تشرين الأول October 2014
تحت هذا العنوان كتب الأخ الراحل المهندس فاضل حنّا في عدد المجلّة الصادر في يوليو/أغسطس الماضي مقالاً استرعى انتباهي. حيث تحدّث عن الاشتراكية الأولى التي بدأتها الكنيسة الأولى بعد يوم الخمسين، إذ كان كل شيء مشتركاً لدى المؤمنين الأوائل. وإني إذ أؤيد ما ذكره الأخ الحبيب بشكل عام، لكن لي ملاحظتان على الموضوع: الأولى أننا ولأسباب عديدة لا نستطيع اعتبار هذه «الاشتراكية الأولى» أنها وضعت دستور الدولة من الناحية الاقتصادية. والثانية أنه لا يمكننا القول إن الاشتراكية الأولى هي التي جذبت الناس الذين هم من خارج إلى الإيمان المسيحي، لأن هذا يقلّل من عمل الروح القدس في تبكيت الناس عن خطاياهم والإتيان بهم إلى الإيمان بالمخلّص الرب يسوع المسيح. وطرح الأخ فاضل في نهاية مقالته السؤالين التاليين: إلى أيّ مدى نستطيع تطبيق الاشتراكية الأولى في وقتنا الحالي؟ وإذا كان هذا ممكنًا، فما هي الخطوات التنفيذية العملية التي يمكن اتخاذها في هذا الشأن؟ وللإجابة أقول: إن الاشتراكية هي مبدأ مسيحي، وتنطلق من المبدأ الإنساني الأخلاقي، الذي يدعو إلى العدالة الاجتماعية، وتحقيق المساواة قدر الإمكان بين البشر. لكن علينا أن نعترف أن الاشتراكية الأولى التي طبّقها الرسل الأوائل، كانت نوعًا من اليوتوبيا الجميلة أو الاشتراكية الخيالية. فمنذ أن نشأ البشر كان الكثيرون يحلمون بمجتمع سعيد يتمتع فيه جميع البشر بالعدالة والمساواة. والبرهان أنها كانت هكذا، أنها سقطت عند الامتحان الأول، أي امتحان حنانيا وسفّيرة. ثم أنها استمرت لفترة قصيرة من الزمن. والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا طبّقنا هذه الاشتراكية المسيحية بين المؤمنين فقط، كيف يمكننا تجنّب تكرار حادثة حنانيا وسفّيرة؟ أوَ لا يدل لجوء الروح القدس إلى معاقبة حنانيا وسفّيرة بواسطة الرسول بطرس على أن الأمر بحاجة إلى جهاز تنفيذي ينفّذ المبدأ الاشتراكي المسيحي وإلا استحال تحقيقه؟ وهل يمكن تأسيس جهاز تنفيذي مستقل عن الحكومات القائمة؟
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإننا لا نستطيع تطبيق هذه الاشتراكية على مجموعات المؤمنين فقط، حتى وإن كانت كبيرة في بعض المجتمعات كما يقترح الأخ فاضل، ونحن جزء من مجتمع مترابط ومعقّد لا سيّما في هذا العصر.
وهنا علينا أن ننوّه أنه حتّى ما يسمّى بالاشتراكية العلمية، أي النظام الشيوعي، قد أثبت الواقع العملي فشلها الكامل. والسبب لأن الإنسان أناني بطبعه، ولا يمكن أن ينتج عن الإنسان الفاسد أي صلاح حتى ولو تشدّق بالمبادئ المثلى، وادّعى عكس ذلك.
إذا كان الأمر هكذا فما هو الحل؟ وهنا نأتي إلى الإجابة عن السؤال الثاني الذي طرحه الأخ فاضل عن الخطوات التنفيذية العملية التي يمكن اتخاذها في هذا الشأن؟ إن الحل العملي برأيي يكون بمساندة ودعم القوانين التي تهدف إلى تحقيق بعض مبادئ العدالة الاجتماعية في المجتمع. فهناك قوانين عديدة سنّتها الحكومات تهدف إلى تأمين نوع من العدالة الاجتماعية. كقوانين الضمان الاجتماعي، وقوانين الحد الأدنى للأجور، وقوانين الضريبة التصاعدية على المداخيل، وقوانين الضمان الصحي، وقوانين تسعى لردم الهوة الشاسعة بين الأغنياء والفقراء، وغيرها الكثير. فهل ترانا كمسيحيين مؤمنين نساند هذه القوانين التي تنطلق أساسًا من مبدأ العدالة الاجتماعية وتسير في نفس منهج مبادئ الاشتراكية المسيحية الأولى أم نحاربها؟ مع العلم أن هذا لا يمنع أن نطبّق كمؤمنين هذه المبادئ في مؤسساتنا وشركاتنا الخاصة. وبذلك نكون نموذجًا صالحًا يقتدي به الآخرون. أليس غريبًا مثلاً أن تكون أجور العمّال أو الموظفين في بعض الشركات التي يملكها مسيحيون أقل من أجور العمال في الشركات الأخرى؟ أو أن يتهرّب بعض المؤمنين من تطبيق بعض القوانين التي تهدف إلى الحد من الجشع والمساعدة على تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية؟
إن الكتاب المقدس مليء بالآيات والفقرات التي تحثّ على العدل في المجتمع، لا يستطيع أحد إنكارها. يأتي على رأسها ما دوّنه لنا سفر الأمثال من كلام للموئيل ملك مسّا علّمته إياه أمه، إذ جاء فيه: "افتح فمك لأجل الأخرس في دعوى كل يتيم. افتح فمك. اقض بالعدل وحام عن الفقير والمسكين" (أمثال8:31-9). أما القول إن هدفنا فقط كمؤمنين هو نشر بشارة الإنجيل وعدم الانشغال بأمور هذا العالم الفاني، فهو تهرب عن القيام بواجباتنا كمؤمنين من الناحيتين الإنسانية والاجتماعية. وإلا كيف نكون فعلاً ملحًا للأرض ونورًا للعالم، إن لم نسعَ إلى مساندة القوانين التي تهدف إلى تحقيق جزء يسير من العدل في المجتمع؟
أرجو أن أكون قد ساهمت في الإجابة عن تساؤلات الأخ الراحل المهندس فاضل حنا.