"ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه. ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب." (يوحنا 20:20)
كما نعلم، إن كلمة "إنجيل" تعني البشارة السارة والأخبار المفرحة. ففي ميلاد السيد المسيح بشّر الملاك الرعاة قائلاً: "فها أنا أبشّركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب..." وبعدما قام المسيح جاء بنفسه ليبشّر التلاميذ الخائفين بقيامته، بإنجيل الفرح، ليبدّل خوفهم بسلامه، ويبدّل حزنهم بفرحه.
وإن كانت القيامة إنجيل فرح للتلاميذ فهي أيضًا إنجيل فرح لجميع المؤمنين في جميع الأجيال والعصور.
فالقيامة هي إنجيل الفرح:
1- للحزانى الباكين، لينالوا تعزية
يقول الكتاب المقدس عن مريم المجدلية: "أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكي." (يوحنا 11:20) تبكي يسوع المصلوب الذي مات ودُفن، فلم تجده في القبر، لأنه فارغ. وهنا ظهر لها يسوع المُقام من الموت، "فقال لها يسوع: يا امرأة، لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ ... ثم قال لها: يا مريم، فالتفتت تلك وقالت: ربوني! الذي تفسيره يا معلّم." (يوحنا 15:20) وهنا امتلأت نفسها بالفرح وعزّى الرب قلبها لأنها رأت حبيبها الحي الذي قام.
يا من تبكي حبيبك الذي انتقل... زوجتك أو زوجك، ابنك أو ابنتك، قريبك أو صديقك، اسمع ما يقوله الوحي المقدس على فم الرسول بولس: "ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ. لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضًا مَعَهُ." (1تسالونيكي 13:4-14) هذا رجاء المؤمنين أننا سنقوم معه ونكون معه كل حين.
أذكر سيدة تقية مات ابنها في حادث سيارة عندما كان عمره حوالي 15 سنة، وكان الأمر صعبًا جدًا خاصة كان هذا الشاب في غاية الذكاء، ومن الأوائل في مدرسته، وكعادة صعيد مصر، تأتي السيدات إلى منزل المتوفّى ويندبون خدودهن، ويضعون مساحيق زرقاء على وجوههن، ويقولون كلمات مجودة تثير المشاعر والعواطف، فيبكي أهل المتوفّي أكثر. فكانت هذه السيدة المؤمنة والدة الشاب تمنعهم قائلة لهم: ابني في السماء، وسأراه قريبًا، ومن أراد أن يشاركني التعزية فليفتح الكتاب المقدس ويقرأ لي منه لأن ابني رقد على رجاء القيامة.
أيها الحزين، تعزّى لأن يسوع حيّ، ونحن أحياء فيه. وتأكد أن قيامة المسيح إنجيل فرح لنا جميعًا.
2- للخائفين، لينالوا سلاماً
يصف الوحي المقدس حالة التلاميذ بعد صلب المسيح بهذه الكلمات: "وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!»" (يوحنا 19:20) هؤلاء الخائفون انطلقوا بعد قيامة المسيح وحلول الروح القدس بكل جرأة وشجاعة مبشرين العالم بقيامة المسيح، غير خائفين من اضطهاد أو قتل، ووضعوا أنفسهم على أكفهم لأجل يسوع الحي.
هل أنت مضطرب وخائف؟ هل لا يوجد سلام في حياتك؟ هل تشعر بقلق من المستقبل، أو من الفشل، أو من الشيطان، أو حتى من الموت والدينونة؟ الرب يقدم لك بشرى مفرحة في قيامته. فهو حي ومستعد أن يملأ قلبك بالسلام والاطمئنان. يقول السيد المسيح: "لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي." (يوحنا 1:14) وأيضًا يقول: "سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب." (يوحنا 27:20)
كان أحد الأطباء الأتقياء يعاني من مرض مزمن، ويعرف أن له أيامًا قليلة ويفارق الحياة. ولما كان الإخوة يزورونه ويسألونه عن مرضه وتعبه، إلخ... فكان يقول لهم: لا تسألوني عن مرضي بل اسألوني عن نعمة مخلّصي ليّ. وكان سلام الله يملأ قلبه.
عزيزي القارئ، اعلم يقينًا: "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح." (رومية 1:15)
3- للمتشككين ليثبتوا في الإيمان
"فقال (توما) لهم (للتلاميذ): [إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ»." (يوحنا 25:20) ولقد ظهر يسوع للتلاميذ ومعهم توما. "ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا». أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ: «رَبِّي وَإِلهِي!». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا»." (يوحنا 27:20-29) كانت قيامة المسيح بشارة فرح لتوما فحوّلت شكه إلى يقين وإيمان ثابت قوي. وما أكثر المتشككين، مثل توما، في شخصية المسيح، وفي صليبه، وقيامته، ومعجزاته، ووعوده... لهؤلاء أذكر لهم هذا الاختبار:
سأل ملحد أحد المؤمنين: كيف تبرهن أن يسوع حي وقد قام من الأموات؟
قال له المؤمن: وإن كانت حادثة الصلب والقيامة حادثة تاريخية يشهد عنها التاريخ بالأدلة القاطعة، لكنني أقول لك، إن يسوع حي لأنني اليوم كنت معه وتحدّث معي في خلوتي الشخصية.
لا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا، يسوع حيّ!
4- للجهال لينالوا معرفة
قيل عن تلميذَي عمواس: "ولكن أُمسكت أعينهما عن معرفته." (لوقا 16:24) فقد ظهر لهما يسوع ومشى معهما في الطريق، ثم قال لهما: "أيها الغبيّان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلّم به الأنبياء... فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما." (لوقا 25:24 و30)
يصف الوحي هذين التلميذين بأنهما أعميان، غبيّان وبطيئا القلوب في الإيمان، لكن قيامة المسيح وظهوره لهما فتحت أعينهما ونوّرت بصيرتهما، ومن شدة فرحهما عادا إلى أورشليم ليخبرا التلاميذ ويشهدا للمسيح المقام.
لتكن صلاتنا: افتح يا رب عينيّ لمعرفتك ومعرفة شريعتك فأفرح بقيامتك. واذكر قول الرسول بولس: "لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهًا بموته." (فيلبي 10:3)
5- للمائتين لينالوا حياة
وأعني بالمائِتين، موتى الخطايا والذنوب. فالقيامة بشارة فرح وسرور لهم.
قال المسيح لمرثا: "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حيًا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد." (يوحنا 27:11) ففي المسيح المقام حياة أبدية لكل خاطئ يؤمن بالمسيح ويقبله مخلصًا شخصيًا له.
ختامًا، نقول إن القيامة هي إنجيل فرح وبشارة سرور، فهي
تعزية للحزانى الباكين،
وسلام للخائفين المضطربين،
وإيمان للمتشككين،
ونور معرفة للجهال العميان عن طريق الحق، وهي أيضًا حياة للخطاة المائتين بالذنوب والخطايا. فإن كنا متنا مع المسيح عن خطايانا فنحن نقوم معه لجدة الحياة. يسوع حيّ فيّ، آمين!