عند دراسة مثل العشر عذارى نجد أن الوقت الذي يسبق مجيء الرب قصير جدًا، لكنه ممتلئ بالأحداث. أين كانت العذارى الجاهلات عندما أتى العريس؟ أين كن فلم يرونه؟ أين كن بقلوبهن في هذه اللحظة في طرفة العين المجيدة؟ ماذا تفعل الجاهلات في هذا الوقت المقصّر؟ لقد اهتمت الجاهلات بالمصابيح، بالتقارير، بالسعي للحصول على الزيت ورفض الخلاص المجاني بالإيمان وبالنعمة "ذاهبات ليبتعن" من الباعة الكذبة أي الجاهلات الآن، في تمام المشغولية وانحصار الذهن والقلب في الوسائل البشرية. لذلك لا عجب إن كان الرب سوف يتقيأ المسيحية الإسمية "ما أعرفكنّ". إذن أين هو موعد مجيئه؟ ومتى يكون هذا؟ وما هي علامات مجيئه؟
ولكي نضع أساسًا لهذا البحث ينبغي أن نجيب عن السؤال: لماذا يأتي؟
أولاً: ليوفي الأخيار
كما وعد "وعند رجوعي أوفيك،" ويمنح الأجور "وأجرتي معي." هنا يبرز قول الكتاب "وأعمالهم تتبعهم." نعم، "نِعِمّا أيها العبد الصالح والأمين! كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير." لذلك لا يليق بالخادم أن ينشغل بنتائج خدمته لأن هذا من اختصاص الله، إنما عليه أن ينشغل بثلاثة أمور: حالة نفسه الداخلية، أن يكون له فكر الله، والأمانة في توصيل الرسالة للسامعين.
أُسِرَ كبير وزراء أحد الملوك وكاتم أسراره في المعركة، وبالرغم من استخدام كل أساليب التعذيب وثقل السلاسل فإنه أبى أن يبوح بخطط مليكه وأسراره. ثم جاء الوقت الذي انتصر فيه سيد ذلك الوزير، الذي لما علم بما لحق بوزيره، أمر بإحضار أكبر ميزان وأمر بوضع السلاسل في كفة ووضع في مقابلها ما يساويها من الذهب الخالص، ودفعها لوزيره مكافأة له عن إخلاصه. هنا صرخ ذلك الوزير: يا ليتهم كبّلوني بسلاسل أكثر.
ثانياً: ليدين الأشرار
أي ليقضي بين عالم البر وعالم الشر. أراه في سفر الرؤيا آتيًا مع السحاب "هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين" تلبية لصراخ القديسين: "حتى متى أيها السيد القدوس والحق، لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض؟" إن هذا لا يعني مطلقًا التشفي والرغبة في الانتقام بل استغاثة لطلب إظهار العدالة وإحقاق الحق. هذا يتضمن الحصاد وهلاك المرتدين المسيحيين (رؤيا 15:14 ومتى 30:13)، والعصير (إشعياء 6:1). "ليَ النقمة أنا أجازي"، لأنه يأتي كالقاضي العادل في رؤيا 1، وهو رأس الكنيسة في الأصحاحين 2 و3، وفي الأصحاح الرابع المسيح هو موضوع التعبّد، وهو الملك والفادي في رؤيا 5. وفي رؤيا 6-19 إنه معلِن الأسرار الأبدية، وروح النبوة، والملك الأبدي الحي الباقي. أما في رؤيا 20 فنراه يعلن سلطانه السماوي والأرضي، وفي أصحاح 21 هو قبلة أنظار السماء، ورؤيا 22 هو موضوع الرجاء المبارك. يلاحظ هنا أن الختوم في سفر الرؤيا هي أحداث من الوحش، أما الأبواق والجامات فهي ضد الوحش نفسه. هذه هي فترة الضيقة العظيمة على الأرض.
ثالثاً: ليملك الأبرار
هذا هو الملك الألفي، الملك الحقيقي (رؤيا 20). قد لا نعلم المقصود بمدة الألف سنة، لكن يذكر بالمقارنة مع سجن الشيطان، وحكم القديسين، والقيامة الأولى، وحرب الأضداد، وانتصار معسكر الأبرار. وتذكر كلمة الله بركات العصر الآتي بأنه: لا انقسام بل وحدة (إشعياء 11:11، هوشع 11:1)، لا جدوبة بل ازدهار (إشعياء 65: 18-20)، لا عداوة بل سلام (إشعياء 11: 1-9)، لا قلق بل تعزية (إرميا 30: 18-22)، لا حرب بل حب (إشعياء 11:54-17)، لا خطاة بل قديسين، لا شيطان فيما بعد بل المسيح. عند ذاك نركع ونضع أكاليلنا عند قدميه مسبحين هناك حيث لا بكاء ولا صراخ، لا شيخوخة ولا توالد، لا لعنة ولا فراق. فالموت لا بد أن يصمت إلى حين، والذئب يتعايش مع الحمل، وتزول الفواصل بين الحكام وعامة الشعب، والأسد يتآخى مع البقر، والملوك يتساوون والصعاليك، والحية لا تؤذي، والإرهاب لا يدمر.
رابعاً: ليعلن الأسرار
ما أكثر وأعمق أسرار الحياة وأسرار الأبدية. عندما عبّر سفر الرؤيا مثلاً عن المسيح استخدم تعبيرين متناقضين: الأسد والخروف، وفي هذا نجد الملك الديان القهّار والفادي الوديع الغفّار. كيف يتقابل الوصفان في واحد، أليس هذا سر دعاه بولس "سر التقوى"، وما رأيك في سر الألم؟ سمع أحد الشبان قديمًا واعظًا يعلق على قول أيوب في بحثه عن الله: "هأنذا أذهب شرقًا فليس هو هناك، وغربًا فلا أشعر به. شمالاً حيث عمله فلا أنظره. يتعطّف الجنوب فلا أراه" (أيوب 8:23)، ورفع الراعي عينيه إلى الملأ الأعلى مخاطبًا أيوب قائلاً: إن العيب فيك يا أيوب لأنك نظرت إلى كل جهة في الأرض شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا فلم تجده، ولو رفعت عينيك إلى فوق لرأيته ووجدته لأنه ينتظرك وبابه مفتوح على الدوام لاستقبالك. قد لا أعرف ولا أدرك الأبعاد اللاهوتية، أو الصوفية، أو الحسابات الزمنية، أو الإحصاءات والتنبؤات العالمية والروحية، لكن يكفي أنه هنا وأنه هناك الذي "به نحيا ونتحرك ونوجد"، وهو عن كل واحد منا ليس ببعيد".
خامساً: ليتمم ما جاء في الأسفار
تكلم إشعياء قديمًا قبل مجيء المسيح الأول بـ 700 سنة أن المسيح سيولد من عذراء ومن نسل داود، وقال عنه ميخا بأنه "بيت لحمي"، وهكذا تمت النبوءة. وتنبأ هو عن صلبه وموته وقيامته، وصار كما قال. وهنا يعلن هو ورسله عن أحداث مجيئه ونهاية الأزمنة لأنه لا بد أن تتحقق الأقوال، وتخضع المقادير، وتتكامل الأحداث كاتجاهات البوصلة لهداية سائح البراري، أو لمعان عقد الثريا لتائه الصحاري. "هوذا سر أقوله لكم: لا نرقد كلنا، ولكننا كلنا نتغير..." (1كورنثوس 51:15). "سيغير شكل جسد تواضعنا"، ومتى يتم ذلك؟ يقول دكتور أيرُنسايد وغيره: إن عدم ذكر الكنيسة في رؤيا 4 وما بعده يشير إلى أن الكنيسة ستُخطف بين الأصحاحين 3 و4 بعد عصر لاودكية (عصر الارتداد)، عندما تتزيّا الكنيسة بزيّ العالم. ويرى أتكنسون أن سفر الرؤيا يركّز على أن الكنيسة هي مركز الدائرة في القسم الأول، ثم العالم كمركز الدائرة في القسم الثاني، وأخيرًا العصر الذهبي في القسم الأخير – أي الملك الألفي والأرضي.
سادساً: ليبيد الأقذار
أقصد ليقضي على الضلالات الكتابية المسيحية المزيفة. هذه الضلالات والبدع التي خرجت من داخل الكنيسة. تاريخيًا، عقيدة عن طبيعة المسيح، مشيئتان وطبيعتان أو مشيئة واحدة وطبيعة واحدة التي قسمت كنائس الشرق، فكم بالحري كنيسة اليوم؟ في نشيد الأنشاد 3 نجد تعبيرات ثلاثة هامة: "من تحبه نفسي... طلبته... فما وجدته." هذا ينطبق على كنيسة اليوم! قيل في إحصائية في كلية لاهوت مرموقة أن 56٪ رفضوا الولادة العذراوية، و71٪ رفضوا الحياة ما بعد الموت، و54٪ رفضوا قيامة المسيح، و28٪ رفضوا رجوع المسيح الحرفي إلى الأرض. ما أروع ما أنشده صوفي في هذا المجال:
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
سيأتي ليبيد الأثيم المرتفع، ضد المسيح، والنبي الكذاب والوحش وإبليس الذي كان يضلهم ويطرحهم في البحيرة الجهنمية. نعم، هوذا العريس مقبل بصولجانه وسلطانه.
سابعاً: لتخدم الكنيسة بانتصار
هذا يفتح المجال للتأمل في خدمة الشاهدين، بالمقارنة مع خدمة المعلم العظيم. مدة الخدمة والشهادة ثلاث سنوات ونصف وسيلبسا الرماد، أما هو فلبس صورة عبد. لقد أُعطيا قوات القضاء لكنه أتى بمعجزات الرحمة وتم القتل والصلب في أورشليم. بقيت جثتاهما (في اليونانية: جثتهما لأن شهادتهما واحدة) على شارع المدينة ثلاثة أيام ونصف، أما هو فدفن جسده في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليال. حدث في كليهما زلزلة عظيمة ثم قاما وصعدا إلى السماء على نحو ما تم مع المسيح.
أيتها الكنيسة لا تفشلي ولا تخوري بل سمّعي صراخك وبشارتك في وقت مناسب وغير مناسب "آمين تعال أيها الرب يسوع".