير إليه هذا الفصل أن الله دبر عملاً لآدم في الجنة قبل الزواج، وهذه إشارة واضحة لكل شاب: قبل أن تفكر في أمر الزواج لا بد أن يكون لديك عمل، ولا يصلح مطلقًا، بالمنظور الكتابي، أن يرتبط شاب بفتاة بالاعتماد على إمكانيات والديه المادية مهما كانت، فهذا لا يعطي أية خصوصية للزواج، ويجعل الأسرة الجديدة في حالة اعتماد دائم على الوالدين – هذه رسالة واضحة للشباب وللآباء أيضًا، وكم من بيوت هُدِمَتْ بسبب إهمال هذا المبدأ الكتابي الهام الذي يتضمن النضج، وتحمّل المسؤولية والرجولة)، "يترك الرجل (وليس الفتى أو الشاب) أباه وأمه" (عدد 24).
"وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ". لاحظ من الذي قال؟ إنه الله... فالكثير من الشباب هم الذين يندفعون إلى الزواج في حين أن الرب لم يقُلْ شيئًا. هم يقولون إنه جيدٌ الآن أن يتزوجوا، ويرون أن الوقت المناسب الآن، وأحيانًا يكون هذا وقت الدراسة! عزيزي الشاب تأنى وانتظر حتى تتأكد أن الله يريدك أن تخطو خطوة الزواج الآن. وأريد أن أؤكد لك أنه ما أروع أن يحدد الله الوقت، ويدبر الإمكانيات، ويقوم هو بتجهيز المعينة (المُكَمِّلة لك)، وهذا هو معنى كلمة "معينًا نظيره" أي الجزء المُكمِّل لك Companion or Counterpart.
"وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِينًا نَظِيرَهُ". هنا فعل الله شيئًا ليصل بآدم إلى الشعور بالاحتياج الذي رآه الله: فقد أحضر حيوانات البرية وطيور السماء أمام آدم ليدعوها بأسمائها ليشعره بالاحتياج وأنه وحيد، إذ لم يجد في كل المخلوقات كائنًا نظيره. وهذا الشعور يختلف عن إحساس الشخص بأنه يريد الزواج لمجرد تجربة شيء جديد.
"فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ"، هذه الخطوة هامة جدًا لكل من يفكر فى الزواج، فينبغي أن يُسلم الأمر للرب تمامًا ويستأمنه، ويتحرر من أية ميول أو رغبات شخصية، حتى يكتشف بحيادية ما يريده الرب (الفتاة التي عينها له، وكذلك الأمر بالنسبة للفتاة). إن آدم في هذه الحالة كان يستعد لعملية جراحية وفي حالة تخدير كلي، ولا يستطيع أن يبدي رأيًا أو يملي إرادة، فهو مُغيَّب تمامًا عن الحياة. إنه ينتظر الرب ويأخذ من يده المنعمة شاكرًا وفرحًا بما قدمه له، واثقًا أنه عمل الأفضل.
أخذ الرب واحدة من أضلاع آدم، وهنا نرى عظمة التصميم الإلهي فلم يخلق الله حواء كما خلق آدم إذ جبله ترابًا من الأرض، لكنه أخرجها منه. وما السبب؟ بالتأكيد كان الله يريد أن يقول: إن هذا المخلوق الجديد "حواء" هي جزءٌ لا يتجزأ من آدم، عظمٌ من عظامه ولحمٌ من لحمه، كما قال عنها آدم بعد ذلك. وهنا أريد أن أتوقف لحظة لأسألك: هل تشعر في داخلك بهذا الشعور العظيم أن زوجتك هي جزء منك؟ وهل تشعرين أيتها الزوجة أنك جزء من زوجك؟ دعني أقول وبصورة عملية أن مجرد اليقين بهذا الحق من الزوج والزوجة لهو كافٍ لحل مشاكل كثيرة، لأنه سيصل بنا إلى الوحدة الكاملة مع الطرف الآخر ويستبعد فكرة الانفصال. وكونها بُنيتْ من ضلعه فهذا يعني أن مكانها الطبيعي هو بالقُرب من قلبه لتتمتع بمحبته ودفء حضنه.
أخي وأختي: إن الله على استعداد أن يتمم مشروع الزواج لكل فرد من أولاده بطريقة إلهية لا تخطر على بال، فهل تعطيه الفرصة؟ هل تنحي جانبًا مجهوداتك وتتخلى عن استحسانك لاختيار طريقك بنفسك، وتدعوه ليعلن لك فكره ويصنع لك المعينة بنفسه – هل أنت مستعد لتنال شرف أن الرب بنفسه يصنع لك بيتًا؟ (2صموئيل 11:7)، اطلبه وانتظره وثق به وهو حتمًا سيقودك لتختبر إرادته الصالحة المرضية الكاملة.
ولحديثنا بقية في العدد القادم بمشيئة الرب.