حزيران June 2014
يخبرنا الكتاب المقدس كم تألم الرب يسوع لأجلنا، وجاءت النبوءة تقول: "لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحمّلها. ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولًا. وهو مجروح لأجل معاصينا". وفي عدد 7 يقول: "ظُلم أما هو فتذلّل" (إشعياء 2:53-7). أظهرت هذه النبوءة أن سبب آلام المسيح هي من البشر جميعًا "إذ الجميع أخطأوا". وكتب أيضًا: "كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا". وبعد أن قاسى المسيح الآلام، مات على صليب العار، ودُفن في قبر مستعار في أورشليم، وفي اليوم الثالث قام ظافرًا منتصرًا، ومن ذلك اليوم وقبره الشاغر أصبح مزارًا للدنيا بأسرها.
كم اهتزت عواطفي، وفاضت عينيّ بالدموع فرحًا عندما وقفت أمام قبر سيدي وفاديّ في أورشليم، ولما انحنيت أمامه إذا بي أسمع صوتًا يصيح قائلًا: "ادخل! ليس هو ههنا، لكنه قام كما قال". كان ذلك هو صوت المرشد المرافق لنا. وما زال نفس الصوت يدوّي على المنابر المسيحية لكل الأجيال: "ليس هو ههنا". إن قبر يسوع الشاغر يضع أمامنا ثلاث تأملات:
أولًا: قبره الشاغر يتحدّى مسجّلًا ومقرّرًا
1- أنه لن يدركه الموت: كيف يدركه الموت وهو رب الحياة ومنبعها؟ فقد قال: "أتيت لتكون لهم حياة". وقال لمرثا أخت لعازر: "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا...". ثم جاء إلى القبر ونادى بصوت عظيم: لعازر، هلم خارجًا! فخرج الميت، إذ دبّت فيه الحياة بعد أن أنتن. ما أحلى قوله "أنا حيّ فأنتم ستحيون"! نعم، قبره يتحدّى بأن يسوع هو رب الحياة والخلود ولن يدركه الموت أبدًا.
2- أن الكلمة الأخيرة هي للحق لا للباطل، للنور لا للظلمة، للحياة لا للموت: عندما دُفن يسوع في القبر تخيّل تلاميذه أن الحق قد دُفن معه وانكسر، وأن الباطل قد ظفر وانتصر. لكن سرعان ما انبلج فجر القيامة، فاستعاد الحق نصرته، ووسط ضحكات اليهود الساخرة وفرحتهم العارمة بموت المسيح صاح الحق مجلجلًا: "أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتكِ يا هاوية؟". فمن ذلك الحين أضحى قبره محط أنظار الدنيا بأسرها يتحدّى مسجلًا ومقررًا أن الحق لا بدّ أن يظفر وينتصر، ولو طالت مدته، ولا مكان للباطل، بل لا بد أن ينكسر.
3- مسجّلًا أن الآب اشتم ذبيحة يسوع الكفارية رائحة سرور: "أُسلم من أجل خطايانا". فبالقيامة ثبت وبدون أدنى شك أن الله قبل ذبيحته الكفارية رائحة سرور، وإذا خامرنا أي شك من جهة قبول الله القربان الذي قدّمه يسوع، علينا أن ننظر قبره الشاغر.
4- مسجلًا ومقررًا بنوّة يسوع للآب: في رسالة بولس إلى رومية 4:1 يكتب قائلًا أن يسوع: "تعيَّن ابن الله بقوّة من جهة روح القداسة، بالقيامة من الأموات". "الآب لا يدين أحدًا، بل قد أعطى كل الدينونة للابن". فكيف أن الابن المبارك سيدين البشر إن لم يكن قد قام من الأموات؟ نعم، قام حقًا، وقبره يسجّل ويقرّر بنوّة يسوع للآب الذي سبق أن برهنها أثناء معموديّة يسوع من المعمدان بقوله: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". وبعد قيامته يقف قبره الشاغر يصيح قائلًا: "ليس هو ههنا، لكنه قام!" مسجِّلًا ومقرّرًا أنه ابن الله الحيّ.
ثانيًا: قبره الشاغر يتحدى محرِّرًا ومبرّرًا: نعم، وكيف؟!
1- أعتقنا من سلطة الخطية فصرنا عبيدًا للبر: في رومية 18:6 "إذ اعتُقتم من الخطية صرتم عبيدًا للبر"، فلماذا صار المسيح إنسانًا؟ لماذا ارتضى أن يموت على الصليب، ويدفن في القبر، وبعد ثلاثة أيام يقوم؟ هنا يتضح الغرض السامى من قول الرسول "الذي أُسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا"، فصار إنسانًا ليدفع ثمن الخطية التي عجزنا كبشر عن أن ندفعه. "الذي لم يعرف خطية صار خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه". كم نشكره؟! فبعمله الكفاري استطعنا أن نحصل على سلامه الكامل! "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح". فهل ترغب في السلام مع الله ونوال بر المسيح المقام من الأموات؟ اقبل إعلان النعمة العجيب في المسيح والدعوة للراحة فيه.
2- حررنا من سلطان القنوط واليأس: كتب مختبرٌ يقول: "مررت في حالة يأس وقنوط... تمنيت الموت، لكن الموت كان صعب المنال! وابتدأ الرب يتعامل معي بطرق عجيبة ليقودني إلى التحرر من سلطان اليأس، فأرسل خدّامه لزيارتي، فسمعت عن محبته، وتأثرت بكلامهم، وسمعت بعض اختبارات أصدقائي، وتأثرت بها، ولاحظت أنهم يتمتّعون بالسعادة، وتمنّيت سعادتهم إذ كنت محرومًا منها، قلت: إذا كان هذا هو عمل المسيح في القلب فهذه هي ضالتي المنشودة. ثم في وسط آلامي النفسية وأوجاعي الجسدية سمعت صوتًا حنونًا يناديني قائلًا: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين... وأنا أريحكم". لم أستطع أن أتجاهل هذه الدعوة، وشعرت بجاذبية تشدّني نحو الله، وأحسست أنني لا أقدر أن أجد راحة بدونه، ففتحت قلبي له، وطلبت منه أن يمتلك حياتي، ففي الحال شعرت بأن حملًا أزيح عن كاهلي، وسلامه ملأ قلبي، وتحوّلت ساعات القنوط واليأس إلى أوقات ممتعة للتأمل والصلاة، وأصبح يسوع المقام صديقي الذي لن يتخلّى عني.
3- نزع خوفنا وحررنا من الوحدة والرعدة: لم نعد نخاف من شيء، لأنه معنا. ولما جاء ليفتقد تلاميذه في العليّة، حيث كانوا خائفين من اليهود، جاءهم والأبواب مغلّقة، وقال لهم: سلام لكم! فبدّد خوفهم، وشجعهم، وقبل أن يوصيهم أن يذهبوا ويكرزوا أعطاهم وعده المطمئن: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر". ليس ذلك فقط بل لم نعد نخاف من الموت. ويقول المرنم:
فالموت لا يرعبني، هو لي انتصار
ماذا إذًا يخيفني، يسوع في انتظار
فدعونا نردد مع داود: "أيضًا إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي".
ثالثا: كيف أكون له مقدرًا؟
1- بأن أطبّق قيامة المسيح على حياتي التي أقامها معه لخدمة مجده. يقول الرسول بولس في أفسس 6:2 "وأقامنا معه، وأجلسنا معه...". فبقيامته قمنا من الخطية وانتقلنا من الدنس والشقاء والدينونة إلى الحياة وأصبحنا نتمتّع بالغفران، والتبرير، والتجديد، والتقديس، والسعادة. هذه هي حالة المؤمن وهو في العالم إذ أصبح يتمتّع برضى الله والسعادة. "فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس". هذا هو السلوك المسيحي الذي ينبغي أن يعيشه المؤمن في العالم.
لاحظ، إن أمر الرسول "اطلبوا ما فوق" يتّضح معناه أولًا في أنه ينبغي أن تستحوذ أمور المسيح والسماء على حياتنا وأذهاننا كمؤمنين، فننشغل دائمًا بالسماويات، لا بالأرضيات.
ما الذي يشغلنا كمؤمنين؟ إن قيامة المسيح هي سر القوة لخدمتنا، فكل كرازة التلاميذ كان أساسها قيامة يسوع من الموت وهي أيضًا أساس خدمتنا "إن لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا" (1كورنثوس 14:15).
2- أن افتخر العمر والدهر بسيادة المسيح على حياتي وأشهد أنه دخل القبر ضيفًا عزيزًا فخرج منه جبارًا منتصرًا. كتب أحدهم يقول: "المحبة للمسيح هي التي تجعل الشخص يخدم، ولا أعرف طريقًا آخر بخلاف ذلك". وكل خدمة صحيحة لا بد أن تكون نتيجة التعرّف بشخصه. ليتنا كخدام الله نقدّم المسيح المُقام للنفوس. فما أحوجنا أن نستند عليه دائمًا فنكون في سلام تام، ثم نخرج ونخبر النفوس عن هذا السلام الذي استمتعنا به.
3- أن أتوقّع وانتظر مجيء المسيح ثانية. "ساهرين ومنتظرين سرعة مجيء يوم الرب". إن مجيئه أمر يقيني فنقرأ في هوشع 3:6 القول: "خروجه يقين كالفجر. يأتي إلينا كالمطر". وكلمة الله تؤكد أن مجيء المسيح أمرًا حتميًا لأنه وعد بمجيئه (يوحنا 3:14). أيها المضطهَد والمجرّب والمتضايق والمحتاج، ويا من طالت مدة مرضك، ثق إنه سيأتي سريعًا. لأنه مكتوب "فتأنوا أيها الإخوة إلى مجيء ربنا يسوع المسيح". ثم إن أشواق الآب وغيرته على مجد ابنه تحتّم مجيئه ليملك. ثم سبق الملائكة وأنبأوا عن مجيئه فأكدوا هذا الحق للتلاميذ في أعمال 11:1 "إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء".
إن قيامة المسيح أثبتت يقينية المجيء. "لأنه أقام يومًا هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عيّنه، مقدمًا للجميع إيمانًا إذ أقامه من الأموات".
فبقبره نفهم الصليب، إذ مجَّدت القيامة حياة المصلوب. وبنصرته على القبر تسمو حياتي وتصبح حياة السماء، وبقيامته أعلن حب الله للإنسان، لكي يساكنه إلى الأبد. هذا هو سر عزاء الحزانى: قيامة المسيح!
ختامًا أقول: إما أن تكون القيامة لك نشوة، أو عبرة وشقاء. فهي مهد قيامة الأبرار إلى حياة أبدية وقيامة الأشرار إلى هلاك أبدي. ليت قيامته تكون لك نشوة.