أخي وأختي أعضاء العائلة المسيحية، بدأنا كلامنا في العدد السابق عن عمود الوحدة ولقد ذكرنا ثلاث نقاط أساسية هي: أهمية الوحدة في البيت المسيحي، اتجاهات الوحدة الزوجية، معوقات ومعطلات الوحدة الزوجية. وفي مقالنا هذا سنتكلم عن نقطتين هامتين: أولاً، ما هي الخطوات الكتابية لتحقيق الوحدة الزوجية؟ وثانيًا، ما هي البركات والثمار من وراء تحقيق هذه الوحدة؟
الخطوات الكتابية الصحيحة لتحقيق وحدة زوجية كاملة تثبت مدى الحياة؛ هذه الخطوات واضحة جدًا في الآية الواردة عند تكوين الرب لأول بيت في التاريخ في (تكوين 24:2) "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا." وهي ببساطة:
الترك
إنها أول وأهم خطوة لتحقيق الوحدة الزوجية الكتابية الصحيحة، وبدونها لا يمكن تنفيذ باقي الخطوات، فلا بد من تنفيذها عمليًا بطريقة سليمة، وبرضى وقناعة كل من الزوج والزوجة.
يجب أن نلاحظ أن الكتاب ينبه على الزوج والزوجة أن يتركا كل منهما أباه وأمه. ففي الآية موضوع تأملنا يتكلم إلى الرجل، كما يتكلم إلى المرأة في مزمور 10:45 فيقول: "اسمعي يا بنت وانظري، وأميلي أذنكِ، وانسَي شعبك وبيت أبيك."
لاحظ تعبيرات الكتاب في الآية: (الرجل والمرأة) وليس الشاب والشابة أو الفتى والفتاة. إن الروح القدس يريد أن ينبهنا أن الترك يحتاج إلى نضج كلا الطرفين، فمن يترك لا بد أن يكون ناضجًا ويختار قراره بكامل إرادته عن وعي واقتناع لبناء عش الزوجية على أساس سليم.
لاحظ، إن الكتاب لا يقول: يترك الرجل بيت أبيه وأمه، مع أن هذا المعنى متضمن في الآية، لكن الكتاب يقصد ما هو أبعد من ذلك:
أن يكون الترك أشمل من مجرد ترك البيت جسديًا،
بل أيضًا ماديًا في عدم الاعتماد المادي على الأهل،
ونفسيًا وعاطفيًا في وقف الاعتماد عليهم في حلّ المشاكل والمعضلات التي تقابل العائلة الجديدة.
وكل ذلك الترك الذي بحسب كلمة الله يطبق مع الاحتفاظ بعلاقة سليمة مع الأهل، وتنفيذ الواجبات العائلية التي تتضمن الإكرام، والاهتمام، والاعتناء، والتوقير، مع توافر المحبة الحقيقية، ويوصينا الكتاب المقدس مرات كثيرة بذلك وعلى سبيل المثال، لا الحصر، في الفصول الآتية:
"أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك." (خروج 12:20)
"[أكرم أباك وأمك]، التي هي أول وصية بوعد." (أفسس 2:6)
"ولكن إن كانت أرملة لها أولاد أو حفدة، فليتعلموا أولاً أن يوقّروا أهل بيتهم ويوفوا والديهم المكافأة، لأن هذا صالح ومقبول أمام الله." (1تيموثاوس 4:5) "وإن كان أحد لا يعتني بخاصته، ولا سيما أهل بيته، فقد أنكر الإيمان، وهو شر من غير المؤمن." (1تيموثاوس 8:5)
الالتصاق
هذه الكلمة تعني في الأصل: اللصق بمادة لاصقة كالغراء المستعمل في التصاق الأخشاب. فمن المعروف أنه عندما يلصق قطعتين من الخشب بالغراء بطريقة صحيحة يصبح من المستحيل فصلهما عن بعضهما، وعند محاولة فصلهما سوف يتحطم الاثنان.
ولكن لكي يتم هذا الالتصاق بصورة صحيحة وتصبح القطعتان قطعة واحدة يتحتم عمل الآتي:
صقل وتنعيم كل من السطحين: إن وجود بروزات أو نتوءات فى أحد السطحين أو كليهما مهما صغر حجمها سيعيق عملية الالتصاق الكاملة، وهذا ما يجب ملاحظته في بداية الحياة الزوجية. فبعد قليل سوف تظهر اختلافات بين الزوجين، نتيجة حياتهما الماضية، تشبه البروزات التي يمكن أن تعطل أو تمنع الالتصاق الكامل، فما هو العمل؟ يجب على كل منهما أن يبحث عما فيه من تصرفات تظهر للطرف الثاني على أنها بروزات تعطل التصاقهما، ويجب العمل بكل إخلاص على إزالتها من حياته. وبالطبع قد يكون هذا مؤلمًا وصعبًا لكنه ضروري ولا مفر منه إذا أردنا الوصول إلى الالتصاق الحقيقي الكامل القوي. ومن الجهة الأخرى، ليحرص كل من الطرفين ألاّ يكون التركيز على البروزات الموجودة فى الطرف الآخر، ومحاولة الضغط عليه لكي يزيلها، ولا ننسى قول الرب يسوع: "لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ يا مرائي، أخرج أولا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك!" (متى 3:7-5)
رفع وطرح أي جسم غريب بين السطحين: إن وجود أي جسم غريب بين السطحين حتى ولو كان صغيرًا جدًا سوف يمنع الالتصاق الصحيح القوي. هكذا في الحياة الزوجية، إن تدخّل أي شخص بين الزوجين أو إخفاء شيء عن الآخر يصبح هذا مانعًا للالتصاق الصحيح.
الاقتراب الكامل من بعضهما: لا يمكن وجود التصاق صحيح كامل ما لم يقترب السطحان بعضهما من بعض تمامًا ويتلامسا تلامسًا كاملاً، ليس جسديًا فقط بل نفسيًا وروحيًا، وإلا فلن يتحقق الالتصاق الكامل بطريقة صحيحة تؤدي إلى الوحدة الكاملة.
مادة لاصقه صحيحة: كثيرًا ما تستعمل مواد لاصقة غير فعّالة، لذلك سريعًا ما يحدث الانفصال بين القطع الخشبية عندما تتعرض لأي صدمة خارجية. وهكذا فإن استخدام طرق عالمية جسدية لجذب الطرف الآخر إليه سرعان ما تفشل في تحقيق الوحدة. لذا علينا أن نستعمل المادة التي يتكلم عنها الكتاب بكل وضوح وهي المحبة الحقيقية كما نقرأ في كولوسي 14:3 "وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال"، المحبة التي مصدرها الله والتي "سكبها في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا." (رومية 5:5)
يكونان جسداً واحداً
عندما يحدث الترك والانفصال الفعلي، ثم يتم الالتصاق الكامل بين الزوجين سيتجهان معًا إلى الوحدة الكاملة الحقيقية جسدًا ونفسًا وروحًا، ويصبحان ليسا فقط مجرد عضوين فى كيان اجتماعي هو "العائلة" بل أيضًا يصبحان كيانًا عضويًا حيًا واحدًا ويتمتعان معًا بوحدة الفكر والمشاعر والأهداف ويتحقق فيهما عمليًا ما أكده الرب يسوع في قوله: "إذًا ليسا بعد اثنين بل جسدٌ واحدٌ. فالذي جمعه الله لا يفرّقه إنسان" (متى 6:19)
هذه هي الخطوات الثلاثة الأساسية التي وضعها الله للإنسان لتحقيق الوحدة الزوجية الناجحة للبناء في العلاقة الزوجية الرائعة التي صممها الله لسعادة الإنسان.
البركات والثمار التي يتمتع بها بيت تتحقق فيه الوحدة الزوجية الكتابية الصحيحة:
شعور كل طرف بحضور الآخر والإحساس لما يدور في فكره.
الحرص على عدم جرح مشاعر الطرف الآخر.
الاهتمام بما يرضي الطرف الآخر والابتعاد عن كل ما يغضبه.
إكرام واحترام أهل وأصدقاء الطرف الآخر بالضبط مثل أهلي وأصدقائي.
سرعة تفهّم وحلّ المشكلات بيني وبين شريك الحياة.
الأثر الرائع على الأولاد نفسيًا وروحيًا في بيت مستقر.
الشهادة والقدوة الحسنة أمام المجتمع والمؤمنين لرؤيتهم وحدة زوجية ترمز إلى وحدة المسيح بالكنيسة.
وإلى اللقاء في العدد القادم بمشيئة الرب مع عمود آخر من أعمدة البيت المسيحي.